بين ماض في القمة وحاضر في القمامة


تنطوي الأيام وتذهب فتختفي معها أشياء على حساب ظهور أشياء أخرى، ويبدأ الناس في تغيير أنفسهم وإدخال أفكار جديدة في قواميسهم، وكأن ما يملكونه لا يكفيهم ولا يستطيع أن يمدهم بالحياة. فتجدهم لا يأخذون سوى الأفكار السلبية التي لن تزيد حياتهم إلا موتا وسباتا. وخصوصا إذا تعلق الأمر بمحاولة زعزعة الأفكار وايجاد بديل لها يتماشى مع نزوعات الفترة الزمنية التي نعيش فيها. وثالثة الأثافي أن أغلبية الناس لا يفكرون سوى في زعزعة المنظومة الأخلاقية الإسلامية وتغييرها بما لا يمكن أن يتناسب أبدا مع الواقع ولكنه يتناسب مع رغبة أشخاص يسيروننا ويحاولون السيطرة علينا، وهذا ما نجده في المجتمعات الإسلامية؛خاصة حين نتحدث عن قيمة العفة التي أصبح الكل ينظر إليها على أنها من الماضي الذي لم يعد له وجود ولا يستحق أن يستمر في الوجود لأنه يخالف رغباتهم. فلماذا بدأت مجتمعاتنا تفقد هذه القيمة الأساسية؟ ولماذا لا نعود إلى توجهات القرآن الكريم وسنة الرسول صلى الله عليه وسلم؛ ونحيي هذه القيمة بكل ما تحمله من معاني الخير والصلاح؟ أسئلة لا يمكن أن نلمس وجودها في الواقع إلا إذا تمسكنا بالإرادة والصبر لمقاومة الإغراءات الدنيوية، واجتهدنا في التخلق بأخلاق العفة والفضائل المماثلة.
إن العفة باعتبارها قيمة إسلامية أخلاقية؛ لها قيمة رفيعة في الإسلام فقد قال صلى الله عليه وسلم : >مَنَ يَسْتَعْفِفْ يُعِفُهُ اللهُ<(رواه مسلم). فالعفة مهارة حياة نمتحن فيها النفس ونلزمها بالورع والتقوى وليست حرمانا ومنعا للنفس بقدر ماهي مناعة فردية تحصن العفيف والعفيفة وتمنحهما الطمأنينة والراحة النفسية،وهي تستطيع حمايتهما من الوقوع في شرك الفواحش بكل أنواعها. وبذلك تكون العفة كَبَابٍ يفرق بين نور الحياة وظلامها، فإما أن تختار العيش في النور والتخلق بهذه القيمة وإما أن تفقدها فتصبح حياتك ظلاما فوق ظلام.

إن العفة كف للقلب والجوارح عن كل ما حرم الله. ولقد خص الله تعالى المتخلقين بها بثمرات يجنونها في الدنيا والآخرة: * محبة الله : قال تعالى: {إِنَ اللَهَ يُحِبُ التَوَابِينَ وَ يُحِبُ المُتَطَهِرِينَ}(البقرة : 222).

> الفوز بالجنة: قال صلى الله عليه وسلم : >عََُِرضَ عَلَيَ أَوَلُ ثَلاَثَةٍ يَدْخُلُونَ الْجَنَةَ: شَهِيدُُُُ ُوَعَفِيفُُ ُمُتَعَفِفُ.ُ..<(رواه الترمذي).

> النجاة من النار : قال صلى الله عليه وسلم : >ثَلاَثَةُُ لاَ تَرَى أَعْيُنُهُم النَارَ : عَيْنُ ُحَرَسَتْ فِي سَبِيلِ اللهِ وَعَيْنُ ُ بَكَتْ مِنْ خشية الله وعَيْنُُ ُ كَفَتْ عَنْ مَحَارم الله<(رواه الطبراني).

> صيانة العرض والشرف : قال صلى الله عليه وسلم : >عِفُوا عن نساء الناس تَعِف نساؤكم<(رواه الحاكم).

> الثواب والمغفرة: قال تعالى: {…والحافِظِينَ فروجهم والحافِظَات والذَاكِرِين الله كثيرا والذَاكِرَاتِ أعد الله لهم مغفرة وأجراعظيما}(الأحزاب : 36).
> طهارة النفس وسلامة البدن من الأمراض المنقولة جنسيا. وللأسف أصبحت المجتمعات الإسلامية عامة والمجتمع المغربي خاصة لا تسعى إلا لتحقيق الربح المادي على حساب إغفال الجانب الأخلاقي والقيمي. فكيف يمكن أن نعيد ترسيخ قيمة العفة في حياتنا ونعود بأنفسنا أخلاقيا إلى زمن الرسول صلى الله عليه وسلم؟. يحتمل هذا السؤال الكثير من الإجابات، لكن أول شيء يجب علينا القيام به هو :
- التفكير في إصلاح أنفسنا لأن الله سبحانه وتعالى قال في سورة الرعد الآية 11 : {إن الله لا يُغَير الله ما بِقَوْمٍ حتى يُغَيِرُوا ما بِأَنْفُسِهِم}. فإن صلحت نوايانا وأصلحنا ما بأنفسنا فإننا نستطيع بإذن الله تحقيق هدفنا وبلوغ النصر الأخلاقي.
- إيجاد بديل للأفكار المنحرفة السائدة والتى تعتبر العولمة والتأثر بالغرب السببين الرئيسيين في ظهورها. ولا يمكن تغيير هذه الأفكار إلا بالعودة إلى الإسلام وتراثه الأخلاقي.فهذه العودة هي السبيل الوحيد الأنسب لتحصيننا ضد كل ما يمكن أن يزعزعنا ويجعلنا مجرد آلات تقلد وتتبع المنهج الذي سطره لها غيرها دون النقد والتمحيص.

- رفض التقليد الأعمى : الإنسان الحقيقي ليس من يتبع ويقلد ويتغير بتغير الزمان والمكان، لكن الإنسان الحقيقي هو الذي يتبث على دينه وعلى قناعاته ويجعل من محيطه بيئة صالحة لممارسة مبادئه وتنزيلها بكيفية تحدث التأثير والخير فيه.

فاطمة عاقيل

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>