{قُمْ فأَنْذِرْ}: لماذا الدَّعوةُ ضَرُورة بشَرية؟


1- والذي خبث لا يخرج الا نكدا

ذكرنا سابقا مكامن الخلل في الفكر الغربي التي حصرها الأستاذ محمد قطب في أربع اختلالات كبري هي : العجز عن التوفيق بين فاعلية قدر الله تعالى وفاعلية الانسان والعجز عن التوفيق بين الدنيا والأخرى، والمادي والروحي في كيان الانسان، والعجز عن التوفيق بين عالم الغيب وعالم الشهادة، والعجز عن ايجاد التوازن بين الثابت والمتغير.

والسؤال الآن : أين مَنْبَعُ الخلل وأصله؟

يجيب إجابة سديدة موفقة الأستاذ الكبير أبو الأعلى المودودي رحمه الله تعالى، عند شرحه لقوله تعالى : {والبلد الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نبَاتُهُ بإِذْنِ ربِّهِ والذي خَبُثَ لا يَخْرُجُ إِلاَّ نَكِداً كَذَلِك نُصَرِّفُ الآياتِ لِقَوْمٍ يشْكُرُون}(سورة الأعراف) في كتابه (تنقيحات) تحت عنوان : “مقالة أمم العصر المريضة”

قال رحمه الله تعالى “ظهرت الحضارة الغربية في أمة لم يكن عنْدَهَا مَعِينٌ صَافٍ، ولاَ نبْعٌ عَذْبٌ للحكمة الإلهية، لقد كان فيها قادةُ الدين، ولكن لم يكونوا أصحابَ حِكمة ولا عِلْمٍ ولا شريعة إلهية، ولم يكن عِنْدَهُمْ إلا شَبَحٌ دينيٌّ لَوْ حَاوَلَ أن يسير بالنوع الإنسانيّ على صراط مُسْتقيم في طُرُق الفكر والعمل لما استطاع، بل كان سَدّاً في سبيل ارتقاء العلم والحكمة. وهكذا كان، وكان عاقِبةُ ذلك أن الذين كانوا يُريدون الرُّقِيَّ نَبَذُوا الدِّين بالعَرَاءِ، واختَارُوا طريقاً لم يكن دليلهم فيها إلاَّ المُشَاهَدَة، والاختبَار، والقياس والاسْتِقْراء، وَوثِقُوا بهذه الدَّلائِل التي هي في حاجة بنفسها إلَى الهِدَايَةِ والنُّورِ، وجاهدوا واجتهدوا باحْتذَائِها في طُرُق الفكر، والنَّظر، والتحقيق والاكتشاف، والبناء والتنظيم، ولكن ضَلَّتْ خُطْوَتُهُمْ الأولَى في كل جهة ومجال، وانصرفتْ فتوحُهُمْ في ميادين العلم والتحقيق، والفكر والنظر إلى غاية لم تكن صحيحة، إنهم بدأوا وساروا من نُقْطَةِ الإِلْحَادِ والمَادِّية. نظروا في الكون على أنه لَيْسَ لَهُ إِلَهٌ، نظروا في الآفاقِ والأنفس على أنه لا حَقِيقَةَ فيها الا المشَاهَد والمحْسُوس، إنهم أدْرَكُوا نواميسَ الفِطرة بالاختبار والقياس ولكنهم لم يتوصَّلُوا إلى فاطِرِها، سَيِّدِها ومُدَبِّريها، وجَهِلُوا أنَّهُمْ خُلَفَاءُ سيِّدِهَا الحَقِّ، فاختلَّ أساسُ مدينتهم وتهدْبيهم، وانصرفوا عن عبادة اللهِ إلى عبادَةِ النَّفْسِ، واتَّخَذُوا إلَهَهُمْ هَوَآهُمْ، وفتَنَتْهُمْ عبادة هذا الإِلَهِ، وسارتْ بهم هذه العبادة في كل ميدان من ميادين الفكر والعمل على طُرُقٍ زائغة خَلاَّبَة رائعة، ولكن مصيرها إلى الهلاك…

والحاصل أن البَذْرَة الخبيثة التي أُلْقِيَتْ في تُرْبَة أوربا في نهضتها الثانية لم تأت عليها قرون، حتى نبَتَتْ مِنها دَوْحَةٌ خبِيثَةٌ، ثِمَارُهَا حلوة ولكنها سامَّةٌ، ازهارُها جميلةٌ ولكنها شَائكةٌ، فروعُها مُخْضَرَّة ولكنها تنْفُث غازاً سامّاً لا يُرَى، ولكنه يُسمِّمُ دَمَ النَّوْعِ البشَرِيِّ.

إن أهل الغرب الذين غرسوا هذه الشجرة الخبيثة قد مَقتُوها، وأصبحُوا يتذمَّرون منها، لأنها خَلقَتْ في كل ناحية من نواحي حياتهم مشاكل وعقَداً لا يَسْعَوْن إلى حلِّها إلا وظهرتْ مشاكِلُ جديدة… ولا تزال هذه الشجرةُ تُثْمر لهم شروراً ومصائب، حتى صارت الحياةُ الغربِيَّةُ جَسَداً مَقْروحاً، يشكو من كل جزءٍ أوجاعاً وآلاماً، وأعْيَا الدَّاءُ الأطِبَّاءَ… الأمَمُ الغربية تتمَلْمَلُ ألماً، قُلُوبُهَا مُضْطَربِةٌ، وأوراحُها متعطِّشَةٌ إلى ماءِ الحياة، ولكنها لا تعْلَم أين مَعِينُ الحياة. إنهم لا يعلمون أن مَنْبَع الفساد في أصْل الشجرة. ومنَ السَّفَاهَةِ أن يترَقَّبَ الإنسان أن يَنْبُت فرْعٌ صَالِحٌ من أصْلٍ فاسِدٍ وفيهم جماعة قليلة من العُقَلاءِ أدْرَكُوا أن أَصْلَ حَضَارَتِهم فاسِدٌ، ولكنهم لَمَّا نَشَأُوا قروناً في ظلِّ هذه الشجرة -وبأثْمَارِها نَبَتَ لَحْمُهُمْ ونشزَ عَظْمُهم- كَلَّتْ أذْهَانُهُمْ عن أن يعْتَقِدُوا أصْلاً آخر -غير هَذَا الأصل- يستَطِيعُ أن يُخْرِج فروعا وأوراقاً صالحَةً سليمةً، أما الأكثريَّة منْهُمْ فيتوهَّمُون أن منبع المصائب في فروع هذه الشجرة، فهم يفصلونها ويَسْتَأصِلُونها من الشَّجَرة، ويُضَيِّعُون أوقاتهم في قَطْعِهَا، حَيْثُ تطْلُعُ فروعٌ كثيرةٌ ذات شوك. إن هذه الكثرة لا تَعْلَمُ أن منبَعَ الفساد في أصل الشجرة، وكِلاَ الفَرِيقَيْن في النتيجة سوَاءٌ إنهم يتطلَّبُون شيئا يُعَالِجُ سَقَمَهُمْ ويريحهم من كربهم، ولكنَّهُمْ لا يعْلَمُونَهُ، ولا يعْلَمُونَ مَكانَهُ)انتهى باختصار وتصرف انظر : “ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين منْ ص : 266 إلى 288.

ولا بأس أن نضيف إلى هذا التحليل الرائع شهادات من أصحاب هذه الحضارة أنفسهم:

أ- يقول الراهب “أغستين” : (إن الروم الوثنيين كانوا يعبدون آلهتهم في المعابد ويَهْزَأُون بهم في دُورِ التَّمْثِيل)-162 ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين.-

ب- أجاد الصحفي الإمريكي المشهور JHON GUNTHER  تمثيل نفسية الغرب في كتابه (في داخل اروبا) بقوله : “إن الانجليز إنما يَعْبُدُون بنْكَ انْجِلِتْرَا ستَّةَ أيام في الأسبوع ويتوجَّهُون في اليوم السابع إلى الكنيسة”-نفسه -185.

جـ- يقول الأستاذ “جود” الإنجليزي “إن العلوم الطبيعية قد مَنَحَتْنَا القوة الجديرة بالآلهة، ولكنَّنَا نَسْتَعْمِلها بعقل الأطفال والوحوش”-نفسه -218.

-2 مكامن الضرورة البشرية للدين :

إن الحاجة البشرية المُلِّحة للدَّعوة الإسلامية تتجلى في عدة ميادين، نذكر منها ما يلي :

أ- هداية الحيارى والتائهين : فهذا العَالَم المتحضِّر وجد المال والقوة وجميع أصناف المُتَعِ الحِسيَّة، ولكنه لم يجِدْ السعادة، لأنه لم يعْرف منبعَها الذي يوفِّرُ له الأمن النفسي والاجتماعي والسياسي والاقتصادي، فواجب المسلمين المُؤتَمنين على رسالة الأنبياء تَقْدِيمُ المَنبع الصَّافي بالأسْلُوب المناسب لِظُروف العصْرِ مَعَ تَوْفِير الشُّرُوط الضرورية للدَّعوة الناجحة.

ب- تحرير الإنسان من عبودية الطواغيت : إن الطواغيت جمع طاغوت وهو كل ما يُعْبَدُ من دون اللَّهِ سواء كان هَوىً، أو مالاً، أو قُوَّة مادية، أو قومية، أو عصبية لجنسٍأو مذهَباً من المذاهب البشرية، أو تشريعاً من التشريعات البشرية… إلى غير ذلك من الطواغيت المشقية للإنسان، والماسخةِ لفطرته.

يقول الدكتور يوسف القرضاوي في كتابه “أَوْلَوِيات الحركة الإسلامية” ص 139 “وإذا كانت رسالة موسى عليه السلام رسالة تحرير لبني اسرائيل من جَبَرُوت فرعون وهامان وقارون، فإن رسالة محمد صلى الله عليه وسلم تحرير للبشرية كلها من كل الفراعين، والهوامين، والقوارين، المستكبرين في الأرض بغير الحق، المتعالين على عباد الله بالباطل، الذين أرادوا أن ينازعوا الأُلُوهيَّة رِدَاءً عِزِّها وعظمتها فتألَّهُوا على الناس، واستذَلَّوهُمْ( ولقد أعْلن رَبْعِيُّ بن عامر هذه الحققة أمام رُسْتُم قائد الفرس، حيث قال له : “إنَّ الله ابتَعَثَنا لِتُخْرِجُ الناس من عبادة العباد الى عبادة الله وحده، ومن ضيْقِ الدنيا إلى سَعَتها، ومن جَوْرِ الأدْيان الى عَدْلِ الإسلام.

ولقد أصبحت الحاجة ملحة أكثر فأكثر إلى تحرير الإنسان في عصر الفضاء والتجسس وعصر الغزو الإعلامي، وعصر اكتشاف القوة المدمِّرة للإنسان بمختلف الأشكال والأحجام حيث أصبح الإنسان المالك لهذه الوسائل وغيرها يتحكم في كل المستضعفين على وجه الأرض، تحكُّماً ما أنزل الله به من سلطان.

جـ- إشباع الجوع العقلي والروحي للإنسان : الإنسان بحاجة إلى أن يعرف معرفة يقينية مُبْتَدأه ومُنْتَهَاهُ، وَدَوْرَهُ في الدُّنيا، وعلاقتَهُ بالكَوْنِ المُحيط به، ولا يستطيع أن يجد هذه المعرفة المقنعة للعقل إلا في الإسلام وكتابه القرآن العظيم، ففي كل سورهِ وآياته شواهِدُ ومعجزات دَالَّةٌ العَقْلَ على وجُود اللَّهِ تعالى، واستحقاقه التفرُّد بالألوهية والعبودية، ثم تَبْيين مصير العُقلاء المهتدين، ومَصير السفهاء الضالين المتكبرين، وبذلك يعرف الإنسان حجْمَه بالنِّسْبة لربِّه، وبالنسبة للكون الموجود فيه، ويعرف مهمته في هذه الحياة، وهي مهمة الطاعة التامة لسيّده ومولاه خالِقِهِ ورَازِقِهِ ومَالِكِ مصيره في الحال والمآل.  قال تعالى : {إنَّا خَلَقْنَا الإنسان مِنْ نُطْفَةٍ أمْشاجٍ نَبْتَلِيه فَجَعَلْنَاه سَمِيعاً بصِيراً(2) إنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إمَّا شاكِراً وإِمَّا كَفُوراً(3) إنَّا أَعْتَدنَا لِلكافرين سَلاَسِلاً وأغْلاَلاً وسَعِيراً(4) إنَّ الابْرارَ يشْرَبُونَ منْ كَأْسٍ كَانَ مَزَاجُها كافُوراً(5)…}(سورة الانسان) ففي هذه الآيات الأربع بيانٌ تام لمعرفة مبتَدَإِ الانسان، وعِلَّة خَلْقه ومَجِيئه للدنيا، ونِهايته، ومصيره الأُخْرَويِّ، يبْقى الاقتناع بهذه الحقائق فكتاب الله عز وجل يُحيلُهُ إلى الكَون المفتوح أمامهُ بكُلِّ ما فيه ليتأمَّلَهُ بعقله، ويتدبَّره بِفكره، فينشأ عن التأمُّل والتدَبُّر اقتناعٌ تطْمَئِنَ اليه النفسُ وترْتَوي منه الرُّوحُ بِفَيْئِها ورُوجُوعِها إلى رَبِهَا خاشعة متَضَرِّعَة، راضية مرْضِيَّةً، حَامِدَةً شاكرة {ومَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ والأرْضَ وما بَيْنَهُما باطِلاً ذَلِكَ ظَنُّ الذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ للِذِينَ كَفَرُوا من النَّار(26)  أمْ نَجْعَلُ الذِينَ آمَنُوا وعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كالمُفْسِدِينَ فِي الأَرْضِ أمْ نَجْعَلُ المُتَّقِينَ كَالفُجَّارِ(27) كِتَابٌ أنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آياتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الألْبَاب(28)}(سورة ص)

د- ضَبْطُ الإنسان بالإيمان : لقد اشتغلت المجتمعات قديما ومازالت -بتشريع القوانين الرادعة للبشر كَيْ ينقطع الإجرام، أو يَقِل على أحسن تقدير، ولكن الإنسان كلما اجتهد في تطويق الجرائم بالقوانين والوسائل المادية، والكِلاَبِ الحيوانية المُدَرَّبَة، كُلَّما كان هذا الإنسانُ نَفْسُه أَكْثَرَ تحَايُلاً على هذه القوانين، للتَّفَلُّت منها بدون أدْنَى شعور بالإِثْم أو الحرَج، بل كان أكْثَرَ فرحا، وأشد ثقةً بِذَكائه الذي أنْجَاهُ من الوقوع في قَبْضة القانون الذي لا يسْمَعُ ولا يُبصِرُ ولا يُراقِبُ -من تلْقَاءِ نفسه- العابِثين به، إنَّهُ مُجَرِدُ صَنَم يحتاجُ إلى منْ يَحْمِيه كالأصنام التي كَسَّرها ابراهيم عليه السلام، وقال لحُمَاتِهَا مُسْتَهْزِئاً بعقولهم الطفولية >فاسْألُوهُمْ إنْ كَانُوا ينْطِقُون(63) فرَجَعُوا إلى أنفُسِهِمْ فقالوا : إنَكُمُ أنتُمُ الظّالِمُون(64) ثم نُكِسُوا على رُؤُوسِهِمْ لقَدْ عَلِمْتَ ما هُؤُلاَءِ ينْطِقُون(65) قال :{ أفَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَالاَ ينْفَعُكُمْ شَيْئاً ولا يَضُرُكُمْ أفٍّ لَكُمْ وَلِمَا تَعْبُدُونَ من  دُونِ اللَّهِ أفَلاَ تَعْقِلون(66) قَالُوا حَرِّقُوهُ وانصُرُوا آلِهَتَكُمْ إنْ كُنْتُمْ فَاعِلِين(67)}(سورة الأنبياء)

أما الإسلام فيربط الإنسان بربه مباشرة، ويزرع القانون الرادع له في صدره، وآلة المراقبة في سويداء قلبه، ليشعر بالفرح اذا تغَلَّبَ على الهوى ويشعر بالإثم والحرج والندم إذا تغلّب عليه الشيطان والهوى فيسْرع إلى ربه بالتَّوْبة والآنابة والاستغْفار لا يَهِمُّه رِضَا العَالِمِ كُلِّهِ إذا سخط عليه ربه، ولا يعبأ بسُخْطِ العالم كُلِّهِ اذا رضي عنه ربُّه {وَأَمَّا من خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ ونَهَى النَّفْسَ عنِ الهَوَى فَإِنَّ الجَنَّةَ هِي المأْوَى}(39، 40 سورة النازعات) {إنَّ الذِينَ هُمْ مِنْ خَشْيَةِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ(58) والذين هُمْ بآياتِ رَبِّهمْ يُومِنُونَ(59) والذِينَ همْ بِرَبِهِمْ لا يُشْرِكُونَ(60) والذينَ يُوتُونَ مَا آتَوْ وَقُلُوبُهُمْ وجِلَةٌ أنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَجِعُون(61) أُولِئِكَ يُسَارِعُونَ في الخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ(62)}(سورة المومنون) وفَرْقٌ كبير بين من له وازِعٌ إيماني يرْدَعُهُ، ومَنْ لَهُ قَانُونٌ أعْمَى أبكَمُ أصَمُّ مَشلُولٌ يحْرُسُهُ؟؟ وما ينتشر من الإجرام داخلَ أكثرِ الدول تقدماً خَيْرُ شاهد.

هـ- إحياء موات الإنسان : قال تعالى : {وأوَ مَنْ كَان ميِّتاً فَأحْيَيْناهُ وَجَعَلْنا لَهُ نوراً يَمْشِي به في النَّاس  كمنْ مَثَلُهُ في الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْها كذلك زُيِّنَ لِلْكَافِرن مَا كَانُوا يَعْمَلُون(123)}(سورة الأنعام) فالإنسان بدون إ سلام يُعَدُّ من الأموات، ولا حَياةَ لَهُ إِلاَّ بالدَّعْوة.

و- حِفْظُ الإنسان من الدَّمَار : قال تعالى {ولوْلاَ رِجَالٌ مُومِنُونَ ونِسَاءٌ مُومِنَاتٌ لَمْ تَعْلَمُوهُمْ أنْ تَطَؤُوهُمْ فَتُصِيبَكُمْ مِنْهُمْ مَعَرَّةٌ بغَيْرِ عِلْمٍ لِيُدْخِلَ اللّهُ فِي رَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ لَوْ تَزَيَّلُو لَعَذَبْنَا الذينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَاباً أَلِيماً}(سورة الفتح : 25) قال ابن القيم رحمه الله تعالى في زاد المعاد 3/314 (أخْبَرَ سبحانه وتعالى أنهم -أيْ المُومِنُون المسْتَخْفُونَ بدينِهِمْ دَاخِلَ مكة- لوْزَايلُوهُمْ وتميزوا منهم لعَذَّب الله أعْدَاءَه عذاباً أليما في الدنيا، إمَّا بالقَتْلِ أو الأسْرِ، وإمَّا بغيْره، ولكن دَفَعَ عنهم هذا العَذَابَ لوجُودِ هؤلاء المومنين بين أظْهُرِهِمْ، كما كان يدفع عنهم عَذَابَ الاسْتِئْصَالِ، ورَسُولُهُ بين أظهرهم) وهذا واضح في أن وجود المومنين على وجْه الارض عاصِمٌ من حُلُول الدَّمار بالعالم، فهي سنة ماضية يؤكِّدُها ويوضحها قول الله تعالى {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِبَهُمْ وأنْتَ فِيهِمْ وَمَاكَانَ اللَّهُ مُيْعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يسْتَغْفِرُون} روي عن ابن عباس في تفسير هذه الآية قوله : {ما كان الله ليعذب قوما وأنبياؤهم بين أظهرهم، وما كان الله مُعَذِّبَهُمْ وفيهم من قد سَبَقَ له من اللَّهِ الدُّخول في الإيمان وهو الاستغفار}-ابن كثير 2/372- والذي سبق في عِلْمِ الله إسْلاَمُهُ وإيمانُهُ يَتِمُّ اكتِشَافُهُ والوُصول إليه عن طريق الدَّعوة، فهي التي جعلها الله سببا لاىمان الإنسان، وهناك تفسير آخر للآية تشير إليه بعض الأحاديث النبوية قال رسول الله صلى الله عليه وسلم “إنَّ الشَّيْطَانَ قال وعَزِّتِكَ يارَبِّ لاَ أَبْرَحُ أغْوِي عِبَادَك مَادَامتْ أرْوَاحُهُمْ في أجْسَادِهِمْ قال الرَّبُّ : وعِزَتي وجَلاَلِي لاَأَزَالُ أَغْفِرُ لَهُمْ مَا اسْتَغْفَرُوني” وقال صلى الله عليه وسلم “العَبْدُ آمِنٌ منْ عَذَابِ اللهِ ما اسْتَغْفَرَ اللَّه عزَّ وجَلَّ”-رواهما الامام أحمد انظر ابن كثير- فَوُجود المومنين بالفعل، أو منْ يَعْلَم الله تعالى أنه من الداخلين في رحمة الايمان مُسْتَقْبَلاً بِسَبَبِ الدَّعْوَةِ، كلِّ ذلك أمَانٌ مِنْ وُقُوعِ العَذَابِ.

ز- إقامة الحجَّةِ لِلَّهِ على المُعَانِدِين والتَّوَقِي مِنْ شُرُورِهمْ : فالذين طبع الله على قلوبهم بسبب مامَارَسُوه من الطغيان يُقيمُ الدَّعاة عليهم حُجَّة الله تعالى لتحقيق حِكْمَة العدْلِ الالهي الشامل في الدنيا والآخرة، وفي نفس الوقت يُحَصِّنون الأمة من شرورهم. قال د. عبد الكريم زيدان : “فالمسلمون شُهَدَاءُ اللهِ علَى خَلْقِهِ ومُبَلِّغُو رِسالتِهِ اليهم بعد نبيِّهمْ. إن قيام المُسْلم بالدَّعْوة الى الله يؤدِّي أعْظَمَ نفع وعوْنٍ لعباد الله : لأنه يمدُّ إليهم يداً كريمةً تُنْقِذُهُمْ مِمَّا هم فيه من رِجْسٍ الشركِ والوثنية ويضعُهُمْ على صراط الله المستقيم، ليحققوا الغاية التي من أجلها خلقوا{وَمَا خَلَقْتُ الجنَّ والانْسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُون}(سورة الذاريات) وعلَى هذا فقيامُ المُسْلِمِ بِدَعْوَةِ أهْلِ الشِّرْكِ والكُفْرِ إلى اللهِ والى دينه يُفِيدُهُ وَيَقِيهِ شُرُورَ الكُفْرِ)-من أصول الدعوة بتصرف ص 302، 303-.

حـ- دفع الهلاك والعذاب عن المسلمين : قال تعالى :{واتقُوا فِتْنَة لاَ تُصِيبَن الذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُم خَاصَة وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيد العِقَاب}(سورة الأنفال) قال ابن عباس رضي الله عنهما : أَمَرَ اللهُ المومنين ألا يُقِرُّوا المنكر بينَ أظْهُرِهِمْ فيعُمّهم العذاب أيْ يُصيبُ الصَّالِحَ والطَّالِحَ، وفي مسلم عن زينب بنت جحش أنها سألت النبي صلى الله عليه وسلم : يارسُولَ الله أنُهْلَكُ وفينا الصَّالِحُون؟؟ قال : “نَعَمْ إذَا كَثُرَ الخَبَث”(انظر المرجع السابق).

فمَا أَعْظَمَ الجُرْمَ الذي يتحَمَّلُهُ المسلمون حُكَّاماً ومَحْكُومِينَ، قَادة ومَقُودِينَ، نُخَْبَةً وسُوقَةً، في حق أنفسهم، وحق الإنسانية، بِسبَبِ التفريط في الدَّعوة!!.

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>