مواقف وأحوال – هذا ما أبكى أبا هريرة ومعاوية رضي الله عنهما


خذ حذرك أيها العبد الصالح وانتبه، فإن النار يوم القيامة تسعر بثلاثة أنواع من الناس، يبدو في الدنيا صلاحهم، ويظهر أنهم أهل خير وفضل، والحقيقة خلاف ذلك.  أما الأول: فقارئ القرآن المجود له.  وأما الثاني فالمجاهد الذي استرخص نفسه دفاعا عن دين الله حتى قتل.  وأما الثالث فالغني الذي أنفق ماله الذي اكتسبه من عرق جبينه في سبيل الله!!

فاحذر أن تكون أحدهم، واعلم أن ذلك كان يقطع أكباد سلفك من هذه الأمة، وإليك نموذجان من صحابة سيدنا وحبيبنا محمد صلى الله عليه وسلم :

الأول: أبو هريرة ] :

قال الترمذي: حدثنا سويد بن نصر أخبرنا عبد الله بن المبارك أخبرنا حيوة بن شريح أخبرني الوليد بن أبى الوليد أبو عثمان المدني أن عقبة بن مسلم حدثه أن شفيا الأصبحي حدثه أنه دخل المدينة فإذا هو برجل قد اجتمع عليه الناس فقال: من هذا؟ فقالوا : أبو هريرة، فدنوت منه حتى قعدت بين يديه وهو يحدث الناس، فلما سكت وخلا قلت له: أنشدك بحق وبحق، لما حدثتني حديثا سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم عقلته وعلمته، فقال أبو هريرة أفعل، لأحدثنك حديثا حدثنيه رسول الله صلى الله عليه وسلم عقلته وعلمته، ثم نشغ(1) أبو هريرة نشغة فمكث قليلا ثم أفاق فقال: لأحدثنك حديثا حدثنيه رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا البيت ما معنا أحد غيرى وغيره، ثم نشغ أبو هريرة نشغة أخرى ثم أفاق فمسح وجهه فقال: لأحدثنك حديثا حدثنيه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا وهو في هذا البيت ما معنا أحد غيرى وغيره، ثم نشغ أبو هريرة نشغة أخرى ثم أفاق ومسح وجهه فقال أفعل، لأحدثنك حديثا حدثنيه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا معه في هذا البيت ما معه أحد غيرى وغيره، ثم نشغ أبو هريرة نشغة شديدة، ثم مال خارا على وجهه، فأسندته عليّ طويلا ثم أفاق فقال: حدثني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الله تبارك وتعالى إذا كان يومُ القيامة ينزل إلى العباد ليقضى بينهم، وكل أمة جاثية، فأول من يدعو به رجل جمع القرآن، ورجل قتل فى سبيل الله، ورجل كثير المال، فيقول الله للقارئ: ألم أعلمك ما أنزلت على رسولى؟ قال بلى يا رب. قال فماذا عملت فيما علمت؟ قال كنت أقوم به آناء الليل وآناء النهار. فيقول الله له: كذبت، وتقول له الملائكة كذبت، ويقول الله له: بل أردت أن يقال إن فلانا قارئ فقد قيل ذاك.

ويؤتى بصاحب المال فيقول الله له: ألم أوسع عليك حتى لم أدعك تحتاج إلى أحد؟ قال بلى يا رب. قال فماذا عملت فيما آتيتك؟ قال كنت أصل الرحم وأتصدق، فيقول الله له كذبت! وتقول له الملائكة كذبت! ويقول الله تعالى: بل أردت أن يقال: فلان جواد فقد قيل ذاك.

ويؤتى بالذي قتل في سبيل الله فيقول الله له: فى ماذا قتلت؟ فيقول: أمرت بالجهاد فى سبيلك فقاتلت حتى قتلت. فيقول الله تعالى له كذبت! وتقول له الملائكة كذبت! ويقول الله بل أردت أن يقال فلان جرىء فقد قيل ذاك، ثم ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم على ركبتيّ فقال: “يا أبا هريرة أولئك الثلاثة أول خلق الله تسعر بهم النار يوم القيامة”(2).

فانظر رحمك الله إلى حال أبي هريرة ]  يريد أن يحدث بهذا الحديث فلا يستطيع، فيصيبه ما يصيبه، ويشتد بكاءه، ويميل حتى يكاد أن يخر ويسقط مخافة أن يكون منهم!!

الثاني: معاوية ]

قال أبو عثمان -متصلا بالحديث السابق- وحدثني العلاء بن أبى حكيم أنه كان سيافا لمعاوية، فدخل عليه رجل فأخبره بهذا عن أبى هريرة ] فقال معاوية: قد فُعل بهؤلاء هذا فكيف بمن بقي من الناس؟!!

ثم بكى معاوية بكاء شديدا حتى ظننا أنه هالك، وقلنا قد جاءنا هذا الرجل بشر، ثم أفاق معاوية ومسح عن وجهه وقال: صدق الله ورسوله {من كان يريد الحياة الدنيا وزينتها نوف إليهم أعمالهم فيها وهم فيها لا يبخسون أولئك الذين ليس لهم في الآخرة إلا النار وحبط ما صنعوا فيها وباطل ما كانوا يعملون}(3).

وانظر رحمك الله أيضا إلى حال معاوية وبكائه الشديد، حتى ظن جلساؤه أنه هالك لا محالة، كل ذلك كان خوفا على نفسه، وتأمل قوله ] : قد فُعل بهؤلاء هذا فكيف بمن بقي من الناس؟!

ذ. امحمد العمراوي

من علماء القرويين

amraui@yahoo.fr

———–

1- نشخ ينْشغ نشْغاً : شهق حتى كاد يُغشى عليه.

2- رواه الترمذي في كتاب الزهد  في باب الرياء والسمعة وقال هذا حديث حسن غريب.    //3- رواه الترمذي في كتاب الزهد  في باب الرياء والسمعة وقال هذا حديث حسن غريب.

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>