افتتاحية – جـهـاز مـنـاعـة الأمـة عـلـمـاؤهــا


علماء الأمة هم ذوو الفقه الرشيد في دينها، وذوو الفهم السديد لواقعها. وهم أعلم الناس بالله جل وعلا وأخشاهم له؛ قال تعالى: « إنما يخشى اللهَ من عباده العلماءُ»
علماء الأمة هم حملة النور فيها وإليها، وباعثو ما اندرس من خير فيها، ومظهرو ما انطمس أو طُمِس من طاقات التدين الصحيح عند بنيها؛ فقد روي عن النبي قوله: «يَحْمِلُ هَذَا الْعِلْمَ مِنْ كُلِّ خَلَفٍ عُدُولُهُ، يَنْفُونَ عَنْهُ تَحْرِيفَ الْغَالِينَ، وَانْتِحَالِ الْمُبْطِلِينَ، وَتَأْوِيلِ الْجَاهِلِينَ»(طرقه فيها إعضال أو إرسال)
علماء الأمة هم مصلحو نفوس أبنائها المريضة ورافعو هممها إلى الآفاق المديدة العريضة. وهم حماة بيضة الإسلام : إذا سقط جدارهم؛ استباح حماها العدا بالفتك والإجرام، وهم جهاز مناعتها الحقيقي الذي إذا فقد تسربت إلى الأمة كل الأدواء الخطيرة، وصارت رهينة أسيرة تنتظر لحظاتها الأخيرة.
وعلماء الأمة هم ورثة الأنبياء؛ استحفظهم الله تعالى على ميراث النبوة، وعهد إليهم بأمانة حفظه والقيام به تعلما وتعليما، تخلقا به وتزكية، تنقية وترقية، دعوة وإبلاغا وإقناعا، قال : «إن العلماء ورثة الأنبياء، إن الأنبياء لم يورثوا ديناراً ولا درهما، وأورثوا العلم، فمن أخذه؛ أخذ بحظ وافر» (رواه أبو داود والترمذي، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود)،
وبهم أنيطت أمانة حل معضلات الأمة وفق ما ورد في الشرع من أحكام في الحلال والحرام تحفظ بها المحارم وتجلب بها الخيرات والمكارم.
ذلكم بعض من مكانة العلماء ورسالتهم التي رعتها الأمة عبر توالي أجيالها، وتقلب أحوالها وما تعاقب عليها من فتن وأهوال بما حل في جسمها من اختلال واعتلال واحتلال، فحيل بين علماء الإسلام وبين تدبير الشأن العام، ودفع المفاسد وألوان الشدائد والمكايد وجلب المصالح على هدي ما في الوحي من قواعد وحِكَم ومقاصد.
وبسبب خلو ساحة الأمة من علمائها بسبب استقالتهم طوعا أو كرها أصبحنا نشهد اليوم موجات من الفتن والانحرافات لدى أبناء الأمة منها الطعن في علمائها طعنا تعددت ألوانه وتكاثر أعوانه وهم أصناف ثلاثة :
- صنف جهول يحيا في غفلة وذهول،
- وصنف عدو جاحد حقود خبير بما به تخصى الفحول، لا يتقن إلا تصيد الغريب والعجيب من العيوب والتشهير بها إلى أن يخفى الحق على المنصف الأريب حتى فقد كثير من خيار العلماء ثقة الحبيب والقريب، وأحسنهم حالا من بقي يُتبرك بدعائه عند نزول النوائب والكروب.
- وصنف ثالث من أبناء الأمة والملة أعمته المذهبية الضيقة عن إبصار ما عند الغير من الخير وضاقت عليه المخارج والمداخل فراح يبحث في سير العلماء ويتصيد ما اختلف في كونه من الصغائر والرذائل ليجتمع عليه في المحافل ويطمس ما كان لديهم من المحاسن والفضائل، وما دروا أن «لحوم العلماء مسمومة، من شمها مرض، ومن أكلها مات»، وأن الحديث عنهم بالسوء من الخصال المذمومة وفتح للعواقب المشؤومة في الأولى والآخرة.
حقا إن غياب العلماء عن توجيه الأمة ترك الحليم أمام الفتن حيرانا وزاد الجهال افتتانا وصور كثيرا من العامة في الساحة فرسانا وشجعانا.
إن الحاجة ماسة اليوم أكثر من أي وقت مضى لعلاج داء ضعف جهاز العلماء في جسم الأمة، علاج لن يؤتي أكله إلا بما يلي:
- تقوية التعليم الإسلامي والتربية الدينية تقوية صحيحة في المضمون، سليمة في المنهج، مناسبة لحاجات لعصر، بما يعم نفعه جميع القطاعات والتخصصات.
- تربية أبناء الأمة على تقدير علمائها الربانيين وإجلال جهودهم من غير سقوط في التقليد المذموم ولا في التعصب المشؤوم، ولا في إلغاء قدرات الأجيال من أجل الإبداع في الفنون والعلوم، واجتهاد العقول وصقل الفهوم فيما يصح فيه التباري بين ذوي القدرات والطاقات والمواهب والإمكانات.
- إنشاء المؤسسات القمينة بتخريج العلماء الأخيار والمصلحين الأبرار القادرين على إبصار الحق وسط الأكدار، والتبصير به لذوي الأبصار لتوقي ما يحدق بالأمة من أخطار.
- إشراك جميع قطاعات الأمة في بناء الإنسان العالم بأمر الدين القوي الأمين على حقوق ومصالح المسلمين وغير المسلمين.
وأخيرا فإن علماء الأمة كانوا على الدوام وسيظلون هم ضمير الأمة الحي ولسانها السليم من كل حصر وعِي، وجهاز مناعتها القوي، فلن تصلح الأمة حق الصلاح ولن تنال حظا مما ناله غيرها من الأمم في الريادة والنجاح إلا أذا بوأتهم مكانتهم في الترشيد والإصلاح. يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنكُمْ ۖ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ۚ ذَٰلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا ().

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>