أولا: نص ابن هشام
إسْلَامُ خَدِيجَةَ بِنْتِ خُوَيْلِدٍ
وَآمَنَتْ بِهِ خَدِيجَةُ بِنْتُ خُوَيْلِدٍ، وَصَدَّقَتْ بِمَا جَاءَهُ مِنْ اللَّهِ، وَوَازَرَتْهُ عَلَى أَمْرِهِ، وَكَانَتْ أَوَّلَ مَنْ آمَنْ باللَّه وَبِرَسُولِهِ، وَصَدَّقَ بِمَا جَاءَ مِنْهُ. فَخَفَّفَ اللَّهُ بِذَلِكَ عَنْ نَبِيِّهِ ، لَا يَسْمَعُ شَيْئًا مِمَّا يَكْرَهُهُ مِنْ رَدٍّ عَلَيْهِ وَتَكْذِيبٍ لَهُ، فَيُحْزِنُهُ ذَلِكَ، إلَّا فَرَّجَ اللَّهُ عَنْهُ بِهَا إذَا رَجَعَ إلَيْهَا، تُثَبِّتُهُ وَتُخَفِّفُ عَلَيْهِ، وَتُصَدِّقُهُ وَتُهَوِّنُ عَلَيْهِ أَمْرَ النَّاسِ، رَحِمَهَا اللَّهُ تَعَالَى.
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدَّثَنِي هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ : أُمِرْتُ أَنْ أُبَشِّرَ خَدِيجَةَ بِبَيْتٍ مِنْ قَصَبٍ، لَا صَخَبٌ فِيهِ وَلَا نَصَبٌ.
قَالَ ابْنُ هِشَام: الْقصب (هَاهُنَا): اللُّؤْلُؤُ الْمُجَوَّفُ.
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَحَدَّثَنِي مَنْ أَثِقُ بِهِ، أَنَّ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَتَى رَسُولَ اللَّهِ ، فَقَالَ: أُقْرِئْ خَدِيجَةَ السَّلَامَ مِنْ رَبِّهَا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ : يَا خَدِيجَةُ، هَذَا جِبْرِيلُ يُقْرِئُكَ السَّلَامَ مِنْ رَبِّكَ، فَقَالَتْ خَدِيجَةُ:
اللَّهُ السَّلَامُ، وَمِنْهُ السَّلَامُ، وَعَلَى جِبْرِيلِ السَّلَام.
ثانيا: مستفادات من النص:
إن الحديث عن إسلام أسرة النبي يدفعنا إلى الحديث عن أمرين اثنين هما: (البيت المبارك, البيت النموذجي المبني على المودة والرحمة، البيت الذي يمثل الفطرة في أجلى صورها).
1 – حديث عن منهاج محمد بن عبد الله في بيته.
2 – حديث عن منهاج الرسول في دعوته.
1 – النبي في أسرته:
إن تتبع نصوص السيرة التي تتحدث عن نساء رسول الله وأولاده وأسباطه وأصهاره وربائبه لتجلي لنا معالم الكمال في رب الأسرة زوجا وأبا وجدا وصهرا… رب الأسرة الحريص على تربية من هم في كفالته وتحت كنفه حتى يكونوا قدوة لغيرهم من المسلمين ويجد لذلك الوقت اللازم والجهد المناسب وهو الذي كان يحمل هم إخراج الناس -كل الناس– من الظلمات إلى النور, فبأبي هو وأمي أي ضبط للنفس هذا، وأي تدبير للوقت، وأي ترتيب للحقوق ومستحقيها.
وإذا رجعنا إلى السيدة خديجة وجدنا أن الحبيب لم يتزوج عليها غيرها على الرغم من فارق السن، ومن كونها كانت متزوجة قبله ولها أولاد من زوجيها السابقين رباهم مع أولاده، وكانت عادة القرشيين أن يعددوا الزوجات، فالواضح أن الرسول أحب زوجه خديجة وأن حبها ملأ عليه كل كيانه فلم يترك لغيرها مكانا. كيف لا وهي العفيفة الطاهرة الشريفة التاجرة، الولود الودود التي لم ير معها الحبيب في بيتها صخبا ولا نصبا طيلة 25 سنة من العشرة فجزاها الله تعالى من جنس عملها وبشرها ربها في الجنة ببيت من قصب لا نصب فيه ولا صخب، إنه نموذج البيت المسلم القائم على المودة والرحمة، حيث لا مكان فيه للصخب ولا للنصب، بل هو بيت الهدوء والسكينة المبنية على التفاهم وقيام كل من الزوج والزوجة بمسؤوليته والحفاظ على شمعة الود متقدة. والتعاون على تربية الأولاد ومتاعب الحياة.
لذلك فلا عجب أن تكون خديجة أول إنسان يقصده رسول الله ليبلغه الخير الذي أنزل عليه من ربه، ولا عجب أن تؤمن به خديجة دون تردد، فما كانت لتشك أو تعكم وقد رأت من خلقه الكريم وميزاته العالية ما لا يمكن أن يجتمع إلا في نبي، ألا وإن الخلق الحسن في بيت الداعية يسهل عليه الأمور تسهيلا.
2 – البدء بدعوة الأقربين:
البدء بدعوة الأقرب، فالبداية بالأقرب فالأقرب أساس من أسس المنهاج النبوي، وإن إسلام خديجة ثم كل أفراد البيت النبوي -(بناته وعلي بن أبي طالب الذي كان معه وتحت كنفه، وزيد بن حارثة الذي كان متبناه: وسنعود لإسلام هذا الرعيل المبارك في حلقات قادمة إن شاء الله تعالى)- دليل على حبهم الشديد للنبي لخلقه العظيم في معاملته لهم، ودليل أيضا على سمو التربية النبوية الخديجية لهذا البيت. وإيمانهم أولا فيه رصٌّ للبيت الداخلي للداعية الأول ، وتكوين للبذرة الأولى للجماعة المسلمة، وإعانة للرسول في دعوته، وإفحام للخصوم فلا يجدون سبيلا للطعن في مصداقية الرسول .
ولقد كان دور خديجة عظيما في مؤازرة النبي ومساندته بنفسها ورأيها وموقعها الاجتماعي ومالها، من ذلك تحمل مسؤولية البيت ونفقاته بما حباها الله من مال، وتفريغ النبي لمكابدة مشاق الدعوة إلى الله تعالى ومواساته والتفريج عنه وهو يلاقي من ملأ قريش ما يلاقي…
لقد اصطفى الله تعالى هذه المرأة لتكون أمان رسول الله وسلامه، فإذا نزل عليه الوحي جاء به يرجف فؤاده فوجد فيها دثاره، وإذا أحاط به أذى قريش فزع إليها فخففت عنه وهوَّنت ما به فحق لها أن تتشرف بسلام من رب السلام، ولأنها قمة من قمم العلم بالله تعالى فقد أجابت “الله السلام، ومنه السلام، وعلى جبريل السلام”.
تلكم الكاملة رضي الله تعالى عنها زوجة الكامل .
د. يوسف العلوي