6 – الخوف والإيمان: وقف الحارس الفرنسي موقفا مشرّفا، عندما أراد مساعدة علي وطلب منه الهرب، فرفض عليّ. فقال له: «لا تخف». فأجاب علي: «أنا لا أخاف، لا أخاف أبدا». فالخوف الحقيقي لا يكون إلا من الله تعالى.
الخوف وحدة مركزية في الرواية. كيف يتحرر الإنسان من الخوف؟ وهل تستقيم الحياة مع الخوف؟
يقول بشير لأحدهم، واسمه دا محمد: ألا تشمّ؟ فيقول: ماذا؟ فيقول: رائحة الجثث. قديما لم تكن القرية هكذا. لم يكن النّاس يخافون. كانوا يقاومون ويقبلون الموت. كانوا يموتون شجعانا… فيجيبه دا محمد: أحيانا يكفي أن يظلّ المرء حيّا.. فيقول بشير: حيّا!.. كالأشجار… كالصخور… كالحيوان… رجال زمان ليسوا كرجال اليوم.. النار تخلّف الرماد…
إنّ حرص بشير على الحياة، مهما كانت طبيعتها، حيث «يكفي أن يظلّ المرء حيّا» كما قال، تذكر بموقف طائفة من أهل الكتاب الذين قال الله تعالى فيهم: «ولتجدنّهم أحرص النّاس على حياة». ما قيمة الحياة إن لم تكن مسيَّجة بالحرية والكرامة؟
7 – كلمات مثل (الشهادة)، و(الجهاد)، وذكر الله تعالى، كل ذلك يقوي هذا التوجه. فعندما يصل الأسير وحارسه إلى معسكر المجاهدين، يسأل الطبيب عليّا عن عمّار، فيجيب: استشهد رحمه الله.
وعندما يجمع الضابط أهل تالا، كما يحدث كلّ مرة، يهددهم قائلا: (إنّ «الفلاّقة» بينكم، وأنتم الذين تؤوونهم). ومصطلح (الفلاّقة) يطلقه المستعمر على المجاهدين. ويردّ عليه عجوز من أهل القرية: «هنا لا يوجد مجاهدون»، كأنّما هو يصحح له المصطلح، فأولئك مجاهدون وليسوا «فلاّقة»، وهذا كما كان يطلق العدوّ الإسرائيلي لفظ «المخرّبين» على الفدائيين والمجاهدين، قبل ظهور مصطلح الإرهاب والترويج له.
ويقول رجل آخر: «لا يوجد مجاهدون في تالا.. المجاهدون موجودون في الجبل».
8 – تبرز الرواية دور أئمة المساجد في شدّ عضد أهل القرية، ومواجهة المستعمر. وكما يبرز السلاح المادي أداة فعالة في المعركة، يكون للسلاح الروحي -ممثلا في الدعاء- دور كبير في التحام الشعب ومواجهة المعتدين.
فقد نادى منادي القرية (البرّاح) السّكَّان ليجتمعوا في المسجد، وقد لبّوا النداء، فقام الإمام فيهم واعظا، ثم انطلق بهذا الدعاء: «يا ربّ، إن كنّا أذنبنا فاغفر لنا، فذلك من ضعفنا، لا من قلّة إيماننا. مدّوا أيديكم لقراءة الفاتحة، يا رجال «تالا»، وأمّنوا، اللهم الطف بهؤلاء الرجال المجتمعين هنا، وبهؤلاء النسوة اللائي يسكنهنّ الرعب خلف هذا الجدار. اللهمّ ارفع غضبك عنّا، اللهمّ لا تؤاخذنا بذنوبنا، اللهمّ اهدنا إلى الصراط المستقيم، الحمد لله ربّ العالمين». وبعد ختم الإمام الدعاء يتقدّم شيخ من شيوخ القرية، فيخاطب أهلها قائلا: يا أهل «تالا»، أجدادنا اجتمعوا في هذا المكان لنستقبل المصائب والأفراح مجتمعين، والكفّارُ يعدّون لنا المكائد، ويجب أن نستعدّلهم كرجل واحد».
د. الحسن الأمراني