الباكالوريا والانتحار!


وأنا أتصفح مواقع الإنترنيت، أثار انتباهي خبر الفتاة التي وضعت حدا لحياتها بمدينة طنجة جراء سماع خبر رسوبها في امتحانات الباكالوريا، ولأن ظاهرة الانتحار وإيقاف الحياة أصبح اليوم سلوكا عاديا عند كل من اعترضته عقبة في الحياة أو “فشل” في تحقيق هدف ما في الحياة.. فقد كانت رغبتي ملحة للتعليق على الحدث وفق النقط المختصرة التالية:
أولا: هذا نموذج لنتائج التربية التي نربي عليها أبناءنا.. نحن آباء وأمهات، مدرسين ومدرسات.. نلقن معلومات ونعطي معرفة جافة حول الحياة.. نحن للأسف لا نربي أبناءنا على التعامل مع الحياة، وحسن التوافق مع أحداث الحياة.. يمضي أبناؤنا سنوات عجاف تحت سقوف المؤسسات التعليمية ويخرجون منها بشخصيات ضعيفة، وثقة بالنفس شبه منعدمة، وإرادة مترهلة وعزيمة مهتزة، وبروح مريضة.. أي تربية هذه التي تمارس في الأسرة والمدرسة والتي تُخرج لنا أناس ليس لديهم أدنى فكرة عن كيفية الاندماج في الحياة وعن كيفية سلوك الطريق نحو مستقبل إنساني كريم؟!
ثانيا: كنت دائما ما أتساءل: ما هو الشيء الذي يستحق أن أوقف حياتي كلها من أجله؟؟ لماذا نجد من الناس اليوم من أصبح يعبر عن رفضه للحياة بمجرد أن يحرم حقا انتزعه منه ظالم؟ أو أن يعجز عن تحقيق شيء بذل من أجله الغالي والنفيس؟ أو لم ينجح في امتحان نيل “شهادة” كما هي حالة هذه الفتاة؟ أو أن زوجها خانها؟ أو أن تجارته أفلست بكاملها؟… هل هذه الأمور كلها وغيرها كثير تستحق أن يضع الإنسان حدا لحياته!!
بداية نقول: إن الاعتداء على الحياة بالانتحار حرام.. وفي شريعتنا هناك ما يسمى حفظ الكليات الخمس: حفظ الدين، حفظ النفس، حفظ العقل، حفظ النسل، حفظ المال.. هذه الخمس عليها مدار التشريع وعليها مدار الإسلام.. وكثير من العلماء جعلوا حفظ النفس قبل حفظ الدين، ذلك لأن في أحايين يضطر الإنسان لمخالفة الدين لحفظ النفس، كما في حالة أكل الميتة حين تشرف النفس على الموت والهلاك بالجوع.. أو شرب سائل محرم حالة العطش المؤدي إلى الوفاة… وغيرها من القضايا التي جاء بها الفقه في هذه الباب…
أما أن يضع الإنسان حدا للنفس والحياة لأنه فقد شيئا يمكن تعويضه في القريب، فهذا ما يجانب الصواب ويخرج بالإنسان من صفة إنسانيته التي كرمه الله تعالى بها..
ثالثا: وهنا يأتي السؤال الذي ربما قد يكون قد تبادر لذهنك وأنت تقرأ ما سبق.. كيف يمكن للإنسان أن يتحدى صعوبات الحياة، وكيف يمتلك القوة والإرادة والعزيمة والصبر لتجاوز السقطات المتوالية في خضم أحداث الحياة؟؟
للجواب على هذه السؤال، يجدر بنا أن نضع تصورا لسير حياتنا كلها، ونسطر فهما كاملا لمعنى وجودنا أصلا على ظهر هذه البسيطة، ونجيب على الأسئلة الخالدة: من أين؟ لماذا؟ وماذا؟ كيف؟ وإلى أين؟
والإجابة على هذه الأسئلة تحتاج إلى الحديث عن منهج حضارة بأكلمه.. ولكن نحن هنا الآن، نعيش حياة معينة، بآمالها وآلامها.. بحلوها ومرها… ما العمل الآن لكي نكون أقرب من حب الحياة، وأبعد من الرغبة في وضع حد لها بالإلقاء بالنفس للتهلكة والموت؟؟
هي ثلاث أشياء رئيسية:
1 – التصفية لما يُضخ يوميا من أفكار سلبية وإيحاءات مسمومة (أكثر من 60000 ألف فكرة تدور في ذهنك يوميا.. 85% منها للأسف يكون سلبيا عند الأكثرية) وذلك بوضع مصفاة على مستوى الفكر والمشاعر والأحاسيس، وبدعم البعد الروحي فينا البعد الأقوى والحارس الأمين لشخصياتنا ولنفوسنا.. يسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي .
2 – التنقية لما هو بداخلنا وما بأنفسنا، والله تعالى يقول: إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم ، فعلينا العمل على إخراج كل القيم والمعتقدات الفاسدة من دواخلنا، ونجعل بدلها المعتقدات الحسنة والقيم البانية.. وهذا يكون بالتربية والتزكية برياضية القلوب وترويضها على الخير والهدى.. وهذا ما أطلق عليه السابقون “التخلية ثم التحلية”.
3 – التنمية الذاتية، وهي العمل على تنمية الخصال الحميدة في هذه النفس، وتطويرها وذلك انطلاقا من المؤهلات الذاتية الفطرية التي أودعها الله تعالى فينا فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم.. ويكون هذا بطلب العلم النافع، وحضور الدورات التكوينية والتدريبية لتنمية المهارات والتخطيط للحياة وبناء الرؤية والرسالة فيها، وهذا يتطلب من الشخص رغبة مشتعلة وأخذا بالأسباب…
وهذا رمضان، شهر القرآن، شهر الغفران.. هو الموسم الفذ بامتياز لحصول التصفية والتنقية التنمية.. فيا باغي الخير أقبل ويا باغي الشر أقصر..
نسأل الله تعالى أن يجعلنا من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه..
ذ. محمد بوهو

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>