من أوراق شاهدة – زمـن المجاهرين بـكــل الآثــام


يحزنني كل هذا العطب الذي تسلل إلى جسم الأمة وروحها فأنبت كل هذه المخلوقات المشوهة المعالم، ونحن ندخل عصر ذل قل نظيره. وأكثر من أي وقت مضى يتنزل حديث رسول الله [ في أمته التي غدت مستباحة بل مسخرة تـتـفكه شعوب العالم بقدرتها الفذة على التفتت والتشرذم إلى مالا نهاية. وهي تنيخ ركاب العزة لرواد القصعة القدامى والجدد يقسمون الوزيعة كما بالأمس، ودون أدنى حرج من مساءلة أو احتجاج. وقد هان العرب فسهل الهوان عليهم. وفي ظل هذا النكوص تتبدى لوحة الخلية الأسرية أكثر إفرازا لظواهر الانحراف التام عن منظومة الأخلاق المبهرة التي جاء بها الإسلام وارتقى بها الرسول [ إلى مرتبة النموذجية المطلقة .
ويبدو للمطلع على إحصائيات أرقام الجريمة بالعالم العربي ونوعيتها أن العرب والمسلمين ارتدوا إلى الجاهلية بمفهومها اللغوي لا بمفهومها التاريخي الذي يحيل على عرب ما قبل الإسلام وما حملته كتب السيرة من حكايات معاملاتهم الإنسانية الراقية كالكرم ونجدة الملهوف ورفع الظلم عن المستغيث وعزة النفس إلخ ..
وبالتالي هي اللَّخبَطَةُ التامة على مستوى القيم، والخلل جــلـي، يحتل فيه الأبوان مرتبة الشرف مع التنويه كمسؤولين وضحايا في نفس الآن.
وقد سجلت دوائر الرصد التربوي في بلدان عربية كالجزائر على سبيل الذكر تصعيدا خطيرا في نوعية الجرائم التي ترتكب ضد الأصول كالاغتصاب والعنف حد تشويه الضحايا بشكل سينمائي مروع يحيل على تساؤل مشروع مفاده إن كان المجرمون هم أنفسهم من يقومون بهذه الجرائم المروعة أم هم متلبسون بأرواح شريرة وغير آدمية، فلا هم يخشون ولا هم يذكرون مصداقا لقوله تعالى {استحوذ عليهم الشيطان فأنساهم ذكر الله أولئك حزب الشيطان ألا إن حزب الشيطان هم الخاسرون }.
وببلادنا يتمدد نفس الورم السرطاني مهددا بزعزعة أمن البلاد من خلال انبجاس سلوكيات إجرامية، تظهر بكل جلاء أن معطيات بنيوية متداخلة (وعلى رأسها المعطى الديني المحجم)، صاغت خلطة غرائبية خطيرة تتشكل ملامحها المخيفة اللحظة تحت يافطة ما يسمى بالتشرميل .
وعبثا يحاول المعارضون للدين وقيمه الرسالية التصحيحية إقصاءه من مهمته الحاسمة في إحقاق الأمن والتوازن وإبعاده عن الخوض في جذور هذه الآفة، وسبل اجتثاثها من خلال شرع الله الخبير بعباده ، بلا جدوى {إن الله بالغ أمره قد جعل الله لكل شيء قدرا}.
وبصيغة أوضح فإن كل الظواهر السلبية المرافقة لما سمي بالتشرميل لدى فئة الشباب نهى الشارع الحكيم عنها. وعلى سبيل المثال فاستعراض السيوف علنا وإشهارها في الفضاء العام كما فضاء الأنترنيت محرم تماما، ففي رواية لمسلم قال : قال أبو القاسم: «من أشار إلى أخيه بحديدة فإن الملائكة تلعنه حتى ينزع وإن كان أخاه لأبيه وأمه». ونهى رسول الله [ عن ترويع المسلم بالسلاح أو بغيره حتى وإن كان مازحا. وما نراه من عروض استفزازية مخجلة على شبكات التواصل الاجتماعي للأسلحة البيضاء والمبالغ المالية الكبيرة ناهيك عن الألبسة الرياضية العالمية الاسم بما تفترضه من قدرات مادية كبيرة لا سبيل للحصول عليها خاصة بالنسبة للفئات الشبابية الفقيرة إلا بالسرقة أو بالعنف المادي الجسيم ، يدعو إلى القلق والتوجس من كل الاحتمالات الدرامية، ودليل ذلك ما حدث في مدينة الدار البيضاء حين أقدم شاب على ذبح أمه من أجل مبلغ مالي قيل بأنه استودعها إياه وقالت هي رحمها الله أن وديعته اشترت بها خروجه من السجن، وكان يمضي عقوبة حبسية لتورطه في سوابق إجرامية .
إن ابتكار اللقطات الأكثر وقاحة والصور الأكثر اجتراء وميوعة بصفحات التشرميل لمجموعات من الشباب بمختلف مناطق الدار البيضاء والمجاهرة بكل أنواع الخلاعة من تعاطي للمخدرات والشيشا والشذوذ الجنسي ورفض العلاقات السوية واعتبار أهلها بمثابة «مكلمنين» أي باللهجة المغربية «مكلخين»، والارتهان لفكر فاسد وجد خطير على مستوى العقيدة والسلوك مفاده أنك يجب أن تلبس الماركات الغالية حتى لا تكون محتقرا بين الفتيات من التلميذات، وأنك ستلجأ دون تبكيت ضمير إلى سرقة حقائب النساء، وهو ما يسمونه في قاموس المشرملين ب «الشنطي ونطي» للتباهي وكسب الإعتراف لشيء مرعب ومخيف، ويشي بأن البيوت لم يعد لها آباء يحمونها، وأن الفرامل أتلفت بشكل نهائي. وأننا أمام مظاهر «انمساخ قيمي» رهيب وغير مسبوق، وأن الأبواب غدت مفتوحة لأعداء الوطن للعبث بأمن البلاد. وهي النذر الأولى لعاصفة اللاستقرار لا قدر الله، إن لم يتدارك غيورو الوطن قافلة النعاج المتراكضة إلى الهاوية، فقد شهدت دول «الربيع العربي» اختراقا خارجيا لجهات عدوانية اشتغلت في البداية على المنسوب الأخلاقي لهذه الشعوب بالضرب على وتر الحرية والحقوق لحلحلة الأنفس والمناعات الرخوة المتبقية ثم انتقلت إلى السرعة القصوى بإشعال مشاعر الغضب ضد أعداء تلك الحقوق والحريات المزعومة فكانت تلك الهبة المحركة عن بعد، تذكيها عوامل الإشعال الموضوعية داخل بلاد العرب من مظالم .
فهل يقف تشخيصنا عند هذه الأغصان المريضة أم نتعداه إلى الطبقات الباطنية لجذور الشجرة ونحن أمام لائحة من العاهات المتناسلة؟؟ ..
أفلا نحتاج إلى قومة علمية لمؤطري الشأن الديني كل من موقعه رفقة كل الفاعلين الصادقين لتعديل بوصلة القيم وولوج زمن المجاهرين بالآثام بالمجاهرة بالتسديد والتصحيح بكل الحب والرحمة قبل فوات الأوان؟؟
قال سيدنا عمر بن الخطاب ] «ما كانت الدنيا هــم أحد إلا لزم قلبه أربع: فقر لا يدرك غناه، وهــم لا ينـقـضي مـداه، وشغل لا ينفذ، وأمل لا يدرك منتهاه…»
وللحديث بإذن الله بقية.

ذة. فوزية حجبـي

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>