دور السيرة النبوية في بناء المنهج الحركي


دور السيرة النبوية في بناء المنهج الحركي > عباس زهير إن السيرة النبوية بالنسبة للمسلمين نموذج كامل، فهي الخط التغييري الذي أرخ لكيفية تنزيل هذا الدين في واقع جاهلي بعيد كل البعد عن التدين كما أن نزول هذا القرآن منجما على الرسول صلى الله عليه وسلم في تراتبه الزمني واكب متطلبات هذا التنزيل تبعا لما تقتضيه الدعوة النبوية في نموها واتساعها. فسمات الآيات المكية مثلا تختلف عن خصائص وسمات الآيات المدنية. إلا أن الملاحظ أن ترتيب الآيات في السور وترتيب السور مع بعضها البعض لا يخضع لتراتب نزول الآيات على الرسول صلى الله عليه وسلم، مما يدفع إلى القول بأن الحركة الإسلامية غير مُلْزَمَةٍ بتكرار تجربة الرسول صلى الله عليه وسلم الدعوية، وإنما يجب أن يتلمس منها القواعد الحركية، فإذا كانت الدولة الإسلامية بعد وفاة الرسول (ص) في حاجة إلي فقه يرجع إليه في كل النوازل. فإن الحركة الإسلامية حاليا وفي غياب الدولة الإسلامية، في حاجة إلى فقه حركي مستخلص من التجربة الكاملة يرجع إليه في كل النوازل التي تعوق السير الحركي، كما أنها في حاجة إلى استخراج القواعد الكلية من السيرة التي تضبط العملية الدعوية في جل مراحلها، ولإيضاح ذلك لا بد من إعطاء مثال نموذجي : مفهوم المرحلية في السيرة : إن المتأمل في السيرة يلحظ بناء متراصّا في غاية الدقة والإتقان، متناسقاً في المراحل، منسجماً في الأهداف، فلكل مرحلة أهداف ووسائل قدتختلف عن أهداف ووسائل المرحلة الموالية، فالمرحلة المكية مثلا كان مفهوم الجهاد هو الصبر على الأذى، لذلك طعنت سمية في قبلها، فردَّ الرسول (ص) ب>صبرا آل ياسر إن موعدكم الجنة<. ثم أصبح في المدينة من مفاهمه الانتصار للإسلام بالقوة المادية لذلك طرد الرسول صلى اللله عليه وسلم اليهود من المدينة لمجرد التعدي على شرف امرأة مسلمة -كما ثبت ذلك في بعض كتب السيرة-. والمقارنة بين الحدثين يوضح جليا المرحلية في السيرة، حيث أن الحدث الأول أكثر فظاعة وأوقع في النفس، ومع ذلك كان الرد في الثاني جازما صارما عادلا، أما في الأول فكان منعدماً، لأن الحدث الأول ينتمي إلى مرحلة الضعف التي من أهدافها التعريف بالله واليوم الآخر، ووسائلها الدعوة السرية واستغلال الهامش الجاهلي المتعامل بأعراف العصبية والحمية التي استفاد منها المسلمون بينما الحدث الثاني ينتمي إلى مرحلة الدولة الإسلامية، والتي من أهدافها انزال هذا الدين على الواقع وبناء النموذج الإسلامي. فلما كان الحدث الثاني (مس شرف مسلمة والإستهزاء بالدين) يشوش على أهداف المرحلة كان الرد من الرسول صلى الله عليه وسلم استئصال هذا الداء بطرد اليهود. ومما يوضح جليا كذلك مفهوم المرحلية في السيرة قول الرسول صلى الله عليه وسلم في غزوة الأحزاب >الآن نغزوهم ولايغزوننا< فهذا الحديث يوضح أن النبي (ص) انتقل من مرحلة رد الفعل إلى مرحلة صنع الفعل، فمعركة الأحزاب لحظة فاصلة بين مرحلتين كبيرتين داخل مرحلة كبرى وهي مرحلة بناء الدولة الإسلامية. فإذا كان ماقبل غزوة الأحزاب الإهتمام ببناء النموذج الإسلامي مع تحصينه من الضربات الخارجية، فإنه بعد غزوة الأحزاب أصبح الإهتمام دائما اتمام البناء مع تكسير كل العوائق الحائلة دونه. وهذا المفهوم الكلي هو ما يطلق عليه حاليا بالفكر الإستراتيجي، ولعل الحركة الإسلامية في كثير من الأحيان تؤتى من هذه الجهة، لان بفقدانها الرؤية الإستراتيجية تفقد وضوح الرؤية. وقد تكون حينذاك فريسة لاستراتيجية معادية للمشروع الإسلامي بالاستفزاز والاستجابة له، وبذلك توضع من حيث لاتدري في بعض سلوكاتها في فلك استراتيجية معادية ومناوئة للإسلام قد تضرب المشروع الإسلامي في العمق، والذين اتقنوا إدارة هذه الآلية هم اليهود، حيث استطاعوا أن يحققوا كيانهم العالمي بتوظيف القوى السياسية العالمية في استراتيجيتهم ولقد حققوا انتصارات مذهلة، في صهينة الشرف الأوسط واحتلال مواقع الضغط في بعض الأنظمة العربية وبذلك استطاعوا أن يوظفوا أعداءهم في عمق أهدافهم.

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>