بنبض القلب – العربية: لغة القلوب (٣)


في الحلقة السابقة ذكرنا أن معجزة هذه الأمة كانت في كتابها المبين، وأن القرآن الكريم جاء إعجازا بيانيا وعلميا وعقديا تحدى عقلية العرب، إلا أنه في نفس الوقت ارتقى بمستوى اللغة العربية من لغة القبيلة إلى مستوى العالمية، مما جعلها تنفتح على آفاق لم يسبق لها أن لامستها من قبل، فالشاعر الذي كان هو ترجمان القبيلة والعشيرة، «لم تعد تحضنه هذه القبيلة على حد تعبير الدكتور محمد إقبال عروي بل أصبح يحضنه الإسلام كعقيدة، ولم يعد متدثرا برداء العصبية الضيقة بل أصبح متدثرا ببردة النبي »… إن علاقة المؤمن مع القرآن الكريم يجب أن تنسجها هذه اللغة المحتضنة لوحي الله ، والتي بالتمكن من دقائقها ومعانيها تجعلك تنتقل من قارئ عاد لكتاب الله، إلى قارئ متدبر يستشف بعقله وقلبه مراد الله  وحكمته من وراء كل آية، بل وكل كلمة، إن المجال لا يتسع لجرد الآيات التي تنضح بقوة البيان الرباني، ونكتفي بقوله تعالى: نساؤكم حرث لكم، فاتوا حرثكم أنى شئتم (البقرة:223)، هذه الآية الكريمة هي حد فاصل بين نداء الفطرة ونداء الشهوة، فالعلمانيون الذين لا يحكمهم دين، وبعض الشيعة الذين انفلت منهم ميزان الشرع؛ فسروا الآية الكريمة بأن حدود العلاقة الزوجية ليست لها أية ضوابط أو قيود، وأنه يمكن استمتاع الأزواج بحليلاتهم كيفما شاؤوا لقوله تعالى: فاتوا حرثكم أنى شئتم وهنا يبرز الجهل باللغة قبل الشرع، إذ أن الله سبحانه وتعالى قيد العلاقة بكملة «حرث» والحرث لا يكون إلا حيث ينبت الزرع، وقياسا على ذلك فإن الوطء لا يكون إلا من مكان إنبات الولد، وهذا ما ذهب إليه معظم المفسرين…
من خلال هذا المثال يتبين لنا قيمة اللغة في التعبير عن الشيء، وكذا لباقة وجمالية الخطاب القرآني في توظيف الكلمات دون إسفاف أو ابتذال، حيث استعمل الحق سبحانه كلمة «حرث» بدل الوطء أو ما يشابهها… فيا لجمالية القرآن الكريم ويالروعة البيان..
أفلا تستحق هذه اللغة منا، وقفة تمعن وتدبر واحترام..

ذ: أحمد الأشهب
————-
محمد إقبال عروي -جمالية الأدب الإسلامي- المكتبة السلفية الدار البيضاء 1986.

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>