شهر رمضان موسم القرآن


عن عبد الله بن عمرو أن رسول الله قال: «الصيام والقرآن يشفعان للعبد يوم القيامة، يقول الصيام: أيْ ربِّ منعته الطعام والشهوات بالنهار، فشفعني فيه، ويقول القرآن: منعته النوم بالليل فشفعني فيه. قال: فيُشَفَّعَان».
ولا شك أن ميزة الصيام تتجلى في كونه لا يقع فيه الرياء كما يقع في غيره، وهو معنى الحديث القدسي الذي قال فيه النبي : «قال الله : كل عمل ابن آدم له إلا الصيام فإنه لي وأنا أجزي به».
كما أن ميزة القرآن تتبدى في كونه أفضل الذكر على الإطلاق، وأن قارئه مجزي عليه مطلقا وإن لم يستحضر نية التعبد.
فخير ما نستغل به شهر رمضان هو قراءة القرآن وتدبره، فمن أهمل القرآن طول عمره، جاءه رمضان فرصة له في العودة إلى كتاب الله .
ولعل شهر رمضان المبارك الذي نعيشه هذه الأيام -ونحمد الله تعالى أن وفقنا لإدراكه- يذكر الأمة المسلمة بضرورة العودة الصادقة إلى كتاب الله العظيم. فقد شرف هذا الشهر بنزول القرآن فيه بل وفي أفضل ليلة منه، قال تعالى: شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان (البقرة: 185). وقال سبحانه: إنا أنزلناه في ليلة القدر (القدر: 1).
فالله سبحانه وتعالى أنزل كتابه العزيز ليهتدي به الناس ويعتصموا به، فهو مصدر القوة والعزة وأساس التمكين والرفعة، فيه الهدى والنور، من آمن به حق الإيمان وصدق به وأخلص التصديق فقد هداه الله تعالى، وآتاه من فضله، وأعانه على كل خير.
فمن أراد الرفعة والشرف والذكر بين الأمم، فعليه بالقرآن، قال تعالى: وإنه لذكر لك ولقومك وسوف تسألون (الزخرف: 44). وقال : لقد انزلنا إليكم كتابا فيه ذكركم (الأنبياء: 10)، أي فيه شرفكم.
ومعلوم أن الإيمان يزيد وينقص، يزيد بالطاعات وينقص بالمحرمات، فالقرآن الكريم هو أفضل وسيلة لزيادة الإيمان، قال تعالى: إنما المومنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيمانا وعلى ربهم يتوكلون (الأنفال: 2).
وهو العلاج الناجح لأمراض القلوب قال تعالى: يا أيها الناس قد جاءتكم موعظة من ربكم وشفاء لما في الصدور وهدى ورحمة للمومنين (يونس: 57).
فمن أراد السير إلى الله سيرا صحيحا مأمونا فعليه بالقرآن، كما قال تعالى: إن هو إلا ذكر للعالمين لمن شاء منكم أن يستقيم (التكوير: 28).
يقول خباب بن الأرت : تقرَّبْ إلى الله ما استطعت فإنك لن تتقرب إليه بشيء أحب إليه من كلامه.
من كان مع القرآن كان الله معه، ومن عاش مع القرآن أحيى الله قلبه بالقرآن، وما حييت القلوب بشيء مثل القرآن، ولا استنارت ولا أشرقت بشيء مثل كلام الرحمن، وإذا لم تسعد القلوب للقرآن فلأي شيء ترتاح، وإذا لم تهتد بكلامه فبأي شيء تهتدي؟ فبأي حديث بعد الله وآياته يومنون (الجاثية: 6)؟
وكان السلف الصالح –رحمهم الله– يتلون القرآن في شهر رمضان وغيره في الصلاة وغيرها، وتزيد عنايتهم به في هذا الشهر العظيم، فكان الأسود –رحمه الله– يقرأ القرآن في كل ليلة من رمضان.
وكان النخعي يفعل ذلك في العشر الأواخر منه خاصة، وفي بقية الشهر يختمه في كل ثلاث.
وكان قتادة يختم في كل سبعٍ دائمًا، وفي رمضان في كل ثلاث، وفي العشر الأواخر كلَّ ليلة.
وكان الزُّهري –رحمه الله– إذا دخل رمضان، قال: فإنما هو تلاوة القرآن وإطعام الطعام.
وكان مالك –رحمه الله– إذا دخل رمضان يفرُّ من قراءة الحديث، ومجالسة أهل العلم ويُقبل على تلاوة القرآن من المصحف.
وكان سفيان الثوري إذا دخل رمضان، ترك النوافل، وأقبل على قراءة القرآن، والآثار عنهم في هذا المعنى كثيرة.
والعناية بالقرآن لا تقتصر على تلاوته ومدارسته فقط، بل تتعداه إلى دعم دُور الخير، وحِلَق القرآن التي أُسست وأقيمت لتعليم القرآن، فالإنفاق في هذا المجال وبذل المال في هذا الطريق من علامات الخير ومن أمارات الصلاح، ومن الأمور التي ندبت إليها الشريعة وحثّ عليها الإسلام، فالواجب على أهل اليسار ومَن ْمَنَّ الله  عليهم بالمال أن تجود أنفسهم بالخير، ولاسيَّما بدعم كتاب الله ، ودعم نشره وتعليمه، ودعم حفظه وتلاوته؛ قال تعالى: وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِن خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا (المزمل: 20).
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
زكرياء غازيوي

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>