التحديات الإيمانية (3)


أ- أحَدٌ أحَد :

عن ابن مسعود ] قال : أول من أظهر الإسلام سبعة : رسول الله ، وأبو بكر، وعمار، وأمه سمية، وصهيب، وبلال، والمقداد ].

فأما رسول الله  فمنعه الله بعمه، وأما أبو بكر فمنعه الله بقومه، وأما سائرهم فأخذهم المشركون، فألبسوهم أدْرُعَ الحديد، وصَهَرُوهم في الشمس، فما منهم أحد إلا وقد أتاهم على ما أرادوا إلا بِلاًلاً، فإنه هانتْ عليه نفسه في الله، وهان على قومه، فأخذوه وأعطوه الولدان، فجعلوا يطوفون به في شعاب مكة وهو يقول : >أحَدٌ أحد<(1)، وكان يقول : >لو أعلم كلمة هي أغيظ لكم منها لقلتها<(2).

ب- ما كان أعداء الله أهون عليَّ منهم الآن :

عن يحيى بن عروة بن الزبير عن أبيه قال : كان أول من جهر بالقرآن -بعد رسول الله – بمكة عبد الله بن مسعود ]. قال : اجتمع يوما أصحاب رسول الله  فقالوا : والله ما سمعت قريش هذا القرآن يُجْهر لها به قطُّ، فمن رجل يُسْمِعُهموه؟؟ فقال عبد الله ابن مسعود : أنا. قالوا : إنا نخشاهم عليك، إنما نريد رجُلا له عشيرة يمنعونه من القوم إن أرادوه، قال : دَعُونِي فإنَّ الله سَيمْنَعُنِي. فغدا ابن مسعود حتى أتى المقام في الضحى، وقريش في أنديتها، حتى قام عند المقام، ثم قرأ : بسم الله الرحمن الرحيم رافعا بها صوته {الرَّحْمانُ علَّمَ القُرْآن} ثم استقبلها -الأندية- يقرؤها، قال : فتأمّلوه، فجعلوا يقولون : ماذا قال ابن أم عبد؟؟ ثم قالوا : إنه ليتلو بعض ما جاء به محمد. فقاموا إليه، فجعلوا يضربون في وجهه، وجعل يقرأ حتى بلغ منها ما شاء الله أن يبلغ، ثم انصرف إلى أصحابه -وقد أثّروا في وجهه- فقالوا له : هذا الذي خشينا عليك، فقال : >ما كَان أعْدَاءُ اللّه أهْون عليَّ مِنْهم الآن ولئن شئتم لأغادينهم بمثلها غدا< قالوا : لا. حسْبُك قد أسمعتهم ما يكرهون(3).

جـ- يا أبت : إنما أريدُ ما أريد لوجه الله :

كان أبو بكر ] كثير العتق للعبيد والجواري، فقال له أبوه ذات يوم >يا بني إني أراك تُعتق رقابا ضعافا، فلو أنك إذْ فعلت أعتقت رجالا جُلْدا يمنعونك، ويقومون دونك؟< فقال أبو بكر ] : >يَا أبَتِ إنّما أُرِيدُ ما أُرِيدُ لوَجْهِ الله<(4) فنزل قوله الله سبحانه وتعالى : {وسَيُجَنَّبُها الأَتْقَى الذِي يُوتِى مَالَهُ يَتَزَكَّى وما لأَحَدٍ عِنْدَهُ مِن نِعْمَةٍ تُجْزَى إلاّ ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الأَعْلَى ولَسَوْفَ يَرْضَى}(الليل : 17- 21).

د- أتشتمه وأنـــا على دينه أقول ما يقول :

قال ابن اسحاق بسنده : مرّ أبو جهل برسول الله  عند الصفا، فآذه وتمه، ونال منه بعض ما يكره من العيب لدينه، والتصعيف لأمره، فلم يكلمه رسول الله  -ومولاة لعبد الله بن حُدْعان- في مسكنها تسمع، فعندما جاء حمزة من القنْص أخبرتْه، فاحْتملَه الغضب لما أراد الله به من كرامته، فخرج يسعى، معِدّاً لأبي جهل إذا لقيه أن يوقع به، فلما دخل المسجد نظر إليه جالساً في القوم، فأقبل نحوه حتى إذا قام على رأسه رفع القوس فضربه بها فشجّه شجة منكرة ثم قال : >أتشتُمُه وأنا على دينه أقُولُ ما يَقُول فرُدَّ ذلك علَيّ إن اسْتَطَعْتَ<، وفي رواية الطبراني قال حمزة >خُذْها بالقَوْسِ وأُخْرَى بالسَّيْفِ أشْهَدُ أنَّهُ رسول الله، وأنَّه جاءَ بالحَقِّ من عِنْدِ الله<.

فقامت رجال من بني مخزوم لينصروا أبا جهل، فقال أبو جهل : دَعُوا أبا عُمارة، فإني والله قد سَبَبْتُ ابن أخيه سبا قبيحا. فلما أسلم حمزة عرفت قريش أن رسول الله  قد عزَّ وامتنع، وأن حمزة سيمنعه، فكفّوا عن بعض ما كانوا ينالون. فما أحوجنا إلى حمامِزة في هذا العصر ليفلوا الحديد بالحديد.

هـ- لأَصْرُخَنَّ بها بيْن أظهرهم :

روى البخاري عن ابن عباس في إسلام أبي ذر ]، أنه سمع بالرسول  فجاء ليسمع منه، وعندما التقى به، وسمع منه أسْلَمَ مكانه، فقال  له : >ارْجِعْ إلَى قوْمِكَ، فأخْبِرْهُم حَتَّى يَأتِيَك أمْرِي< قال أبو ذر : >والذي نَفْسِي بيَدِه لأصْرُخَنَّ بها بَيْنَ ظَهْرَانَيْهِمْ< فخرج حتى أتى المسجد، فنادى بأعلى صوته : >لا إله إلا الله وأنّ مُحَمّداً رسُول الله< فقام القوم فضربوا حتى أوجعوه، وأتى العباس فأكِبَّ عليه، وقال : >ويْلَكُمْ ألسْتُمْ تَعْلَمُونَ أنَّهُ مِنْ غِفَارِ وأنَّها طَرِيقُ تُجّارِكُمْ إلى الشَّامِ؟!< فأنقده منهم(5).

و- إنا لا نسجد إلا لله :

روى الطبراني عن أبي موسى قال : أمرنا رسول الله  أن ننطلق مع جعفر بن أبي طالب ] إلى النجاشي، فبلغ ذلك قريشا، فبعثوا عمرو بن العاص وعُمارة بن الوليد، وجَمَعا للنجاشي هدية، فأتياه بالهدية، فقبِلها وسَجَدا له، ثم قال عمرو بن العاص : إن ناساً من أرضنا رغِبُوا عن ديننا وهم في أرضك، فبعث إلينا، فقال جعفر : أنا خطيبكم اليوم، فانتهينا إلى النجاشي وهو جالس في مجلس، وعمرو بن العاص عن يمينه، وعُمارة عن يساره، والقسيسون والرهبان سماطين، وقد قال له عمرو وعُمارة : إنهم لا يسجدون لك، فلما انتهينا بَدَرَنا مَنْ عِنده من القسيسين والرهبان : اسجدوا للملك، فقال جعفر : >إنّا لا نسجد إلا للّه<(6).

—-

1- الحاكم، وابن اسحاق، انظر أًصحاب الرسول لمحمدو المصري 466/1.

2- السيرة النبوية لأبي شهبة 342/1.

3- انظر ابن اسحاق والطبري والقرطبي وأصحاب الرسول 433/1.

4- فلله أنت أيها الصّدِّيق، فقد هداك الله تعالى إلى تحرير الإنسان قبل أن يعرف العالم ذلك ببضعة قرون، لأنك بصدقك وسلامة فطرتك عرفت أن الإسلام دين التحرر والانعتاق، ولذلك سخرت ما تملك من ثروة في سبيل تحرير المستضعفين، فحررت حمَامَة أمّ بلال، وزنِّيرة، وجارية بني المؤمل، والنّهدية وابنتها، وأمّ عُييس أو عنيس، وغيرهن. ومن الرجال : بلال، وأبو فُكَيْهَة، وعامر بن فُهيرة، فعل الصديق ذلك قبل أن تنزل الآيات المرغبة في  عتق الرقاب. انظر السيرة النبوية لـ د. أبو شهبة 344/1 وما بعدها.

5- انظر الأساس في السنة 230/1 والمقصود إنه من غِفار، أي أنه من بلاد اللصوص وقطاع الطرق، وطريق تجارتكم يمر على هذه القبيلة المعتادة على النهب، فإذا أنتم قتلتموه فتحتم على أنفسكم باباً من الكساد التجاري.

6- الأساس في السنة وفقهها -السيرة : 251/1.

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>