تهافت نظرية التحليل النفسي


يتناول فلاسفة العلم المحدثون “نظرية التحليل النفسي” التي وضع فرويد أسسها بالعرض والنقد ويرون أنه إذا كانت “النظرية السلوكية” لبافلوف تعاني من الضحالة في افتراضاتها الأولية “وأنها تبالغ في تبسيط العقل إلى درجة أن أطلقوا عليها اسم” نظرية السخف الطائش”! فإن من الصعوبة قول هذا الشيء نفسه بالنسبة للتحليل النفسي كنظرية عامة تقوم على عدد من الافتراضات. والافتراض الرئيسي من بينها هو وجود ما جرت تسميته باللا شعور. إذ علينا أن نفترض أنه إلى جانب العمليات العقلية التي نعيها هناك عمليات عقلية نشطة أخرى لا نعيها مطلقاً. وبعض هذه العمليات أو الأحداث التي تجري في اللا شعور يمكن استحضاره إلى مجال الشعور بمجهود إرادي وبعضها لا يمكن استحضاره إلاّ باستخدام الفن الخاص بالتحليل النفسي أو باستخدام أساليب أخرى مكافئة.

ولا يسعنا في هذا المقال استعراض معطيات نظرية التحليل النفسي بصدد اللاشعور والصراع والكبت والطاقة الجنسية أو (اللبيدو) كما يسميها فرويد، وإنما نريد أن نقف قليلاً عند بعض النقدات التي وجهها سوليفان في (طبيعة العقل) إلى النظرية لكي يتبين لنا أنها لا يمكن أن تعدّ بحال من الأحوال، مسلّمة نهائية تحلّ اللغز المتعلّق بعمل العقل وانعكاسه على السايكولوجية البشرية.

فالحلم مثلاً -الذي يعتبر تفسيره أحد أعمدة النظرية- ينبثق عن مصادر متعددة جداً للخبرة تجعل من الصعب الاعتقاد بأي تفسير للأحلام.. فإن لدى مفسر الحلم متغيرات عديدة يستطيع أن يتصرف بها. ويبدو واضحاً أنه بقليل من الذكاء يمكن استخراج أي محتوى كامن مهما كان من أي محتوى ظاهر. والواقع أن محللين نفسانيين مختلفين يمكن أن يقدموا تفسيرات مختلفة تماماً للحلم الواحد. ففرويد كما نعلم يجد في الحلم مجموعة من الرموز الجنسية ” وإدلر الذي كان في وقت من الأوقات محللاً نفسانياً والذي نبذ تعاليم فرويد (وما أكثر ما يحدث هذا في المدارس والنظريات الغربية) يجد في الحلم تعبيراً عن الرغبة في القوة. ويونغ يحتمل أنه يقدم للحلم تفسيراً أخر أيضاً. ومن المستحيل القول بأن أياً من هذه التفسيرات هو أكثر معقولية من التفسيرات الأخرى. وهذا أمر مخيّب للآمال إذا كان يراد لتفسير الأحلام أن يعتبر علماً. إن الأمر هنا يبدو كما لو أن محللين كيمياويين مختلفين قد توصلوا إلى عناصر مختلفة تماماً نتيجة لتحليل مركب كيمياوي واحد. لذا فإن كون هذا الجزء من تعاليم فرويد قد أثار الكثير من الشك ، أمر ليس فيه ما يدهش!

وفيما يتعلق باللا شعور، هناك اختلاف كبير حول محتوياته بين الذين قبلوا بأفكار التحليل النفسي واحترموها. ففرويد -كما هو معروف جيداً- يركز تركيزاً كبيراً على الرغبات الجنسية المكبوتة ، بينما يركز علماء آخرون على دوافع ورغبات أخرى.. إنه لا يصحّ مطلقاً القول بأن معطيات التحليل النفسي قد لاقت إقراراً عاماً من قبل علماء النفس. إن النظرية في حقيقة الأمر تركيب شديد التعقيد. وقد قلّلت وفرة الفرضيات التي انطوت عليها هذه النظرية الكثير من قيمتها ودرجة الثقة بها في أعين الكثيرين. ويمكن تقديم مثال جيد عن هذا الخصب في مجال صنع النظريات من خلال نظرية فرويد في الطاقة الجنسية أو اللبيدو.

إن فرويد يمدّ اللبيدو ، أو طاقة الحبّ الجنسي ، إلى كل فاعلية وكل اتجاه في حياة الإنسان من يوم أن يولد وحتى وفاته. إن كل صغيرة وكبيرة ، كل عمل جزئي أو هدف كلّي سام هو بمثابة تعبير مباشر أو غير مباشر عن هذه الطاقة الجنسية المكبوتة في معظم الأحيان. إن نظرية اللبيدو هذه تمثل جيداً الخيال الخصب الذي بنى التحليل النفسي ولكن الحقائق التي بنيت عليها تقبل تأويلات مختلفة بالكلية عن بعضها البعض. وقد أثبت هذه الحقيقةبشكل كافٍ وجود نظريات أو أنظمة منافسة لها. ويحتمل أن تكون أنظمة يونغ وأدلر أفضل ما هو معروف منها.

أ. د. عماد الدين خليل

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>