شخصية العدد – محمد قطب: قطب الأمة الإسلامية الكبرى


توفي يوم الجمعة 04 جمادى الآخرة سنة 1435هـ الموافق ل04 أبريل سنة 2014م المفكر الإسلامي والداعية الكبير محمد قطب، ووالده هو قطب بن إبراهيم بن حسين الشاذلي، وُلد في أسيوط بصعيد مصر، في 25 رجب عام 1337 هـ، الموافق 06 أبريل عام 1919م. ومحمد قطب هو الشقيق الأصغر لسيد قطب، وقد اشتهرت أسرة القطبيين بالعلم والصلاح، قال الدكتور يوسف القرضاوي عن هذه الأسرة:» آل قطب كلهم برجالهم ونسائهم: أسرة أدب ودعوة، وثقافة وفكر، وقد كان موطنهم بالصعيد، فانتقلوا إلى القاهرة، ومن القاهرة انتقلوا بفكرهم ودعوتهم إلى العالم العربي، بل العالم الإسلامي، بل إلى كل العالم».
وقد تخرج محمد قطب في كلية الآداب قسم اللغة الإنجليزية عام 1359، الموافق 1940م، ثم أكمل دراسته في معهد التربية العالي للمعلمين، وحصل على دبلوم في التربية وعلم النفس.
اشتغل الأستاذ محمد قطب في بداية حياته بالتدريس مدة أربع سنوات، وبعدها انتقل للعمل بإدارة الترجمة بوزارة المعارف لمدة خمس سنوات، وعاد للتدريس مرة أخرى لعامين، كما عمل مشرفا على مشروع «الألف كتاب» بوزارة التعليم.
مواقفه من أنظمة الحكم في مصر
اتخذ محمد قطب موقفا معارضا لأنظمة الحكم في بلده سواء منها النظام الملكي أو الحكم الناصري الذي تميزت مرحلته بالعنف ضد حركة الإخوان المسلمين التي شاركت في ثورة الضباط الأحرار 1952، لكن سرعان ما قلب عليها عبد الناصر ظهر المجن، وبسبب هذه المواقف أدخل السجن الحربي سنة 1954، وذاق من التعذيب والقساوة ما ترك أثرا قويا في شخصيته ومواقفه، ورغم الإفراج عنه فقد حكم على أخيه سيد ب15 سنة (مدة كتابة السيد تفسيره في ظلال القرآن) مما جعل محمد قطب يتحمل محنة السجن وإن كان خارج السجن، ثم في الحملة التي شنها من جديد نظام جمال عبد الناصر سنة 1965 أعيد محمد قطب وأخوه سيد الذي كان أفرج عنه لظروف صحية إلى السجن وقد قضى محمد بالسجن هذه المرة ست سنوات، من 30 يوليو/تموز 1965 إلى 17 أكتوبر/ تشرين أول 1971، وهي مدة ليست بالقصيرة، كما أنها اعتبرت مرحلة المحنة الكبرى في حياة محمد قطب وأسرته وحياة حركة الإخوان المسلمين حيث أعدم سيد وستة آخرون من خيرة قادة جماعة الإخوان المسلمين ومفكري الأمة آنذاك، ونفذ الحكم سريعا فجر الاثنين 29 أغسطس/آب 1966 رغم وساطة كثير من زعماء ورؤساء دول عربية وإسلامية، كما توفي تحت التعذيب زوج شقيقته واعتقلت شقيقاته وتعرضن للتعذيب والتنكيل حيث وصف محمد قطب هذه الأحداث ب»المجزرة»
وبعد خروجه من السجن التحق بالمملكة العربية السعودية مدرسا في جامعة أم القرى وجاور الحرم المكي مؤثرا البقاء بجواره رغم العروض المغرية التي قدمت له للانتقال إلى بلد آخر ورغم المضايقات، وظل يحمل الجنسية المصرية وطنه وبلده الأصلي إلى وفاته يوم الجمعة 04 جمادى الآخرة سنة 1435هـ الموافق ل04 أبريل سنة 2014م تغمده الله بواسع رحمته وتقبل دعوات المسلمين له.
أفكاره ومواقفه
يذكر محمد قطب أنه تأثر في حياته بثلاث شخصيات كان لها الأثر الكبير في توجيه فكره وتكوين شخصيته الأدبية والفكرية والدعوية؛ وهؤلاء الثلاثة هم: الأديب والمفكر و الناقد عباس محمود العقاد رحمه الله تعالى، وخاله أحمد حسين الموشي الأديب والشاعر والكاتب البارع والصحافي السياسي ثم شقيقه المفكر والشهيد سيد قطب رحمهم الله تعالى جميعا، غير أن أثر سيد كان أكبر إلى حد «التقمص»والتماهي، يقول عن هذا التأثير : «لقد عايشت أفكار سيد بكل اتجاهاته منذ تفتح ذهني للوعي، ولما بلغت المرحلة الثانوية جعل يشركني في مجالات تفكيره، ويتيح لي فرصة المناقشة لمختلف الموضوعات، ولذلك امتزجت أفكارنا وأرواحنا امتزاجا كبيرا، بالإضافة إلى علاقة الأخوة والنشأة في الأسرة الواحدة، وما يهيئه ذلك من تقارب وتجاوب». كما تظهر كتاباته أنه تأثر بكثير من العلماء والمصلحين في تاريخ الأمة قديما وحديثا.
إلى جانب تأثره بهذه الشخصيات فقد كان لمرحلة السجن ومحنه وضخامة الابتلاءات التي ابتليت بها الدعوة الإسلامية في مصر أثر كبير في مواقف الأستاذ محمد قطب ومنهجه في فهم الواقع ومكوناته وآليات التدافع والثبات على الحق، وكان لكل ذلك أثره في صقل شخصيته وصبغها بصبغة الحق والصدق والوضوح، وطبعها بطابع المصلحين الكبار والدعاة الذين لا يشق لهم غبار.
مواقفه الفكرية
سجل المفكر والداعية مواقفه الفكرية بأحسن ما يكون التسجيل. إنه العمل والتربية والتوجيه والكتابة الفكرية الرصينة والحاملة لمعالم القوة العلمية والوعي بالواقع والمواقف والمذاهب والمواقع؛ وإن العمل الإسلامي المعاصر في العالم الإسلامي وفي غيره لمدين لهذا العالم والمفكر وأخيه أكثر من غيرهما، فقد تلقف الناس كتاباتهما بنهم وشغف وتعطش قل نظيره وأثره، فقد كان غزير الكتابة قوي البيان والحجة ، واضحا في فكرته، صادقا في توجيهه ودعوته، فكتب منتقدا مادية الفكر الغربي في كتب عديدة منها «الإنسان بين المادية والإسلام» وهو من أوائل كتبه وأعزها لديه وهو البذرة الأولى التي تناسلت منها بقية كتبه ضمن مشروعه الفكري والدعوي. كما انتقد المذاهب الفكرية الغربية من ماركسية ووجودية ورأسمالية ونظريات في علم النفس (التحليل النفسي لفرويد) وفي علم الاجتماع (دوركايم) وفي علم التاريخ (داروين) في علم التاريخ والاقتصاد(الماركسية) لذلك دعا إلى تأسيس العلوم الإنسانية انطلاقا من الأرضية الإسلامية والرؤية القرآنية للإنسان نفسا واجتماعا وتاريخا، ودعا إلى التعامل مع العلوم الإنسانية الغربية برؤية نقدية وتأصيلية وكتب كتاب «حول التأصيل الإسلامي للعلوم الاجتماعية»، وضَمَّن هذه الانتقادات المبصرة لخلفيات هذه المذاهب وأثرها السلبي في الأمة في كتب عديدة منها: «جاهلية القرن العشرين» و«معركة التقاليد» و«في النفس والمجتمع» و«مذاهب فكرية معاصرة» و«دراسات في النفس الإنسانية» و«التطور والثبات حياة البشر»، كما اهتم بأثر الفكر العلماني والإلحادي في الفكر الإسلامي فكتب مبينا أسس هذا الفكر وجذوره وآثاره التي أصابت الأمة خاصة كتاب «العلمانيون والإسلام» وانخرط في سلك الرد على شبهات المغرضين للنيل من الإسلام والمسلمين خاصة المستشرقين ومن ركب مركبهم فكتب كتاب «المستشرقون والإسلام» و«حول تطبيق الشريعة» و»شبهات حول الإسلام»، و«مغالطات» (2006)، و«مفاهيم ينبغي أن تصحح»، وما ميز منهج الكتابة عند المفكر محمد قطب هو مزجه في الكتاب الواحد بين النقد والبناء. إذ كل هذه الكتب التي سبق ذكرها في الرد والنقد قدم فيها المؤلف رحمه الله تعالى رؤية إسلامية واضحة وجديدة في هذه القضايا والموضوعات والمجالات، كما كتب كتبا إسلامية بين فيها التصور الإسلامي من قضايا عديدة مثل كتابه «دراسات قرآنية» وكتاب «منهج التربية الإسلامية جزءان» و«منهج الفن الإسلامي» و«لا إله إلا الله عقيدة وشريعة ومنهج حياة» و«ركائز الإيمان» وهو مقرر مادة التوحيد التي عهدت المملكة العربية السعودية للمؤلف بتأليفه ودرس لسنوات عديدة ولقي قبولا في الأوساط العلمية والتعليمية، كما كتب في مجال فقه واقع الأمة الفكري والتاريخي والدعوي كتبا عديدة منها «واقعنا المعاصر» وكتاب «من قضايا الفكر الإسلامي المعاصر» وكتاب «المسلمون والعولمة»، و«قضية التنوير في العالم الإسلامي»، و«هلم نخرج من ظلمات التيه».
ورغم تعدد اهتمامات المفكر محمد قطب إلا أنها طبعت طابع النقد العلمي للمذاهب والمفاهيم الغربية، والتأسيس العلمي الواضح للتصور الإسلامي ومفاهيمه ومناهجه في تصور الكون والحياة والإنسان والمجتمع والتاريخ والمصير، وفي مجال إبراز الفكرة الإسلامية والتصور الإسلامي.
مواقفه الدعوية
لم يكن محمد قطب مفكرا يشتغل بالفكر والسجال الفكري والنظري فحسب، بل إنه انخرط في الممارسة العملية انخراطا جوهريا واستفادت الدعوة الإسلامية المعاصرة في كثير من البلدان من كتاباته الدعوية ومنهجه في الدعوة. وقد قال الدكتور يوسف القرضاوي عن منهجه : «إن محمد قطب.. يمثِّل مدرسة إسلامية في الدعوة والتربية، والحوار والفكر الإسلامي، الذي يتميز بالأسلوب النيِّر، الذي يخاطب العقل، ويحرك العاطفة، ويحاور الآخر، ويرد على الغرب، كما يرد على المخالفين، ويثير في الشباب اعتزازًا خالصًا للإسلام، وتكاتفا عليه، وجهادا في سبيله، ورفضا لما سواه».
شهادات أهل الفكر والدعوة فيه
< الدكتور يوسف القرضاوي: وصفه بأنه: «قطب من أقطاب الأمة الإسلامية الكبرى ، وعلم من أعلامها، وقلم من أقلامها، ونجم من نجومها، وَهَبَ عمره من أوله إلى آخره لها ولدينها، ودعوتها وثقافتها، وحضارتها وتراثها، وهو الداعية الكبير، والكاتب القدير، المصري وطنا، الإسلامي هُوية، العالمي امتدادا»
< الاتحاد العالمي للعلماء المسلمين : وصف بيان نعي الاتحاد محمد قطب بأنه «واحد من أبرز المفكرين المسلمين المعاصرين، الذين أثروا المكتبة الإسلامية بروائع الدرر، وربوا أجيالاً من الشباب على الفكر الأصيل المستنير، والسمت الإسلامى القويم، والمنهج الدعوى المعتدل البصير، اقتباساً من الهدى النبوى، ببيان مناهج الإسلام وتجلية مفاهيمه الأصيلة ومرتكزاته فى معركة التقاليد، ومواجهة جاهلية القرن العشرين»
وبمجرد إعلان خبر وفاته انطلقت مواقع التواصل الاجتماعي بوصفه بأوصاف جليلة تليق بمقامه، فوصفه سلمان العودة ب«الداعية المجاهد»، ووصفه الكاتب الصحفي جمال سلطان في تغريدة له: بالمفكر التقي النقي الملهم، واعتبر وفاته بمثابة «طي لصفحة كاملة من تاريخ الفكر الإسلامي الحديث نظريًا، بعد أن طواها الواقع، رحمه الله». ، وقال عنه مشعان أفندي في تغريدة له: «لم تغيره الأمواج المتلاطمة ولا الرياح العاتية التي أصابت الأمة في الثمانين عاما الماضية، عاش كالجبل الشامخ ومات شامخا» كما قال عنه موسى الغذامي في تغريدة له أيضا : «عاش جبلا ومات جبلا ما تزعزع مع طوفان العروبية ولا اكتساح الشيوعية بل سما وتسامى وهو في سجون الطواغيت مع أخيه الشهيد سيد قطب».
مؤلفاته
ترك الأستاذ محمد قطب تراثا فكريا ودعويا ضخما كما وكيفا قارب الأربعين كتابا عدا المحاضرات والإشراف العلمي على الرسائل والأطاريح، وبذلك يمكن القول إنه طبع الفكر الإسلامي بطابع خاص وجديد فهمه وتجديدا وبعثا ، ولا يمكن الحديث عن الفكر الإسلامي في القرن الخامس عشر الهجري وإغفال جهود هذا المفكر. ومن أبرز كتبه :

- دراسات في النفس الإنسانية
- التطور والثبات في حياة البشرية
- منهج التربية الإسلامية (بجزئيه: النظرية والتطبيق)
- منهج الفن الإسلامي
- جاهلية القرن العشرين (1965)
- الإنسان بين المادية والإسلام (1951)
- دراسات قرآنية
- هل نحن مسلمون؟ (1959)
- شبهات حول الإسلام
- في النفس والمجتمع
- حول التأصيل الإسلامي للعلوم الاجتماعية
- قبسات من الرسول (1957)
- معركة التقاليد
- مذاهب فكرية معاصرة
- مغالطات (2006)
- مفاهيم ينبغي أن تصحح
- كيف نكتب التاريخ الإسلامي؟
- لا إله إلا الله عقيدة وشريعة ومنهج حياة
- دروس من محنة البوسنة والهرسك
- العلمانيون والإسلام
- هلم نخرج من ظلمات التيه
- واقعنا المعاصر
- قضية التنوير في العالم الإسلامي
- كيف ندعو الناس؟
- المسلمون والعولمة
- ركائز الإيمان (في أصله مقرر مادة التوحيد والعقيدة)
- لا يأتون بمثله!
- من قضايا الفكر الإسلامي المعاصر
- حول التفسير الإسلامي للتاريخ
- الجهاد الأفغاني ودلالاته
- حول تطبيق الشريعة
- المستشرقون والإسلام
- هذا هو الإسلام
- رؤية إسلامية لأحوال العالم المعاصر
- مكانة التربية في العمل الإسلامي
- دروس تربوية من القرآن الكريم

وفي الختام يمكن القول إن أمثال محمد قطب في تاريخ الأمة قلائل ولقد صدق من قال في وصف عمله وفكره بأنه «علامة فكرية وحركية بارزة بالنسبة للحركة الإسلامية المعاصرة» لأن حضوره في حقل الفكر والدعوة الإسلاميين المعاصرين كان حضورا فاعلا ومؤثرا التأثير الذي لا يحدثه إلا المصلحون الكبار الذين يتجاوزون عصرهم ويصنعون التاريخ بمداد دمهم وآلامهم وآمالهم. ولئن كان عمر محمد قطب الجسمي امتد لما يقرب من قرن من الزمن فإن عمره الفكري والدعوي والرمزي سيمتد ما بقيت هذه الأمة حية.

د. الطيـب الوزانـي

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>