جزاءُ إفرادِ اللَّهِ عَزَّ وجل بالمحبَّة والوَلاَء (2)


4- مَنْحُ القبول في السَّماءِ والأرْض :

إن الكثير من الزعماء السياسيين وغيرهم يبحثون عن “الشَّعْبيَّة” أي أن يرزقهم الله تعالى حُبَّ الشعوب لهم، وهي رغبة تذهبُ بالبعض من المجنُونين المهْوُوسين بحب الجماهير إلى تصْنيع الأجواق المصفِّقة له في المحافل والمناسبات واللقاءات الجماهيرية المصطَنعة لأدْنَى الأسباب وأتفهها، بل ويصطنعون كذلك البطولات الزائفة لكي يشتغل الإعلام بالتهليل للزعيم الأوْحدِ، والسياسي المحنَّك الَعَلَم المفرد، حتى يترسَّخَ في وعي الجماهير أنَّه المُنقِذ الأوْحَدُ، وأنه الرَّاعي الأمين، والمُصْلح القادمُ من أرضِ “عَبْقَر” أو النازِلُ من سماءِ الأقمار وفضاء النجوميّة اللامعة بالذكاء والنبوغ.

ويزيد الأمر جنونا وهَوَسا أن صانِعَ الهَوَس والجنون ـ من كثرة إِدْمَان الممارسة ـ يُصَدِّق ذلك، كالذي يكذب ويكذب ويكذب حتى يُصَدِّق هو كذِبَهُ، فيظُنَّ أن المطبِّلين والمُزمِّرين والنافخين في الأبواق هُمْ الشعبُ فعلا، فيصابون بالغرور زيادة على الجُنُون، فلا يستفيقون إلا على اللعنات التي تُصبُّ عليهم صبّا إذا انقلبتْ كراسيهم، أو وُضِعُوا في جحيم قبورهم، وجُردوا من كل زينة التفاخر والتعاظم، وسُربلوا بسرابيل الخزي، وقَطِران الذل والهوان.

هؤلاء المجنونون بالشعبية المحلِّية والقُطرية والعالمية يُخطئو ن الطريق إليها عندما يَسْلُكون طريق شراء الذِّمم، وكسْر الرؤوس، ولَيِّ الأعناق، وقطع الأرزاق، بَدَل الدُّخول إلى محراب التضرُّع لله تعالى، والتواضُع له بقضاء حاجات المستضعفين والمستضعفات، وإكرام القانتين والقانتات، واختيار أهل الأمانة لحمل الأمانات، والإكثار من زيارة بيوت الله تعالى، ووضع المشَاكِل المستعصية الحُلُول، بين يَدَي الملك الجبار الآخِذِ بنواصي الأملاك والإنسان.

هذا الخطأ في الطريق هو سبَبُ نكبة الشعوب، حيث يَجْثُم على صَدْرها من لا يَعرفُ إلا العصا حَلاًّ لجميع المشاكل، وإخراسا لكل الأصوات، وفي نفس الوقت لا يعرف سندا وعمادا لقبضَته الحديدية إِلاَّ منْ هُوَ أغْلَظُ عصًا منه، وأكثر شراسة منه، فَهُو ربُّه ومولاه، له يقدِّم الطاعات، ومنه يأخذ الأوامِرَ والنواهي والتعليمات.

ولو رجع هؤلاء إلى منهج الشعبية في الإسلام لَوَجَدُوه صريحا واضحا في عدة نصوص ربانية تَشِعُّ بالنور والرحمة والهُدى إلى الأكمل والأصلح للفرد والمجتمع والأمة، من ذلك : قول الله تعالى :

{إِنَّ الذِينَ آمنُوا وعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَانُ وُدّاً}(مريم : 95) أي أن الله عزوجل هو الذي يتكفل لعباده بخَلْق المحبة لهم وإيجادها في الأكوان العُلوية والسُّفليَّة بدون أن يَشْغَلَ العبادُ الصالحون أنفُسهم بها، بل عليهم أن يشغَلُوا أنفسهم بالإيمان الصادق والعمل الصالح المرضي لله تعالى رب العالمين. وهذا هو ما فسره حديث رسول الله  صلى الله عليه وسلم أحسن تفسير، فقد روى مسلم والبخاري من حديث أبي هريرة ] أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : “إن اللَّهَ تَعَالَى إِذا أَحَبَّ عَبْدا دَعَا جِبْرِيلَ عليه السلام فقال : إِنِّي أُحِبُّ فلانا فَأَحِبَّهُ، فَيُحِبُّهُ جِبْريلُ، ثُمَّ يُنَادِي في السَّماءِ : إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ فُلاَناً فَأَحِبُّوهُ فَيُحِبُّهُ أَهْلُ السَّمَاءِ ـ قاَلَ ـ ثُمَّ يُوضَعُ لَهُ القَبُولُ فِي الأَرْضِ، وَإِذَا أَبْغَضَ اللَّهُ عَبْداً دَعَا جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ فَيَقُولُ : إِنِّي أُبْغِضُ فُلاَناً فَأَبْغِضْهُ، فَيُبْغِضُهُ جِبْريلُ، ثُمَّ يُنَادِي في أَهْلِ السَّمَاءِ : إِنَّ اللَّهَ يُبْغِضُ فُلاَناً فَأَبْغِضُوهُ ـ قال ـ فَيُبْغِضُونَهُ، ثم تُوضَعُ لَهُ البَغْضَاءُ في الأرضِ”.

فهل بعد هذا يتعجَّبُ الناس من بُغض المومنين وغير المومنين لأمثال النماردَةِ والفراعنة وآباء جَهْل العصريين الذين يعملون على فرض المحبة والهيبة بالقتل والتشريد والتخريب والضرب بالعِصِيّ الغليظة لفرض الهيمنة البشرية الظالمة الهالكة؟.

وهل بعد هذا يمكن أن نجد من يَسْعى إلى تحسين الصورة الإسلامية في أعين الحاقدين والحاسدين والمنافقين والشامتين بزيادة الانفتاح وافتعال التقارب والسكون إلى غير من أحاط بكل شيء علما.

{اللَّهُ يَعْلَمُ ما تَحْمِلُ كُلُّ أُنْثَى ومَا تغيضُ الأرْحَامُ ومَا تَزْدَادُ وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدَارٍ عَالِمُ الغَيْبِ والشَّهَادَةِ الْكَبِيرُ المُتَعَالِ سَوَاءٌ مِنْكُمْ مَنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ وَمَنْ جَهَرَ بِهِ وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ باللَّيْلِ وسَارِبٌ بالنَّهَارِ لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَديْهِ ومِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ امْرِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لاَيُغَيِّرُ ما بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وإِذا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءاً فَلاَ مَرَدَّ لَهُ ومَالَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَالٍ}(الرعد : 11 -7).

-يتبع-

  المفضل فلواتي

رحمه الله تعالى

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>