مواقف وأحوال – رسالة إلى كل حامل لكتاب الله تعالى


هكذا قال خلف بن هشام القارئ: لا أقرأ على من يستصغر رجلاً من حملة القرآن أهل القرآن أهل الله وخاصته، إنهم خير أهل الأرض، وأشرف أهل الدنيا، وفي الصحيح: خيركم من تعلم القرآن وعلمه، بهذا صحت الأخبار، ونطق النبي المختار صلى الله عليه وسلم، لكن في واقعنا تصرفات وأفعالا وأقوالا تنقص من هؤلاء السادة، وتحط من قيمة ومكانة هؤلاء الأخيار، بعضها عن قصد وتخطيط وسوء نية، وبعضها ليس كذلك، لكن الذي يؤلمني هو أن أجد من أهل القرآن الذي أكرمهم الله بكتابه، وجعلهم وراث نبيه، وحملة دينه، من يرضى بالهوان، ويقبل بالذلة، ويضعف أمام صاحب مال أو جاه أو سلطان، ويمد يده لفلان، ويتملق لغيره، وينافق آخرين، لعلهم يجاملونه بكلمات، أو يتكرمون عليه بدريهمات، فيا حسرة على كثير من أهل القرآن في زماننا، يرفعهم الله تعالى بكتابه، ويذلهم بنو آدم بدراهمهم ومناصبهم. وإنا لله وإنا إليه راجعون. أذكر هؤلاء برجل من أهل القرآن، وإمام من أئمة الأمة في هذا المجال هو : خلف بن هشام أحد القراء العشرة، وأحد الرواة المشهورين عن حمزة الزيات رحمه الله، جلس يوما أمام رجل، قطع من أجل الوصول إليه الفيافي والقفار، ليتعلم منه، فلما جلس بين يديه وطلب منه القراءة عليه رفض، وغضب لله غضبة كبيرة، أرجو أن تتأملها جيدا أيها الحامل لكتاب الله الكريم: قال ابن الجزري في غاية النهاية في طبقات القراء – قال أحمد بن إبراهيم: سمعته يقول: قدمت الكوفة، فصرت إلى سليم، فقال: ما أقدمك؟ قلت أقرأ على أبي بكر بن عياش، فدعا ابنه وكتب معه ورقة إلى أبي بكر لم أدر ما كتب فيها، فأتيناه فقرأ الورقة وصعد فيّ النظر ثم قال: أنت خلف؟ قلت نعم، قال أنت الذي لم تخلف ببغداد أحداً أقرأ منك؟ فسكتُّ، فقال لي: اقعد، هات اقرأ، قلت: عليك؟ قال نعم، قلت: لا والله، لا أقرأ على من يستصغر رجلاً من حملة القرآن ثم خرجت فوجّه إلى سليم فسأله أن يردني فأبيت”(1) إنها عزة رجل اعتز بالقرآن، وإنها غضبة رجل غضب للقرآن، فهل أنت ممن يعتز بالقرآن، ويغضب للقرآن، فيعزه الله بذلك، ويدافع عنه بين يدي أصحاب المال والجاه، أم العكس؟ فوالله لقد رأينا أناسا من أهل القرآن استصغروا ما عظم الله تعالى، واحتقروا ما كبر الله عن غير قصد، ووضعوا أنفسهم مواضع الذلة، وأنزلوها منازل الهوان، فزادهم الله ذلا وهوانا، ورأينا صنفا آخر من هؤلاء عظموا ما عظم الله فرفع الله أقدارهم، وأعلى منازلهم، وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قال: إن الله يرفع بهذا الكتاب أقواما ويضع آخرين، فاختر لنفسك من أي الفريقين تريد أن تكون؟

ذ. امحمد العمراوي

من علماء القرويين

——–
1- غاية النهاية في طبقات القراء 1 / 120 وتراجم القراء 1 / 30

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>