طنجة ـ باحثون ومتخصصون في العلوم الشرعية والسيرة النبوية يتدارسون موضوع: «سيرة رسول الله استمداد وامتداد»


شهدت رحاب معهد الإمام نافع الخاص للتعليم العتيق بطنجة، يوم الأربعاء 02 ربيع الثاني 1437 هـ الموافق ل 13 يناير 2016 انطلاق أشغال اليوم الدراسي في موضوع: «سيرة رسول الله استمداد وامتداد» الذي نظمه معهد الإمام نافع الخاص للتعليم العتيق بإشراف من المندوبية الجهوية للشؤون الإسلامية لجهة طنجة تطوان الحسيمة وبتنسيق مع المجلس العلمي المحلي لعمالة طنجة أصيلة، ويأتي هذا اليوم الدراسي في إطار فعاليات الملتقى الجهوي السابع للسيرة النبوية لعام 1437هـ، المنظم تحت شعار: «محمد رسول الله رسول القيم الإنسانية»، وفي إطار الأنشطة الثقافية والتربوية الموازية التي يقوم بها معهد الإمام نافع الخاص للتعليم العتيق بطنجة وفروعه لدعم التكوين العلمي وتعزيز المكتسبات المعرفية والمهارية والوجدانية والتواصلية، وفي سياق الإسهام في التنمية الثقافية والروحية بالجهة.
الجلسة الافتتاحية لليوم الدراسي تشيد براهنية الموضوع في الإسهام في التنمية الثقافية والروحية بالجهة.
استهلت الجلسة الافتتاحية بتلاوة آيات بينات من الذكر الحكيم ثم أعقبتها كلمتا السيدين:
المندوب الجهوي للشؤون الإسلامية لجهة طنجة تطوان الحسيمة الدكتور محمد السعيد الحراق، ومدير معهد الإمام نافع الخاص للتعليم العتيق وفروعه بطنجة الدكتور محمد السعيدي.
وفي كلمته بين السيد المندوب السياق الذي يأتي في إطاره هذا اليوم الدراسي، باعتباره صورة عملية لتفعيل فعاليات الملتقى وتجديدها، كما نوه بأهمية اليوم معتبرا تناول موضوعه واجبا من واجبات الوقت لما يعيشه واقعنا المعاصر من مرضين خطيرين: مرض جفاء في الدين ومرض المغالاة فيه، لذلك كما يقول السيد المندوب فاليوم الدراسي يصبو إلى وضع قواعدَ للاستمداد والتركيز على المقاصد الكلية لبعثة النبي كما أصلها القرآن الكريم باعتباره يشكل الرؤية الصافية والمنهاج القويم اللذين منها يكون الاستمداد النافع وبهما يكون الامتداد الصالح للبلاد.
أما السيد مدير معهد الإمام نافع الخاص للتعليم العتيق وفروعه بطنجة الدكتور محمد السعيدي، فقد بين أن من جملة أهداف اليوم الدراسي كونه يفتح المجال للطلبة لمزيد من التواصل مع العلماء والباحثين، ويزيد من تعميق صحبتهم لرسول الله ، كما أنه يرمي إلى استمداد التوجيهات اللازمة للإصلاح، كما استنبطها مصلحو الأمة، وأهمها:
ربط الأمة بالخير ومنابعه الصافية
وإبراز حبها للفضائل والشمائل الخلقية التي زخرت بها سيرة رسول الله، إذ بقدر اقتداء الأمة برسول الله يكون الصلاح حليفها.
وأضاف إلى أن أجيال الأمة في حاجة إلى التخلق بأخلاق الرسول والأخذ بهداياته في العقيدة والسلوك، وليس هذا فحسب بل إن السيرة النبوية كانت مجالا علميا وتربويا برز فيه العلماء تأليفا وتدريسا وتربية فكانت منهلا علميا وموردا تربويا تشبع به المسلمون عموما والمغاربة خصوصا، ولم يفته أيضا أن يذكر بخصوصية التعليم العتيق منهاجا ومكونات حيث تعتبر السيرة النبوية جزءا من ذلك المنهاج الذي يبدأ فيه بحفظ القرآن الكريم والسنة النبوية والسيرة العطرة وعلوم اللغة لتكوين الملكة العلمية والخلقية للطلبة مع مراعاة التدرج عبر الأطوار والنمو العقلي للمتعلمين وتكامل المواد وانفتاحها على مختلف معارف العصر، مؤكدا مرة أخرى أن هذا اليوم الدراسي خطوة في اتجاه استمداد الخير والهداية من سيرة الرسول ، وهو فرصة لاستلهام القيم الإنسانية النبيلة، وتعريف الأجيال الحالية بقيمته ، لشدة الحاجة لذلك.
الدكتور محمد الروكي: الدعوة إلى الله تعالى أم الوظائف التي بعث الرسول من أجلها
وقد ضمت الجلسة الأولى موضوعين: الأول عن «وظائف الرسول  في القرآن الكريم» وهو الموضوع الذي بسط القول فيه الدكتور محمد الروكي، والثاني عن «مكانة السنة النبوية في التشريع الإسلامي» الذي تولى عرضه الدكتور إدريس حنفي.
في ما يتعلق ب «وظائف الرسول من خلال القرآن الكريم» بين الدكتور محمد الروكي أن هذه الوظائف عديدة غير أنه اقتصر على عرض وبيان عشر وظائف أساسية، وهي:
الأولى: وظيفة الدعوة إلى الله تعالى: وقد أكد الشيخ الفاضل أن هذه الوظيفة وظيفة الدعوة إلى الله تعالى هي أم الوظائف وما بعدها مندرج تحتها، وهي أصل وما بعدها فرع لها، وأصل هذه القاعدة آيات عديدة وكثيرة اقتصر الدكتور على البعض منها، نحو قوله تعالى: قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني وسبحان الله وما أنا من المشركين وقوله جل وعلا: ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن .
كما بين فضيلة الدكتور أن هذه الوظيفة كما تستفاد من فعل دعا ومشتقاته تستفاد أيضا من ألفاظ أخرى من قبيل لفظ الهداية، ولفظ الإنذار، ولفظ الوعظ ومشقاتها إذ كلها تدخل ضمن وظيفة النبي الدعوية، وقد أورد الدكتور أمثلة ونماذج كثيرة في بيان ذلك.
الثانية: وظيفة الشهادة على الناس: لقوله تعالى: يا أيها النبيء إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا . وغير ذلك من الآيات القرآنية.
الثالثة: وظيفة بيان القرآن الكريم وإسماعه للناس: لقول الله تعالى: إنما أمرت أن أعبد رب هذه البلدة الذي حرمها وله كل شيء، وأمرت أن أكون من المسلمين وأن أتلوا القرآن .
الرابعة: وظيفة التبليغ: أي تبليغ دين الله تعالى إلى الناس تبليغا عاما وخاصا وأصل ذلك قوله تعالى: يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك … وذلك أن التبليغ من الصفات الواجبة في حق الرسل كما هو مقرر في باب العقيدة.
الخامسة وظيفة البيان: أي بيان الدين للناس بيانا يفصل المجمل ويخصص العام، ويقيد المطلق، ويشرع الأحكام ابتداء، وبيانا يشمل القول والفعل والتقرير، وتأكيد الحكم، والحال؛ وأصل هذا قوله جل وعلا: وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم .
السادسة والسابعة: وظيفة التعليم والتزكية وهي وظيفة أساسية ومرتبطة بوظيفة البيان السابقة لأن من البيان ما لا يتم إلا بالتعليم والتربية والتخلق، قال تعالى: هو الذي بعث في الاميين رسولا منهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة .
وقد بين فضيلته أن تعليم رسول الله كان شاملا لجميع الدين أصوله وفروعه وأحكامه، ومنهاج التخلق به، وكيفية إحلاله في نفوس العباد وحياتهم.
الثامنة: وظيفة الشورى فقد كلف رسول الله بمشاورة أصحاب الرأي فيما لم يرد عليه فيه نص قاطع من الوحي، وليعملنا منهج تدبير حياتنا؛ قال تعالى: وشاورهم في الأمر .
التاسعة وظيفة العدل في الحكم: وهي وظيفة أساسية الغاية منها تعليم الأمة من بعده كيفية الحكم والعدل والقضاء ومنهج العدل والإنصاف وكيفية تنزيل أحكام الدين على الوجه الصحيح لحل مشكلات الناس وفض منازعاتهم بطريقة تحقق العدل وتقيم السلم الاجتماعي الذي به تستقر الحياة وتستمر؛ قال تعالى: وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُم بَيْنَهُم بِالْقِسْطِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ .
العاشرة: وظيفة المجادلة بالتي هي أحسن؛ وقبل بيان هذه الوظيفة قارن الدكتور الروكي بينها وبين ما سبقها من الوظائف فبين أن الوظائف التسع السابقة تتعلق بوظائفهمع أمة الاستجابة أي مع الذين دعاهم رسول الله واستجابوا وآمنوا بدعوته ودخلوا منقادين للعمل بمقتضيات الدين. أما الوظيفة العاشرة فتتعلق بأمة الدعوة من أهل الكتاب والمشركين، ممن لهم استعداد لسماع الدين أما الذين صدوا عنه فلهم حكم آخر؛ قال تعالى: ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن إلا الذين ظلموا منهم .
وفي الختام بين الدكتور محمد الروكي أن هذه الوظائف التي ثبتت في سيرة النبي كما حددها وحي الله تعالى في القرآن الكريم هي الوظائف التي أناطها الله تعالى بالعلماء ورثة الأنبياء وكلفهم بالقيام بها بعد الرسل، وأن القصد من دراسة السيرة واستنباط مثل هذه الوظائف هو إحياء تدين الأمة وتجديده لأن به تحيا القيم وبه تحيا الأمة بين الأمم، وبه تكون الأمة على أثر رسول الله في الدعوة والبلاغ والبيان وبناء الفرد والأمة بناء تربويا سليما من الأمراض والانحرافات.
الدكتور إدريس الحنفي: إجماع على حجية السنة في التشريع الإسلامي
أما الدكتور إدريس حنفي أستاذ بكلية الآداب والعلوم الإنسانية ظهر المهراز فاس، فتناول موضوع مكانة السنة في التشريع الإسلامي، وكان انطلاقه فيه من بيان مدلول الألفاظ الواردة في عنوان ورقته وخاصة مفهومي السنة والتشريع فاستعرض دلالة لفظ السنة عند الفقهاء والأصوليين والمحدثين معللا أسباب الاختلاف في التعريف بكونه اختلافا اعتباريا لاختلاف اعتبارات كل طرف لا غير. كما بين مفهوم التشريع مركزا فيه على ما يرتبط بتشريع الأحكام.
وفيما يتعلق بمسألة مكانة السنة ركز الدكتور حنفي على قيمة السنة في ذاتها وفي علاقتها بالكتاب، واستظهر كثيرا من الأدلة والحجج من المنقول والمعقول لإبراز حجيتها من خلال القرآن الكريم والسنة النبوية ومن خلال التراث العلمي للعلماء المسلمين أيضا.
كما توقف الدكتور كثيرا عند دعاوى وشبهات المنكرين لحجية السنة مبينا تهافتها وتناقضها، وعرض في هذا المقام للأدلة القاطعة في الرد عليهم، وقال بأنه من العسير تصور مدع للإيمان برسالة النبي  مع إنكاره لحجية سنته .
وفي ما يتعلق بمسألة منزلة السنة في التشريع التي تناولها في المبحث الثاني من كلمته أكد فضيلة الدكتور إدريس حنفي أن العلاقة بين سنة رسول الله وكتاب الله تعالى علاقة وطيدة في التكامل والتظافر وعرض في هذا السياق لموقفين؛
الأول منهما يرى تأخر مرتبة السنة عن الكتاب وبين حججه وأبرز القائلين بذلك (الإمام الشافعي) وغيره.
الثاني منهما يرى مساواة السنة للكتاب وأنها مثله، وعرض حجج هذا الفريق الذي يمثله من بين من يمثله الإمام الشوكاني.
وقد خلص الدكتور إلى أن مكانة السنة أمر مجمع عليه وإنما الخلاف فيه خلاف اعتباري لا غير.
وهكذا انتهت الفترة الصباحية بتقرير أهمية السنة والسيرة في بيان الدين وأحكامه أصولا وفروعا، ومكانة السنة في المنظومة التشريعية الإسلامية التي أولاها علماء الأمة اعتبارا أساسا في الاستمداد منها. مما يستدعي القول إن الأمة اليوم محتاجة أكثر من أي وقت مضى لاستحضار السنة والسيرة النبوية استحضارا قاصدا وراشدا في الاجتهاد العلمي في نوازل العصر في مختلف المجالات التربوية والفكرية والاجتماعية والسياسية، وفي المستويات المحلية والعالمية، والجزئية والكلية.
الدكتور سعيد الكملي: صحابة رسول الله كانوا النموذج الأمثل في الطاعة لله تعالى واتباع رسوله وحبهما.
تعاقب الجلسة المسائية تعاقب عليها كل من الدكتور سعيد الكملي (رئيس مركز أبي علي اليوسي العلمي) والدكتور محمد ناصيري (أستاذ بدار الحديث الحسنية).
أما الدكتور الكملي فتناول أخلاق الصحابة مع النبي ، فبين ابتداء أن الله اصطفاهم لصحبة رسول الله ، وأن سيرتهم مع رسول الله لو لم ترو بالأسانيد الصحيحة لقنا إنها ضرب من الخيال الذي لا يسع عقول الناس في الواقع، وساق الدكتور جملة من الروايات والأحداث التي كانت للصحابة رضي الله عنهم مع رسول الله بين من خلالها أنهم كانوا النموذج الأعلى في التضحية بالأموال والمهج في سبيل رسول الله عليه السلام وفي سبيل الدين. واستشهد بأقوال علماء الأمة من المذهب المالكي وغيره، ومن أصحاب السير على فضل الصحابة على الأمة وأنهم نجوم في الهدى وأن اتباعهم والاقتداء بأفعالهم اقتداء يجعل أجيال الأمة على الشرعة الصحيحة.
الدكتور محمد ناصيري: سيرة رسول الله تحتاج منا اليوم لفقه رشيد وسديد:
أما الدكتور محمد ناصيري فقد تناول موضوع: «ضوابط منهجية في فقه السيرة» وقف فيه على جملة من الضوابط والقواعد للتعامل مع السيرة النبوية، وقد قسم كلمته إلى مدخل ومبحثين:
فالمدخل في بيان أهمية الموضوع.
والمبحث الأول بيان موضوع السيرة زمانا ومكانا .
والمبحث الثاني ضوابط فقه السيرة.
ومما ذكره في أهمية السيرة أنها مجال لتصحيح العقيدة، وأنها سجل للأحداث والمواقف التي عاشها رسول الله ، كما أنها جزء من السنة التي هي مصدر من مصادر التشريع الإسلامي ومن ثم فهي تؤخذ منها الأحكام كما تؤخذ من كتب السنة.
وفي المبحث الثاني توسع الدكتور ناصيري في بيان مكانة السيرة النبوية عند أعلام الأمة عبر التاريخ من أبي حنيفة وأبي الحسن الشيباني والإمام مالك والقاضي عياض والسهيلي وابن القيم وغيرهم، وعند أصحاب المغازي والسير.
وفي المبحث الثالث عرض لأبرز الضوابط اللازمة لفقه ودراسة السيرة من أجل استنباط ما يلزم مما تحتاجه الأمة اليوم، وقسم هذه الضوابط إلى أقسام ثلاثة:
- ضوابط بما يجب أن يعتقد في صاحب السيرة صلى الله عليه وسلم
- وضوابط برواية ما يتعلق بالأحداث التي تضاف للنبي وزمانه وشخصه ودعوته.
- ضوابط تتعلق بمؤهلات الدارس للسيرة النبوية.
التقرير الختامي للندوة: التوكيد على أهمية الاستمداد الرشيد في الامتداد النافع للتنمية البشرية:
انتهى اليوم الدراسي بقراءة التقرير الختامي مركزا على أمرين:
- أهمية السيرة النبوية في الاستمداد تشريعا وأخلاقا ومنهاجا في التربية والإصلاح.
- أهميتها في الامتداد والتنمية الروحية والثقافية والخلقية بالجهة، وأنه على قدر ما يكون الاستمداد سديدا ورشيدا يكون الامتداد أيضا صالحا ونافعا.
وفي الختام رفع الدعاء لأمير المؤمنين محمد السادس الراعي الأول لهذه النهضة العلمية والدينية ببلادنا، ولكافة الأطراف المسهمة في الخير والإحسان.
< إعداد : الطيب الوزاني

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>