مع كتاب الله عزوجل شرطان أساسيان في استحقاق الإمامة(1)


مع كتاب الله عزوجل شرطان أساسيان في استحقاق الإمامة(1) > ذ. المفضل فلواتي قال الله عزوجل : >لاَيَنَالُ عَهْدِيَ الظَّالِمِينَ<سورة البقرة 124] التفسير : سنتطرق في تفسير هذا الجزء من الآية الرابعة والعشرين بعد المائة إلى النقط التالية : 1) المناسبة : لاخلافَ بَيْنَ اليَهُودِ والنصارَى والمشركِين في أَنَّ الحنِيفيَّةَ السَّمْحَاءُ هِيَ مِلَّةُ ابراهيم عليه الصلاة والسلام، ولكنَّ الخلافَ في احْتِكَارِ المِلّةِ، وادِّعَاءِ الاخْتِصَاصِ بالإِرْثِ الحِنِيفِيِّ، فاليهُودُ والنصارى يدَّعُونَ أنَّ الهداية الحقَّةَ موقُوفةٌ عليهما، فقَالُوا في تبَجُّحٍ واعْتِزَازٍ بالمَوْرُوثِ المُزيَّفِ >كُونُوا هُوداً أوْ نَصَارَى تَهْتَدُوا< فلقَّنَ اللهُ تعالى نَبِيَّهُ الحُجَّةَ الدَّاحِضَةَ لِمَزَاعِمِ اليَهُودِ والنصارَى بِأَنَّهُم على الحَقِّ، وأَضَافَ إِلَيْهِم المشرِكين من العربِ الذين كانوا -أيضا- يَظُنُّونَ أَنَّهُم على مِلَّةِ ابراهيم عليه السلام، فقال تعالى >قُلْ : بَلْ مِلَّةَ ابْرَاهِيمَ حَنِيفاً وَمَاكَانَ مِنَ المُشْرِكِينَ<سورة البقرة 135] وبِمَا أَنَّ الكُلَّ يَتَمَسَّحُ بِإِبْراهيم عليه السلام، ويدَّعي النِّسْبَةَ والانتماءَ الى مِلَّتِهِ، مع تَفَرُّقٍ واخْتِلاَفٍ كَبِيرٍ لاَفِي العقيدةِ، ولافي الشريعةِ، ولافي الأَخْلاَقِ، بَيْنَمَا المَنْطِقُ يَقْتَضِي التَّقَارُبَ -على الأَقَلِّ- إِنْ لَمْ نَقُلْ الاتِّفَاقَ في الأُصُولِ، إِذَا كَانَ المَصْدَرُ وَاحِداً، إِذْ لاَ يُعْقَلُ أَنْ يُسْتَقَى من عَيْنٍ وَاحِدَةٍ فَيَكُونُ المَاءُ مَالِحاً، ومُرّاً، وحُلْواً، وعَذْباً في نفس الوقت… فهذا مُسْتَحِيلٌ عَقْلاً، ويَفْرِضُ سُؤَالاً مَشْرُوعاً حَوْلَ هَذِهِ الدَّعَاوَى الإِنْتِمَائِيَّةِ كُلِّهَا، أَيْنَ الصَّحِيحُ مِنْهَآ وأَيْنَ الزَّائِفُ؟! فَجَاءَ البَيَانُ الحَاسِمُ مِنَ اللَّهِ تعالى عَنْ طَرِيقِ التَّعْرِيفِ بِسَيِّدِنَا إبراهيم عليه السلام الذِي كَانَ أُمَّةً قَانِتاً للَّهِ حَنِيفاً، ودَوْرِهِ في تَبْلِيغِ رسالَةِ الإسْلاَمِ، وتَثْبِيتِ أَرْكَانِهاَ، وجِهَادِ أَعْدَائِهَا، وتَطْهِيرِ أَمَاكِنِ العِبَادَةِ مِن كُلِّ أَرْجَاسِ الشِّرْكِ والوَثَنِيَّةِ، وتَنْزِيهِ اللهِ تَعَالى عن كُلِّ مَا لاَيَلِيقُ بِجَلاَلِهِ مِنَ الأَوْصَافِ التِي هِيَ بِالبَشَرِيَّةِ أَلْصَقُ وأَوْفَقُ. 2) المعنى : مَنْ هُوَ إبراهيم عليه السلام؟! سُؤَالٌ عَاشَ فِي ذِهْنِ البَاحِثِينَ عَنِ الحَقِّ قَبْلَ نُزُولِ البَيَانِ الإِلَهِيِّ، أَمَّا البُلْهُ والسُّذَّجُ مِنْ مُخْتَلِفِ الطَّوَائِفِ التِي كَانَتْ تَظُنُّ أَنَّهَا على دِينٍ، فَلَمْ تَكُنْ تُحِسُّ بِثِقْلِ ضَغْطِ السُّؤَالِ على الضَّمِيرِ المَيِّتِ، لأَنّهُم كَانُوا يَعْتَقِدُونَ أَنَّهُمْ يَعْرِفُونَهُ، وخُصُوصاًَ المُشْرِكِينَ مِن العَرَبِ، فَلِهَذَا قَالَ تعالى لِنَبِيِّهِ محمدٍ عليه السلام : اذْكُرْ لِقَوْمِكَ ولِكُلِّ النَّاسِ مِنْ مُخْتَلَفِ الأَجْنَاسِ والمَذَاهِبِ ابْتِلاَءَ اللَّهِ تعالى لِنَبِيِّهِ وخَلِيلِهِ إبْراهيمَ عليه السلام “بِكَلِمَاتٍ” هِيَ عِبَارَةٌ عَنْ مَجْمُوعَةٍ مِن التَّكَالِيفِ من : أَوَامِرَ وَهِجْرَةٍ في سَبِيلِ اللَّهِ، وَمُحَاجَجَةٍ لِعُبَّادِ الأَصْنَامِ، وَمُوَاجَهَةٍ لأَكْبَرِ طُغَاةِ البَشَرِيَّةِ في عَهْدِهِ، وَصَبْرٍ على الأَذَى، وَفِرَاقِ الأَهْلِ وَالوَلَدِ إلى غَيْرِ ذلك مِن الإبْتِلاَءَاتِ التِي شَهِدَ اللَّهُ تعالى لَهُ بِأَنَّهُ >أَتَمَّهُنَّ< وَوَفَّى بِكُلِّ لَوَازِمِهِنَّ وَحُقُوقِهِنَّ، وَقَامَ بِهِنَّ على النَّحْوِ الذِي يُرْضِي اللَّهَ تَعالى. فَكَانَ جَزَاءُ إِبْرَاهِيمَ عليه السلام عَلَى مَاقَامَ بِهِ مِنَ الوَفَاءِ لِحَقِّ اللَّهِ تعالى عليه، وَحَقِّ الرِّسَالَةِ، وحَقِّ الجِهَادِ فِي سَبِيلِهَا… أَنَّ اللَّهَ تعالى بَشَّرَهُ بِأَكْبَرِ نِعْمَةٍ يَسْتَحِقُّهَا نَبِيٌّ مُرْسَلٌ، حَيْثُ أَخْبَرَهُ بِأَنَّهُ جَعَلَهُ إِمَاماً للِنَّاسِ، يَتَّخِذُونهُ قُدْوَةً، وَيَقُودُهُمْ إلى الله تعالى، ويُقَدِّمُهُمْ إلى الخَيْرِ، ويَهْدِيهِمْ إلى الحيَاةِ الطَّيِّبَةِ في الدُّنْيَا، ويَدُلُّهُمْ على سَبِيلِ النَّجَاةِ مِنْ خِزْي الدُّنْيَا والآخِرَةِ. هَلْ هُنَاكَ نِعْمَةٌ أَكْبَرُ مِنْ أَنْ يَصِلَ الإِنْسَانُ إلى دَرَجَةِ الإِمَامَةِ للِنَّاسِ في الخَيْرِ في مُخْتَلِفِ الأَزْمِنَةِ والأَمْكِنَةِ؟! وحَيْثُ كَانَتْ النِّعْمَةُ فَائِقَةَ الحَدِّ في العَظَمَةِ والرِّفْعَةِ، فَإِنَّهُ عليه السلام طَلَبَ من الله تعالى أَنْ يَجْعَلَ هَذِهِ الإِمَامَةَ مُمْتَدَّةً في ذُرِّيَّتِهِ فَيُكَمِّلَ اللاَّحِقُ مِنْهَا مابَدَأَهُ السَّابِقُ، رَحْمَةً وفَضْلاً منَ اللَّهِ على هَذِهِ الأُسْرَةِ المُصْطَفَاةِ بِدُونِ انْقِطَاعٍ، حَتَّى يَبْقَى إبْراهِيمُ وذُرِّيَّتُهُ مُلْتَذِّينَ بِحَلاَوَةِ شُكْرِ اللَّهِ عَلَى هَذِهِ النِّعْمَةِ وتَوَابِعِهَا إِلى يَوْمِ القِيَامَةِ. رَغْبَةٌ مَشْرُوعَةٌ وَصَالِحَةٌ مِنْ حَقِّ كَلِّ أَبٍ أَنْ يَتَمَنَّى بَلْ وَيَعْمَلَ على أَنْ يَكُونَ أَوْلاَدُهُ أَحْسَنَ مِنْهُ وأَصْلَحَ، ولِذَلِكَ اسْتَجَابَ اللَّهُ تعالى لِطَلَبِهِ ودُعَائِهِ بِأَنْ يَجْعَلَ كُلَّ صَالِحٍ مِن ذُرِّيَّتِهِ إِمَاماً يُقْتَدَى بِهِ، أَمَّا الظَّالِمُونَ فَلاَ حَقَّ لَهُمْ في الإِمَامَةِ كَانُوا مِن ذُرِّيَّتِهِ أَوْ مِنْ ذُرِّيَّةِ أُنَاسٍ آخَرِينَ، لأَنَّ الإِمَامَةَ لاَتُورَثُ عَنْ طَرِيقِ الأَنْسَابِ والأَصْلاَبِ والقَرَابَةِ الدَّمَوِيَّةِ، ولَكِنَّ طَرِيقَهَا الإِيمَانُ والعَمَلُ الصَّالِحُ، فَمَنْ وَفَّى بِهَذَيْنِ الشَّرْطَيْنِ كَانَ إِمَاماً سَوَاءٌ كَانَ مِن ذُرِّيَّةِ إِبْراهيم الدَّمَوِيَّةِ، أو كَانَ مِن ذُرِّيَّتِهِ الدَّعَوِيَّةِ، وَصَدَقَ الله العظيم إذْ يَقُولُ : >قَدْ كَانَتْ لَكُمُ إِسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ والذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ…<سورة الممتحنة..]، فَكُلُّ مَنْ كَانَ صَادِقاً مَعَ اللَّهِ ومع النفس مِثلَ هَذَا الصِّدْقِ، وضَرِيحاً مَعَ قَوْمِهِ مِثْلَ هَذِهِ الصَّرَاحَةِ ومُتَحَدِّياً الكُفْرَ مِثْلَ هَذَا التَّحَدِّي، ومُعَادِياً الفُسُوقَ والظُّلْمُ مِثْلَ هَذِهِ المُعَادَاةِ… اسْتَحَقَّ أَنْ يَكُونَ إِمَاماً وقُدْوَةً. وقَدْ كَانَ بِالفِعْلِ مِنْ ذُرِّيَّةِ إِبْرَاهِيمَ عليه السلام رُسُلٌ وأَنْبِيَاءِ يُقْتَدَى بِهِمْ، ولَكِنَّ خَاتِمَهُمْ وأَعْظَمَهُمْ على الإِطْلاَقٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم >لأَنَّ بِعْثَتَهُ كَانَتْ عِوضاً كَامِلاً عَنْ إِرْسَالِ جَيْشٍ مِن النَّبِيئِينَ يَتَوَزَّعُ عَلَى الأَمْصَارِ والأَعْصَارِ، إِذْ لَمْ يَكُنْ إِمَاماً لِقَبِيلِ مِن النَّاسِ صَلُحُوا بِصَلاحِهِ، فَلَمَّا انْتَهَي ذَهَبُوا مَعَهُ فِي خَبَرِ كَانَ، بَلْ كَانَ قُوَّةً مِنْ قُوَى الخَيْرِ، وكَانَتْ بِعْثَتُهُ تُمَثِّلُ مَرْحَلَةً مِن مَرَاحِلِ التَّطَوُّرِ في الوُجُودِ الإنْسَانِيِّ، حَيْثُ كَانَ البَشَرُ قَبْلَهَا في وَصَايَةِ رُعَآتِهِمْ أَشْبَهَ بِطِفْلٍ مَحْجُورٍ عَلَيْهِ، ثُمَّ شَبَّ الطِّفْلُ عَنِ الطَّوْقِ، وَرُشِّحَ لاِحْتِمَالِ الأَعْبَاءِ وحْدَهُ. وجَاءَ الخِطَابُ الإِلَهِي إِلَيْهِ -عن طريق محمد صلى الله عليه وسلم- يَشْرَحُ لَهُ كَيْفَ يَعِيشُ في الأَرْضِ، وكَيْفَ يَعُودُ إلى السَّمَاءِ، فَإِذَا بَقِيَ مُحمدٌ صلى الله عليه وسلم أَوْ ذَهَبَ، فَلَنْ يَنْقُصَ ذَلِكَ مِنْ جَوْهَرِ رِسَالَتِهِ…<فقه السيرة لمحمد الغزالي 20/21]، فَلَقَدْ جَعَلَهُ اللَّهُ تَعَالَى قُدْوَةً عَاشَ مِثَالاً حَيّاً للْوَحْيِ النَّازِلِ عَليْهِ، وَرَسَّخَ هَذِهِ القُدْوَةَ في أَصْحَابِهِ، وجَعَلَهَا إِرْثاً مُشَاعاً بَيْنَ كُلِّ الأَتْبَاعِ الصَّادِقِينَ قال صلى الله عليه وسلم : >إنَّ الأَنْبِيَاءَ لَمْ يُوَرِّثُوا دِيناراً ولاَ دِرْهَماً، وإِنَّمَا وَرَّثُوا العِلْمَ، فَمَنْ أَخَذَ بِهِ أَخَذَ بِحَظٍّ وَافِرٍ<رواه ابو داود والترمذي]، وقال صلى الله عليه وسلم : >يَحْمِلُ هَذَا العِلَمَ مِنْ كُلِّ خَلَفٍ عُدُولُهُ، يَنْفُونَ عَنْهُ تَحْرِيفِ الضَّالِّينَ، وتَأْوِيلِ المُبْطِلِينَ<رواه أحمد والترمذي والحاكم]، ولاَيُحْرَمُ مِنْ هَذَا الإِرْثِ إِلاَّ الظَّلَمَةُ الفَاسِقُونَ عَنْ طَاعَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَدِينِهِ. في الحلقة المقبلة وظيفة الإمام الصالح وأوصافه

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>