خلاصة السيرة النبوية لابن هشام دروس ونصوص (4) إقامته صلى الله عليه وسلم رضيعا في بني سعد


خلاصة السيرة النبوية لابن هشام

دروس ونصوص

(4)

إقامته صلى الله عليه وسلم رضيعا في بني سعد

الدكتور الشاهد البوشيخي

أ-قال ابن اسحاق: > كانت حليمة بنت أبي ذؤيب السعدية. أمُّ رسول الله صلى الله عليه وسلم التي أرضعته، ُتحدث: أنها خرجت من بلدها مع زوجها، وابنٍ لها صغير تُرضعه في نسوة من بني سعد بن بكر، تلتمس الرُّضَعَاءَ، قالت: وذلك في سنة شَهْبَاءَ، لم تُبق لنا شيئا. قالت: فخرجت على أتانٍ لى قمراءَ (القُمرة بضم القاف: بياض فيه كُدرة)، معنا شارفٌ لنا (الشارف: الناقة المسنة)، والله ما تَبِضُّ بقطرة (اي ماتسيل ولوبقطرة)، وماننام ليلنا أجمعَ من صبِيِّنا الذي معنا، من بكائه من الجوع، مافي ثدْيَيَّ ما يُغنيه، ومافي شارفنا مايغذِّيه-قال ابن هشام: ويقال: يغذيه- ولكنا كنا نرجو الغيث والفرج فخرجتُ على أتاني تلك فلقد أَدَمْتُ بالركب (أي جعلتهم يدومون مدة اطول في الطريق) حتى شق ذلك عليهم ضُعْفًا وعَجَفا، حتى قدمنا مكة نلتمس الرضعاء، فما منا امرأةٌ إلا وقد عُرِض عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم فتأباه، إذا قيل لها أنه يتيم، وذلك أنا إنما كنا نرجو المعروف من أبي الصبي، فكنا نقول : يتيم ! وماعسى أن تصنع أمُّهُ وجدُّهُ ! فكنا نكرهه لذلك، فما بقيت امرأة قدمت معي إلا أخذت رضيعا غيري، فلما أجمعنا الإنطلاق قلت لصاحبي: والله إني لأكره أن أرجع من بين صَوَاحِبِي ولم آخذ رضيعا، والله لأذهبن إلى ذلك اليتيم فلآخذنه؛ قال: لاعليك أن تفعلي، عسى الله ان يجعل لنا فيه بركة. قالت: فذهبت إليه فاخذته، وماحملني على اخذه إلا أني لم اجد غيره. قالت: فلما اخذته، رجعت به إلى رَحْلِي، فلما وضعتُهُ في حِجْرِي أقبل عليه ثدْيَايَ بما شاء من لبن، فشرب حتى رَوِيَ، وشرب معه أخوه حتى َروِيَ، ثم ناما، وما كنا ننام معه قبل ذلك، وقام زوجي الى شارفنا تلك، فاذ إنها لحَافِلٌ (اي ممتلئة الضرع)، فحَلَبَ منها ماشرِب، وشربت معه حتى انتهينا رَيًّا وشِبَعًا، فبتنا بخيرليلة. قالت: يقول صاحبي حين اصبحنا: تَعَلَّمِي واللهِ ياحليمة، لقد أخذتِ نَسْمَةً مباركة (اي نفسا طيبة)؛ قالت: فقلت: والله إني لارجو ذلك. قالت: ثم خرجنا وركبت(أنا) أتاني، وحملته عليها معي، فوالله لقطعتُ بالرَّكْبِ مايقدر عليها شيءٌ من حُمُرِهِم، حتى إن صَوَاحِبِي ليقلن لي: يابنت ابي ذؤيب، ويحك! أَرْبِعِي علينا (انتظرينا)، اليست هذه اتانَكِ التي كنت خرجت عليها؟ فاقول لهن: بلى والله، انها لهي هي؛ فيقلن: والله ان لها لشأنا. قالت: ثم قدمنا منازلنا من بلاد بني سعد ومااعلم أرضا من ارض الله أجدَبَ منها، فكانت غنمي تروح علي حين قدمنا به معنا شِبَاعاً لُُبَّناً، فنحلب ونشرب، وما يحلب إنسان قطرة لبن، ولايجدها في ضَرْع، حتى كان الحاضرون (غير المقيمين بالبادية) من قومنا يقولون لرُعْيَانِهِم: ويلكم اسرحوا حيث يسرَحُ راعي بنت أبي ذؤيب، فتروح اغنامهم جياعا ماتبض بقطرة لبن، وتروح غنمي شباعا لُبّنا. فلم نزل نتعرَّفُ من الله الزيادة والخير حتى مضت سنتاهُ وفَصَلْتُهُ، وكان يشِبُّ شبابا لايشبه الغلمان، فلم يبلغ سنتيه حتى كان غلاما جَفْرًا (اي غليظا قويا). قالت: فقدمنا به  علىُ امه ونحن أحرصُ شيءٍ على مُكْثِهِ فينا، لمِا كنا نرى من بركتِهِ. فكلمنا امَْهُ وقلت لها: لوتركت بُنَيَْ عندي حتى يَغْلُظَ، فاني اخشى عليه وَبَأَ مكة (مرض الطاعون بها)، قالت: فلم نزل بها حتى ردته معنا.<السيرة1/162-164]

ب-ممايستفاد من النص:

1-أن من اسباب ظاهرة الاسترضاع شدة حاجة البدو الى الرزق. وذلك ماجعل النساء في سنة شهباء يرتزقن بالأَثْدَاِء فيخرجن يلتمسن الرضعاء مسافات ومسافات.

2-انه لامفر من قدرٍ؛ فلقد كان مقدورا لحليمة السعدية ان تُرضع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم :أَبَتْ اخذَهُ فيمن أَبَيْنَ، واعرضت عنه فيمن اعرضن لِيُتْمِه، ولكنها في الاخير اضطُرت اليه اضطرارا(فما منا امراة الا وقد عرض عليها..فتاباه اذا قيل لها انه يتيم..فكنا نكرهه لذلك، فما بقيت امراة قدمت معي الا اخذت رضيعا غيري..والله لاذهبن الى ذلك اليتيم فلآخذنه..وماحملني على اخذه الا أني لم اجد غيره).

3-ان بركته صلى الله عليه وآله وسلم كانت تحل في كل مايتصل به فيتحول باذن الله العزيز الحميد من النقيض الى النقيض !.

üالثديان اللذان ليس فيهما ما يغني الوليد يقبلان عليه صلى الله عليه وآله وسلم بما شاء من لبن فيشرب حتى يروى ويشرب معه اخوه حتى يروى وينام. وماكان يُنام معه قبل ذلك من الجوع!.

üالشارف التي كانت ماتبض بقطرة تصير في الحال حافلا ممتلئة الضرع، تشرب من حليبها حليمة وزوجها حتى الانتهاء ريا وشبعا!.

üالأتان التي كانت تؤخر الركب لضعفها وعدم قدرتها على السير، صارت بعد ان حُمل عليها>مايقدر عليها شيء من حمرهم<! حتى ان صواحب حليمة قلن لها:>أليست هذه أتانك التي كنت خرجت عليها؟..والله ان لها لشانا<!.

üارض بني سعد التي لاتعلم حليمة >ارضا من ارض الله اجدب منها< تسرح فيها اغنام حليمة فتروح شباعا لبنا، يحلب منها ويشرب وتسرح فيها اغنام غيرها-وحيث تسرح اغنامها->فتروح جياعا ماتبض بقطرة لبن<!

4-انه من البداية صلى الله عليه وآله وسلم كان قوي البنية ممتلئا، اذ>كان يشب شبابا لايشبه الغلمان؛ فلم يبلغ سنتيه حتى كان غلاما جفرا<. والبدايات اساس النهايات.

5-ان فضل الله عز وجل فيه الغناء عن كل ماسواه ؛ فهاهو اليتيم الذي كره اخذه اولا، وقيل فيه زهدا فيه: >وماعسى ان تصنع امه وجده؟< يحرص على مكثه وبقائه اشد الحرص، لما ظهر >من بركته < حتى لتكلم حليمة امه آمنة قائلة استبقاء له: >لو تركت بني عندي حتى يغلظ، فاني اخشى عليه وبأ مكة<. وما هي بخاشية عليه-والله اعلم-وبأ مكة، وانما هو الحرص على استمرار >البركة<.

فاللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على ابراهيم وعلى آل ابراهيم انك حميد مجيد، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على ابراهيم وعلى آل ابراهيم انك حميد مجيد.

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>