المحدّثينَ في التّأليفِ إفْرادُ الحديثِ الواحدِ بالتّصنيف، ولقدْ وُضِعَتْ مُصَنَّفاتٌ كَثيرَةٌ في شَرْحِ الْحَديثِ الْواحِدِ، وكانَ الْمُنْطَلَقُ في وَضْعِها أَنَّ الْحَديثَ الْواحِدَ بِهِ مِنَ الإيجازِ والاخْتِصارِ للِمَعاني العَديدَةِ ما تَسْتَحِقُّ كُلُّ كَلِمَةٍ فيهِ أَنْ تُبْنى عَلَيْها مَقالَةٌ بِذاتِها، و ذلِكَ :
- لِما في الْحَديثِ الْواحِدِ مِنْ أَصْنافِ الْفَوائِدِ، كَقَواعِدِ الدّينِ الْعَظيمَةِ والنُّكَتِ الْبَلاغِيَّةِ، والاحْتِمالاتِ الدّلالِيَّةِ، والْمُسْتَنْبَطاتِ الْفِقْهِيَّة؛ فقد أوتِيَ النّبيُّ [ جَوامعَ الكلِمِ، التي جُعِلَتْ لنبُوّتِه رِدْءاً ولرِسالتِه عَلَمًا؛ لِيَنْتَظِمَ في القَليلِ مِنْها عِلْمُ الكَثيرِ، فَيَسْهُلَ عَلى السّامِعينَ حِفْظُه.
- و لِما في دِراسةِ الواحدِ وإفْرادِه بِمُصنَّفٍ مستقلٍّ من استقْصاءٍ للوجوه والمَعاني، ودِقَّةٍ في النَّتائجِ والأحْكامِ، وعُمقٍ في التّحليل والبَحث.
وقَدِ اشْتهرَ بَعْضُ عُلَماءِ الْحَديثِ بِبِناءِ الْمُصَنَّفِ الْواحِدِ عَلى الْحَديثِ الْواحِدِ، وجَعَلوا لِمُؤَلَّفاتِهِمْ هذِهِ عَناوينَ اقْتَبَسوها مِنْ أَطْرافِ الأَحاديثِ الْمَشْروحَةِ. ويَدْخُلُ هَؤُلاءِ فيمَنْ قالَ فيهِمْ رَسولُ اللهِ [ : «نَضَّرَ اللهُ امْرَءًا سَمِعَ مِنّا حَديثًا فأَدّاهُ كَما سَمِعَهُ، فَرُبَّ مُبَلَّغٍ أَوْعى مِنْ سامِعٍ»، مِمَّنْ يَكونُ عَلى دَرَجَةٍ مِنَ الْوَعْيِ والإِدْراكِ والْقُدْرَةِ عَلى الاسْتِنْباطِ، أَكْثَر مِمّن يَسْمَعُهُ مِنْ رَسولِ اللهِ [. وقَدْ كانَ عَصْرُ الْفِقْهِ والْفُقَهاءِ الذي ابْتَدَأ بِأَبي حَنيفَةَ مُمَيَّزًا بِالْقُدْرَةِ عَلى اسْتِنْباطِ أَحْكامِ الشَّريعَةِ مِنَ الْقُرْآنِ والسُّنَّةِ. وقَدْ أَلَّفَ الإِمامُ الْخَطيبُ الْبَغْدادِيّ كِتابًا في ذلِكَ سَمّاهُ «شَرَف أَصْحابِ الْحَديثِ» بَيَّنَ فيهِ الآثارَ الْوارِدَةَ في فَضْلِ أَهْلِ الْحَديثِ والْعامِلينَ فيهِ .
ويغلبُ أن يُصنّفَ العلماءُ مصنّفاتٍ على الحديثِ الواحد، إذا كانَ الحديثُ :
- من جَوامعِ كَلِمِه [ .
- أو ممّا اشتَمَلَ على فوائدَ وفَرائدَ كحديثِ ذي اليديْنِ، وحديثِ المُسيءِ صَلاتَه.
- أو من الأحاديثِ المُشكِلة «كحديثِ أمّ زَرْع» وحَديثِ «لا ترُدّ يَد لامِس»
- أو من الأحاديث المُتَعارِضة التي تَحْتاج إلى جَمع أو ترجيحٍ كَحديثِ «لا عَدْوى ولا طِيَرَة»
- أو من الأحاديثِ المُختَلَف في صحّتِها، كَحَديثِ «القُلَّتَيْنِ»
1- فَمِمَّنْ أَلَّفَ في الْحَديثِ الْواحِدِ الْقاضي عِياض بْنُ موسى الْيَحْصبِيُّ السَّبْتِيُّ الْمُتَوَفّى سَنَةَ (544هـ)، الذي أَلَّفَ كِتابًا سَمّاهُ «بُغْيَة الرّائِدِ لِمَا تَضَمَّنَهُ حَديثُ أُمِّ زَرْعٍ مِنَ الْفَوائِدِ»، وهُوَ شَرْحٌ لِحَديثِ أُمِّ زَرْعٍ الْمَشْهورِ. وكِتابُ الْبُغْيَةِ مِنْ أَجْمَعِ الْكُتُبِ التي وُضِعَتْ عَلى هذا الْحَديثِ و أَوْسَعِها، و مِنْهُ أَخَذَ أَغْلَبُ الشُّرّاحِ بَعْدَهُ، ومِنْهُمْ أَبو الْفَضْلِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْكَريمِ بْن الْفضْلِ الرّافِعِيّ الْقَزْوينِيّ الْمُتَوَفّى سَنَةَ 580 هـ، الذي أَلَّفَ كِتابَ «درَّة الضّرْعِ لِحَديثِ أُمِّ زَرْعٍ»، ولابْنِ ناصِر الدّينِ الدّمَشْقِيّ (ت.842) «ريع الفَرْعِ في شَرْحِ حَديثِ أمّ زَرْع».
2 – رِسالَةٌ لَطيفَةٌ في شَرْحِ حَديثِ «أَنْتَ و مالُكَ لأَبيكَ» للإِمامِ مُحَمَّد بْنِ إِسْماعيلَ الصَّنْعانِيِّ (ت.1182).
3 – وشَرْحُ حَديثِ «مَنْ عادى لي وَلِيّاً فَقَدْ آذَنْتُهُ بِالحَرْبِ… » الذي رَواهُ البُخاري عنْ أبي هُرَيْرَةَ، المَعْروفُ بـِ «قَطْر الوَلِيّ عَلى حَديثِ الوَلِيّ» أو ولايَةُ الله والطَّريقُ إلَيْها، لِمُحَمَّد بْنِ عَلِيّ بْنِ مُحَمّد بْنِ عَبْدِ الله الشّوكانِيّ (ت.1250).
4 – وشَرْحُ حَديثِ «نَضَّرَ الله امْرَأً»، لأبي عَمرٍو أحمدَ ابنِ مُحَمدِ بنِ إبراهيمَ بن حَكيمٍ المَدينيّ المَعروفِ بِابنِ ممّك (ت.333).
5 – وكِتابُ «الفَوائِد المُنْتَقاة مِنْ حَديثِ «مَثَلُ القائِمِ عَلى حُدودِ الله»» لِعَبْدِ الآخِرِ حَمّاد الغنيمي.
6 – ومِمّا أُلِّفَ في الْحَديثِ الْواحِدِ : كِتابُ «جَلاء الدّامِس عَنْ حَديثِ «لا تَرُدُّ يَدَ لامِسٍ»، لِلشَّيْخِ عَبْدِ الْعَزيزِ بْنِ الصِّدّيق الْغُماريّ.
7 – وشَرْحُ حَديثِ «الأَعْمال بِالنِّيّاتِ» لِمُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ حامِدٍ الشّافِعِيِّ (مِنْ أَهْلِ الْقَرْنِ التّاسِعِ الْهِجْرِيِّ).
8 – و شَرْحُ حَديثِ «اخْتِلاف أُمَّتي رَحْمَة» لِشَمْسِ الدّينِ مُحَمَّدِ بْنِ سالِمِ بْنِ أَحْمَدَ الْحَفنِيِّ الْمِصْرِيِّ الشّافِعِيِّ (ت.1181).
9 – و شَرْحُ حَديثِ «مَنْ بَنى للهِ مَسْجِدًا» لِعَلِيِّ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ مكرمٍ الصَّعيدِيِّ الْعَدَوِيِّ الْمالِكِيِّ (ت.1189).
10 – و شَرْحُ حَديثِ «في كُلِّ أَرْضٍ نَبِيٌّ كَنَبِيِّكُمْ» لأَحْمَدَ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ السّجاعِيِّ الْبَدْراوِيِّ الأَزْهَرِيِّ الشّافِعِيِّ (ت.1197).
11 – و شَرْحُ حَديثِ «مَنْ رَأى مِنْكُمْ مُنْكَرًا» لأَبي هادي مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ حَسَنٍ الْجَوْهَرِيِّ الصَّغيرِ الْمِصْرِيِّ الشّافِعِيِّ الْخالِدِيِّ (ت.1215).
12 – و شَرْحُ حَديثِ «قَلْبُ الْمُؤْمِنِ بَيْنَ أُصْبُعَيْنِ مِنْ أَصابِعِ الرَّحْمنِ» لِمُحَمَّدٍ الأَمينِ بْنِ جَعْفَرٍ الصّوصِيِّ السِّجِلْماسِيِّ.
13 – و جَوابٌ عَنْ سُؤالٍ حَوْلَ حَديثِ «خُلِقَ الإِنْسانُ عَلى التَّدْريجِ نُطْفَةً ثُمَّ عَلَقَةً» لِلْعَربِيّ بْنِ أَحْمَدَ بَردُلةَ الْفاسي الْمالِكِيِّ (ت.1133).
14 – و شَرْحُ حَديثِ «شَيَّبَتْني هودٌ وأخَواتُها»
15 – و شرْح حَديثِ أمّ حَرام بِنْت ملْحان وهو شرحٌ يريدُ به صاحبُه رفعَ الإشكالِ والشّبهة عن فَهمِ الحديثِ وتصحيحَ ما قد يفهمُه مَن لا علمَ لَه أو مَن في قلبِه مرضُ شهْوَةٍ أو شُبْهَةٍ، من جوازِ الخلْوةِ بالأجنبيّةِ ومسِّ المرأةِ جسدَ الرّجلِ الأجنبيّ .
16 – إِفْرادُ حَديثِ «ما بالُ أَقْوامٍ يَشْتَرِطونَ شُروطًا لَيْسَتْ في كِتابِ اللهِ» بِالتَّصْنيفِ، الْمَشْهورِ بِقِصَّةِ بَريرَةَ.
ولِلْحافِظِ أَبي الْفَرَجِ عَبْدِ الرَّحْمنِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ رَجَبٍ الْحَنْبَلِيِّ (ت.795) جُمْلَةٌ مِنَ الْمُؤَلَّفاتِ في الْحَديثِ الْواحِدِ، فَكانَ مِنْ أَبْرَزِ مَنْ أَفْرَدَ الْحَديثَ الْواحِدَ بِالتَّصْنيفِ، فَمِنْ ذلِك:
17 – «اِخْتِيارُ الأَوْلى في شَرْحِ اخْتِصامِ الْمَلإِ الأَعْلى»،
18 – و«الْحِكَمُ الْجَديرَةُ بِالإِذاعَةِ مِنْ قَوْلِ النَّبِيِّ [ بُعِثْتُ بِالسَّيْفِ بَيْنَ يَدَيِ السّاعَةِ»،
19 – وشَرْحُ حَديثِ : «إِنَّ أَغْبَطَ أَوْلِيائي عِنْدي»،
20 – وشَرْحُ حَديثِ شَدّادِ بْنِ أَوْسٍ: «إِذا كَنَزَ النّاسُ الذَّهَبَ و الْفِضَّةَ»،
21 – وشَرْحُ حَديثِ عَمّارِ بْنِ ياسِرٍ: «اللَّهُمَّ بِعِلْمِكَ الْغَيْبَ»،
22 -وشَرْحُ حَديثِ: «ما ذِئْبانِ جائِعانِ» ويُسَمّى أَيْضًا «ذَمّ الْجاهِ والْمالِ»،
23 – وشَرْحُ حَديثِ «لَبَّيْكَ اللّهُمَّ لَبَّيْكَ»،
24 – وشَرْحُ حَديثِ أَبي الدَّرْداءِ «مَنْ سَلَكَ طَريقًا يَلْتَمِسُ فيهِ عِلْمًا»،
25 – وشَرْحُ حَديثِ « يَتْبَعُ الْمَيِّتَ ثَلاثٌ»،
26 – وشَرْحُ حَديثِ «مَثَلُ الإِسْلامِ»،
27 – وكِتابُ «غايَة النَّفْعِ في شَرْحِ حَديثِ تَمْثيلِ الْمُؤْمِنِ بِخامةِ الزَّرْعِ»،
28 – وكِتابُ «كَشْف الْكُرْبَةِ في وَصْفِ حالِ أَهْلِ الْغُرْبَةِ»، وهُوَ شَرْحُ حَديثِ «بَدَأَ الإِسْلامُ غَريبًا»،
29 – وكِتابُ «الْمَحَجَّة في سَيْرِ الدُّلْجَةِ» وهُوَ شَرْحُ حَديثِ «لَنْ يُنْجِيَ أَحَدًا مِنْكُمْ عَمَلُهُ»،
30 – وكِتابُ «نور الاقْتِباسِ، في مِشْكاةِ وَصِيَّةِ النَّبِيِّ [ لِعَبْدِ اللهِ بْنِ عَبّاسٍ»، وهُوَ شَرْحُ حَديثِ : «اِحْفَظِ اللهَ يَحْفَظْكَ» .
31 – وكتابُ «البِشارة العُظمى للمؤمنِ بأنّ حظّه من النّارِ الحُمّى»
انظر في أدبِ التّصنيفِ في الحديثِ الواحد: (التّعريف بِما أفْرِدَ من الأحاديث بالتّصنيف)يوسف العَتيق، وانظر أيضاً: (المُعجَم المُصنَّف لمؤلّفاتِ الحديث الشَّريف) محمّد خَير رَمَضان.
الْحَديثُ رُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مسْعودٍ، و خَرَّجَهُ (ابْنُ حِبّان في صَحيحِهِ: 1/268 و1/271).
(مَجْمَع الزَّوائد ومَنْبَع الفَوائد: 2/150)للهيثَمي.
(فَتْح الباري: 2/279).
(اَلسُّنَنُ الْكُبْرى: 3/370) : للنَّسائِيِّ (ت.303)دار الكتب الْعِلْمِيّة، بيروت، 1411-1991
(صَحيح مُسلم: 4/1746).
(صَحيح ابنِ خُزَيْمَة: 1/54) الْمَكْتَب الإِسْلامِيّ بَيْروت ، 1390-1970.
(صَحيح البُخارِيّ: 2/882). ط. دار البيارِق، عمّان، الأردن، ط.1 / 1419-1999.
هذا الكتاب والكتب الآتية ذكرها مَخْطوطٌة بِخِزانَةِ تِطْوانَ. ينظر: فِهْرس مَخْطوطاتِ خِزانَةِ تِطْوانَ إِعْداد : الْمَهْدي الدّليرو و مُحَمّد بوخبزة ، تطوان 1404-1984 .
(حَديثُ «شَيَّبَتْني هودٌ وأخَواتُها»- دِراسَة حَديثيّةٌ) د. سعيد الغامدي، 1425هـ، مكتبة شبكة التفسير والدراسات القرآنية.
(إشْكالٌ وجَوابُه في حَديثِ أمّ حَرام بِنْتِ ملْحان) د.عليّ الصّيّاح، دار المُحدِّث، الرّياض، 1425هـ.
(صحيح مُسلم: 3/1518) بابُ فَضل الغَزْو في البَحر الأولى
ينبغي التّنبيه ههنا على أنّ هذه المؤلَّفات جُمِعَت في كتاب جامع، عُنوانه: (مَجْموع رَسائل الحافظ ابن رَجَب الحَنْبَليّ) جَمَعَها ودَرَسَها وحقَّقَها: أبو مصعَب الحلواني، نشر: الفاروق الحديثة للطّباعة والنّشر، القاهرة، 1424هـ/2003م،
د. عبد الرحمن بودراع