بنبض القلب


ارتسامات سائح في بلاد محمد الفاتح (6)

إلى بورصة الخضراء

صباح اليوم السابع من وجودنا بتركيا، ركبنا الحافلة في اتجاه المحطة البحرية : يالوفا yalova، حيث وجدنا السفينة التي ستقلنا نحو الجانب الآسيوي من استمبول، لنستقل بعدها الحافلة في اتجاه البورصة، أو بورصة الخضراء كما يلقبها الأتراك، نظرا للغابات الخضراء والحدائق التي تحفها من كل جانب… بورصة هي رابع مدينة تركية من حيث عدد السكان، يقطنها حوالي مليون ونصف نسمة وتأتي بعد استمبول وأنقرة وإزمير من حيث الكثافة السكانية، منطقة صناعية وسياحية بامتياز، وقلما تجتمع الصناعة والسياحة في مدينة واحدة، يوجد بها أكبر مصنع للسيارات بتركيا، وأكبر مصنع للجلد، وتشتهر بإنتاج الحرير والملابس القطنية الرفيعة، كما يوجد بها أكبر مصنع للمياه المعدنية ناهيك عن توفرها على أكبر معاصر زيت الزيتون، والتي تغطي حاجيات البلد بأكمله، إلى جانب هذه القوة الاقتصادية لبورصة، تمتاز بمناظر خلابة تشد الأنفاس أهمها الجبل الأخضر الذي يصل ارتفاعه إلى 2400 كلم على سطح البحر، وهو عبارة  عن سلسلة جبال يتم التنقل بينها عبر العربات الكهربائية المعلقة (téléferique) وسط غابات الأشجار ذات الخضرة النادرة… وأنت بالجبل الأخضر سوف تمر بقرى جميلة منها ما يعود إلى العهد العثماني ولا زالت تحتفظ بعبق التاريخ وبالصناعات اليدوية الجميلة التي تعبر عن عمق التشبث بالهوية التركية عبر الأجيال… في هذه السلسلة الجبلية أيضا يوجد أكبر شلال ببورصة، وإن كانت أهميته لا تضاهي شلال المغرب (أوزود – أوريكا…) ولكن اليد التركية جعلت منه أيقونة تفتخر بها بورصة وتدر عليها الملايين بحيث يتهافت السياح على مقاهيها ومنتزهاتها التي توجد على أعلى قمم المدينة، ويمكن الوصول إليها عبر طرق معبدة وسهلة، وقد أحسست بغير قليل من الأسى وأنا أقارن هذه المناظر التي قد لا تصل إلى ما عندنا في المغرب، ولكن الإهمال وسوء التدبير وانعدام الحكامة الجيدة جعل منها مرمى للقمامة والتلوث البيئي… تمتاز بورصة ببرودتها شتاء واعتدالها صيفا، كما تمتاز بسوقها المركزي الذي يحفل بشتى أنواع الألبسة والأقمشة والذي يحتل قلب المدينة ويسهل الوصول إليه عبر كل وسائل النقل من ترامواي وحافلة وتاكسي… إذا كنت في بورصة فلا بد وأن تتذوق أجمل أنواع الحلويات التركية المسماة «حلويات حلقوم» وذلك من أكبر مصنع للحلويات بتركيا، حيث الصناعة والعرض في نفس المكان… وإذا كانت استمبول تمتاز بمسجدها الأزرق، فإن بورصة تمتاز بمسجدها الأخضر، وهو مسجد ذو هندسة راقية وذو حمولة دينية وتاريخية يعود تأسيسه إلى الزمن العثماني، حينما كانت بورصة عاصمة للخلافة العثمانية، وقد اتخذها ستة سلاطين من أصل ستة وثلاثون سلطانا عاصمة لهم، كما يوجد إلى جانب المسجد الأخضر، المسجد الأعظم وهو الأكبر مساحة ببورصة… الكثير من أوجه الشبه بين المؤهلات السياحية التي تزخر بها تركيا وبين تلك الموجودة عندنا في المغرب، فلماذا يتخطى عدد السياح الثلاثين مليونا سنويا  في تركيا بينما لا زلنا نتطلع إلى بلوغ العشرة ملايين سائح ؟؟؟ …

تلك حكاية أخرى سنتطرق إليها في حينها…

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>