التجاء الكافرين إلى أساليب الدَّسِّ والخيانة والنكث بالعهود من أعْظَم الفِتَن


 

ذا النوع من الخيانة وقع قديما، والآن يتكرر، فنفس الأسلوب يتكرر، بمعنى أن المشرك حينما يعجزه أن يأخذ من المسلمين أو ينال منهم في ساحة المعركة فإنه يفكر في الأسلوب الخائن الغادر ليَنَال بعضَ ما عجز أن يناله في حالة المواجهة.

إن الانتصارات التي يحققها الناس في مثل هذه الحالات لا تسمى انتصارات أبدًا. ولكنها تعبير عن دناءة الجيش الذي يحتاج إلى هذه الأساليب الدنيئة من أجل أن يقضي على خصومه. إن “جوهر دوداييف”الرئيس الشيشاني السابق الذي قُتل خيانة واستشهد رحمه الله كانت له رغبة في أن يرفع المعاناة عن قومه، وكان يريد أن يحاور خصومه للوصول إلى سلام عادل لبلاده وخصومه، ولذلك قبل بالأسلوب الحواري، ولا شك أنه كان يعلم أن هذا الغدر متوقع، لأنه لم يكن إنسانا ساذجا، ولا عاديا، ولكنه كان يريد أنيتخذ كل الوسائل وهو يدافع عن أمته.

طبعا وسائل الإعلام عندنا وخصوصا بعض الصحف أحيانا تكتب صفحة كاملة عن رجل قتل زوجته بسبب فتوى صدرت لتبيان أن المسلمين أناسٌ مغفلون ودمويون وكذا وكذا مع أن كل حدث وقع يستحق تحليلات سياسية، ونفسية، واجتماعية، بروح نزيهة من المسلمين وغيرهم لنستنبط منه دروسا وعبرا كثيرة تفيدنا إن كنا جادين فعلا.

لابد أن نعرف أن الكافر ليس له عهد ولا ذمة كما نص القرآن على ذلك. ولا بد أن نعرف أن الكافر جَبَانٌْ يقاتل بكل الطرق الخبيثة، لا بد أن نكون دائما غير مطمئنين إلى وعود الكفرة وتلْويحاتهم بالسلم. لا بد أن نقول للكفرة إننا لسنا إرهابيين، بل أنتم الإرهابيون الحقيقيون، وأن الغدر من وسائلكم الإرهابية في مواجهة الخصم. لا بد أن نقول لهؤلاء المتشككين الآن إن مثل هذا الرجل “جوهر دوداييف” الذي قتل غدْراً يعطي الدليل بأن الأمة الإسلامية -فعلا- وُجد فيها رؤساء وأمراء كانوا في المستوى المطلوب أي كانوا في مستوى تاريخ الأمة المشرق. فالذين يريدون أن يقولوا لنا إن تاريخ المسلمين هو تاريخ الظلم والاستبداد ـ فقط ـ يخطئون. وإن وجود مثل “جوهر دوداييف” يفقأ أعينهم، ويصفع نذالتهم وخستهم.

الإسلام قادر -بعظمته- على إخراج رجال عظماء من أوساط الفتن الكالحة

إن الإسلام كما قالوا ينتهي في زمن أبي بكر وعمر، أي أن الإسلام  إنما حقق نفسه في زمن واحد، في عهد النبوة، وفي زمن الخلافة الراشدة، وربما لا يسحبون هذا حتى على عثمان. بل يريدون أن يقولوا إن تاريخ الإسلام انتهى بعد وفاة عمر.

والتاريخ الإسلامي -في الحقيقة- تكرر مرات، إذ وجدنا رجالا وزعماء أفذاذا في كل عصر، ومثل هذا الرجل “دوداييف” مثلا. أليس هو مثالا للرئيس، أو الإنسان المسلم المسؤول، الذي يحمل هموم أمته بكل صدق وأمانة، كان بإمكانه أن يبقى قابعًا في قصر من القصور، أو يبقىتابعا لقادة الكرملين، ولكنه اختار أن يكون في الخنادق.

إن هذا الرجل كان بإمكانه أن يُسيِّر حركة المواجهة والمقاومة من وراء الحدود بوسائل أخرى، لكنه آثر أن يبقى مع جنوده الصادقين هؤلاء، هذا الرجل لم يكن من حوله مَنْ يخونه، ولذلك لم يستطيعوا أن يصلوا إلى بطانته، ولا أن يعرفوا أين هو. ما عرفوه إلا بالطريقة الخيانية. لأن البطانة التي كانت تحيط به كانت بطانة صادقة. إن هذا الرجل ما دُفِع إلى مثل هذا الذي دُفِع إليه إلا لأنه كان يحمل في قلبه إيمانًا صادقا لمستقبل الإسلام. وهذا الرجل لم يكن الموت بالنسبة إليه شيئا كبيرا، وقد كان دائما يكرر بأنه يحب أن يلقى الله عز وجل وهو راضٍ عنه في ساحة الشهادة. لماذا لا يتحدث الإعلام عن شيء من هذا.

هذه دروس وعبر وأشياء مهمة يجب أن نتوقف عندها. وسائل الإعلام والصحف لا تهتم بمثل هذه الأشياء بل تهتم بتوافه الأمور وسفاسفها. لماذا تقفمع أناس لا يساوون شيئا في حين أن (استشهاد دوداييف) يستحق التوقف عنده، كما يستحق كل مجاهد في أي مكان التوقف عنده، وأخذ الدروس والعبر منه. هذا هو التاريخ الحي الذي يصنع الأمة الخيّرة الحاملة للخير والسلام لكل الناس، فقد رأينا كيف يعيش العظماء، وكيف يموتون ويستشهدون، وكيف تقاوم هذه الأمة، وكيف ترفض الركوع للأصنام من الغرب أو الشرق. ونجد في المقابل أن الكافر هو المنهزم، وهو المتخلخل دائما. الجيش الأحمر الذي يعد من أكبر جيوش العالم يلجأ إلى الطريقة الخبيثة مع أنه كان باستطاعته أن يقضي على الشيشانيين في أسبوع أو أسبوعين، فلماذا يلجأ إلى البحث عن هاتف “دوداييف” ويستعمل طائرة التجسس لمراقبته، ويرسل له قنابل الليزر من أجل ضربه وقتله. أنت جيش عظيم كنت تخيف وترعب الناس في العالم، اكتَسَحت العديد من الدول في أوروبا في ظرف 24 ساعة، في يوغوزلافيا وغيرها. أما في الشيشان فظل يغزو هذا البلد لمدة شهور، ومع ذلك فالشيشاني لازال يقاوم ويجاهد. حتى اضطروا إلى اللجود للخيانة التي لا تعتبر انتصارات، وهذا شيء يشين هؤلاء الشيوعيين. ويعيبهم ونقول لشيوعيينا ببلدنا هذا دَرْسٌ لكم، لأن دوداييف كان شيوعيا سابقا وعرف من الشيوعية مالم يعرفها أيُّ واحدٍ منهم، وأتْقَنَها وفهمَها، وعاشَها وعايَشَها، واكتوى بنارها، وأخيراً فرَّ عنها ثم عاد إلى الإسلام.

فالذين يبشرون بالشيوعية وذيولها الغاربة نقول لهم : إن الناس قد انفَضُّوا عنها، ودوداييف هو شيوعي سابق وكان في الحزب الشيوعي، وارتقى ودرس، ولكن الله تعالى منَّ عليه، وأفْهَمَه هذا الدين، ولذلك ترَوْنه دائما في جهاده ولقائه بالجنود يجأر بالدعاء مع جنوده، ويُكَبّرون الله عز وجل، ويَعْتزون بالاسلام أيَّما اعتزاز. إن هؤلاء الناس هم في الحقيقة شهداء، رحمهم الله تعالى وتغمدهم برحمته في فسيح جناته، وتقبل منهم هذا العطاء الكبير الذي أعطوه للإسلام لأنهم قَدَّموا أنفسهم خِدْمة لهذا الدين، ومن أجل أن تقوم هذه الأمة. ولا شك أن هذه الأمة الإسلامية التي تخرج الأبطال في الشيشان وغير الشيشان، لا بد أن يظهر حقها، ولابد أن تنتصر بإذن الله عاجلا أم آجلا، وسوف يظهر الإسلام ويحقق ذاته، لأن هذه الشدة هي علامة الفرج، هذا الاهتمام الكبير بالإسلام وهذا الضغط الذي يواجهه سيُبَيّن لبعض التقدميين أنهم في الهامش، وليس لهم قيمة أبدا ماداموا يقتلون في حبل الأجنبي الكافر. هؤلاء مسخرون. هؤلاء الشيوعيون إن أوقفت لهم الصحيفة أو الدعم يموتون. لم يصنعوا أي حدث في التاريخ. ولا يمثلون شيئا من الحق أبدا. بينما المسلمون -على ضعفهم وبساطتهم ووقوف الطغيان أمامهم- صامدون، لأن الله مولاهم، وهو نعم المولى ونعم النصير.

أعظم الفتن الجالبة لسخط الله تعالى مناصرة عدو الله وعدو الأمة

من المعلوم أن الإنسان يُفتن ويُمْتحن ويُختبر بالشدة وبالرخاء، وبالخير وبالشر، ليتبَيَّن مَعْدِنه ولتتبين حقيقته. وهذا المعنى سبق إيراده عندما تحدثت عن معنى الفتنة التي هي اختلاطُ الأمور واضطرابُها وتداخل الأشياء والقيم حينما تصل الأمة إلى مرحلة لا تَعْرِف فيها حقًّا من باطل، ولا خيرًا من شر، ولا صوابًا من خطأ، ولا تعرف الأمة عدوها من صديقها، بل ربما تناصر عدوها وهو يَهْدِم دينها، ويَهْدم مستقبلها، حينذاك تكون هذه الأمة قد وقعت في أوج الفتنة. وهذه الفتنة تجعل الأمة في حالة من الضياع و التشتت والتشرذم، والغيبة عن حقيقة هذا الدين.

ثم هناك الفتنة بالمعنى العقابي الذي هو ناتج عن الفتنة السابقة، وهو حلول العقوبة الإلهية بأمة من الأمم، أو بشخص، أو جماعة، قد تكثُر أو تقل. فقد تُفْتَن الأمة بمعنى أن الله يمتحنها بفتنة أي بعقوبة. وقد يكون من معاني الفتنة بمعنى العقوبة قول الله تعالى :{يَوْمَ هم على النَّار يُفْتنون}(الذاريات) والمشركون والكفرة يُفْتَنون على النار، أي يُعَذَّبون فيها ويصْلَون جحيمها. حينئذ هم في فتنة، والفتنة تكون عقوبة وعذابا. هذه الفتنة منتظرة، ويمكن أن تحل بكل أمة وقعت في الفتنة الأولى التي هي فتنة الإضطراب والزيغ والانحراف نسأل الله السلامة منها.

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>