قرأت لكم – عبر وعظات من معركة لهري


لقد بات واضحا انتصار المقاومة بالأطلس المتوسط في معركة لهري، وذلك ما أكدته تقارير العدو، التي أسمتها كارثة 13 نونبر 1914،لأنهم فقدوا فيها عتات ضباطهم المتنطعين، فكانت هذه الواقعة سببا في إعادة حساباتهم ومكرهم بالليل والنهار ونهج سياسة “فرق تسد”.
إلى أن كان المكر السيء سنة 1921 باستشهاد بطل المقاومة محمد أوحمو مقبلا غير مدبر…
ومما ميز هذه المعركة أسلوب الفر ثم الكر على العدو الفرنسي الغاشم بعد أن استجمعت المقاومة قواها، فكانت الواقعة التي أنست الفرنسيين لذة النصر العابرة، هذا النصر الذي لم يتجاوز بضع ساعات.
ومن أسباب نجاح المقاومة وحدة الصف ورصه، ملبية أمر الله : إن الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفا كأنهم بنيان مرصوص ، فكان بنيانهم مرصوصا بقوة الإيمان بالله وبقضيتهم، قضية غزو النصارى لبلاد المسلمين، وكان مرصوصا أيضا بقوة انضباطهم للقائد واتحادهم من حوله حين يجد الجد، وذلك كله من صميم الشريعة، يقول أحمد المنصوري في كتابه كباء العنبر من عظماء زيان وأطلس البربر: “والبرابر من أشد الناس تمسكا بدين الإسلام، وإن اعتصم الغير بسواه، فهم شديدو الاعتصام به، وإن اختصم أحد إلى غير الشريعة، فهم لقضاة الشرع يحبون الاختصام… والقرآن في صدور كثير منهم محفوظ… ولهم أحباس وافرة من أغنام وبقر… وتقوم بكل المقتضيات الدينية…
كان هؤلاء البرابرة الأطلسية يتحاكمون للقضاة الشرعيين، ولقد ولي عليهم في عهد السلطان يعقوب المنصور قاضي يسمى العلامة محمد بن عبد الرحمان بن محمد الرعيني السرقسطي الملقب بالركن..، وكان عليهم أيام السعديين العلامة القاضي يوسف بن أبي القاسم الجزولي”. فعلى مر العصور كانت قبائل زيان تنقاد للدين طاعة وعبادة وتحكم به في أحوالها ومعاملاتها، وهذا رد على من يقولون بأن هذه القبائل كانت تحكم بأزرف.
ومن عبر هذه المعركة أيضا سرعة استجابة المقاومين وتناديهم لأرض المعركة، وفي ذالك ما فيه من خفة الروح، ووضوح الهدف لديهم وكأنى بشعارهم قول الله : ياأيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم وقول الله : إن الله اشترى من المومنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة يقاتلون في سبيل الله فيقتلون ويقتلون وعدا عليه حقا في التوراة والإنجيل والقرآن ومن أوفى بعهده من الله فاستبشروا ببيعكم الذي بايعتم به
وقد كانت سرعة الاستجابة والجاهزية في نسائهم كذلك يقول المنصوري: “ولكن هي الشجاعة النادرة والبسالة المنقطعة النظير والخفة في الروح والنشاط حتى في نساءهم فضلا عن رجالهم، فما كاد ضجيج الهيعة يصل لآذان النائمين الآمنين حتى هرعت إحدى نساء محمد أوحمو لفرسه فأسرجته، وأخرى ألجمته وحلت رباطه…
ومن عبر هذه المعركة، ما كان للنساء من أثر واضح في تطبيب المقاومين، يقول المنصوري: “فكانت إحدى النساء حين صعب عليها الأمر تسترشد بتوجيهات أحد المقاومين الجرحى في تطبيب مقاوم آخر بتر بطنه فخرجت أمعاءه …ارفعي رجليه بيد، وادفعي الأمعاء باليد الأخرى، ترجع الأمعاء لمحلها، قال فصنعت ذلك فرجعت الأمعاء، وأخذت تخيط البطن ويساعدها بعض الإخوان الذين جاؤوا فخاطوها بخيوط من حرير من سبنية فوق رأسها… فكانت هذه المساعدة الأولى، فحملوه وعولج علاج البرابر الذي هو الكي، فماهي إلا أيام حتى عاد على فرسه في معارك أخرى”.
وهذا يذكرنا بأمنية لرسول الله الذي ما تمنى شيئا من الدنيا وإنما تمنى ماله علاقة بمنازل الآخرة، بل برفيع المنازل ورفيع الدرجات: فقال : «والذي نفس محمد بيده لولا أن يشق على المسلمين ماقعدت خلاف سرية بغزو في سبيل الله أبدا، ولكن لا أجد سعة فأحملهم، ولا يجدون سعة، ويشق عليهم أن يتخلفوا عني، والذي نفس محمد بيده لوددت أن أغزو في سبيل الله فأقتل ثم أغزو فأقتل ثم أغزو فأقتل» رواه البخاري ومسلم.
وبذلك اعتبرت قبائل الأطلس شوكة في حلق المحتل مافتىء يروضها ويدجلها وينفث فيها الرذيلة حتى آل الوضع إلى ما هو عليه، فهل من محي لهمم تلك الرجال؟ وهل من موقد لتلك العزائم لتسهم أيما إسهام في بناء مغرب الأمة؟ …إنها مسؤولية الجميع.

حسن محجوبي

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>