نافذة على التراث – من خطب السلف حينما تولوا أمور المسلمين


خطب لرسول الله صلى الله عليه وسلم

روي بسند إلى أنس بن مالك قال: أول خطبة خطبها رسول الله صلى الله عليه وسلم أن صعد المنبر، فحمد الله وأثنى عليه، وقال: ((يا أيها الناس، إن الله قد اختار لكم الإسلام ديناً، فأحسنوا صحبة الإسلام بالسخاء، وحسن الخلق، ألا إن السخاء شجرة في الجنة، وأغصانها في الدنيا، فمن كان منكم سخياً لا يزال متعلقاً بغصن من أغصانها حتى يورده الله الجنة. ألا إن اللؤم شجرة في النار، وأغصانها في الدنيا، فمن كان منكم لئيماً لا يزال متعلقاً بغصن من أغصانها حتى يورده الله النار)). ثم قال مرتين: ((السخاء في الله، السخاء في الله)).

> مختصر تاريخ دمشق لابن منظور

وعن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : ((طوبى لمن تواضع من غير منقصة، وذل في نفسه من غير مسكنة،وأنفق مالاً جمعه من غير معصية، ورحم أهل الذلة والمسكنة، وخالط أهل الفقه والحكمة. طوبى لمن ذل في نفسه، وطاب كسبه، وصلحت سريرته، وكرمت علانيته، وعزل عن الناس شره. طوبى لمن عمل بعلمه، وأنفق الفضل من ماله، وأمسك الفضل من قوله)).

> لباب الألباب  أسامة بن منقذ

خطبة أبي بكر رضي الله عنه

حمد اللّه وأَثنى عليه، قال: أيها الناس، إني قد وُلِّيتُ عليكم، ولستُ بخيركم، فإن رأيتُموني على حق فأَعينوني، وإن رأيتُموني على باطل فسدِّدوني. أَطيعوني ما أطعتُ اللّه فيكم، فإذا عصيتُه لا طاعة لي عليكم. ألاَ إن أقواكم عندي الضَّعيفُ حتى آخذَ الحقَّ له، وأَضعفَكم عندي القوي حتى آخذَ الحق منه. أقول قولي هذا وأَستغفر اللّه لي ولكم.

> العقد الفريد لابن عبد ربه

خطبة عمر بن عبد العزيز

قال: إني قد ابتليت بهذا الأمر من غير رأي كان مني فيه، ولا مشورة. وإني قد خلعت ما في أعناقكم من بيعتيفاختاروا لأنفسكم، فصاح الناس صيحة واحدة: قد اخترناك يا أمير المؤمنين ورضينا بك فلي أمرنا باليمن والبركة. فقال: أوصيكم بتقوى الله، فإن تقوى الله خلف من كل شيء وليس من تقوى الله خلف، فاعملوا لآخرتكم، فإنه من عمل لآخرته كفاه الله أمر دنياه، وأصلحوا سرائركم يصلح الكريم علانيتكم، وأكثروا ذكر الموت وأحسنوا الاستعداد له قبل أن ينزل بكم، وإن امرأً لا يذكر من آبائه فيما بينه وبين آدم أبا حياً لمعرق له في الموت.

> المنتظم لابن الجوزي

وقيل إن أول خطبة خطبها هي:

وعن سلام بن سليم، قال: لمّا ولي عمر بن عبد العزيز صعد المنبر فكان أول خطبة خطبها؛ حمد الله وأثنى عليه، ثم قال: أيّها النّاس، من صحبنا فليصحبنا بخمس وإلاّ فلا يقربنا؛ يرفع إلينا حاجة من لا يستطيع رفعها، ويعيننا على الخير بجهده، ويدّلنا من الخير على ما لا نهتدي إليه، ولا يغتابنّ عندنا الرّعيّة، ولا يعترض فيما لا يعنيه. فانقشع عنه الشّعراء والخطباء، وثبت الفقهاء والزّهاد؛ وقالوا: ما يسعنا أن نفارق هذا الرّجل حتى يخالف فعله قوله.

> مختصر تاريخ دمشق لابن منظور

أول خطبة لعتبة بن غزوان رضي الله عنه بالبصرة

لما نزل عتبة بن غزوان أرض البصرة، بتوجيه من عمر بن الخطاب رضي الله عنه، لقتال العدو،  خطب الناس، وهي أول خطبة خطبها بالبصرة، فقال:

الحمد لله أحمده وأستعينه وأومن به وأتوكل عليه، وأشهد أن لا اله إلا الله، وأن محمدا عبده ورسوله،

أما بعد أيها الناس فإن الدنيا قد ولت حذاء، وآذنت أهلها بوداع، فلم يبق منها إلا صبابة كصبابة الإناء، ألا وإنكم تاركوها لا محالة فاتركوها بخير ما بحضرتكم، ألا وإن من العجب أن يؤتى بالحجر الضخم فيلقى من شفير جهنم فيهوي سبعين عاما حتى يبلغ قعرها، والله لتملأن، ألا وإن من العجب أن للجنة سبعة أبواب، عرض ما بين جانبي الباب مسيرة خمسين عاما، وأيم الله لتأتين عليها ساعة وهي كظيظة من الزحام، ولقد رأيتني مع رسول الله صلى الله عليه وسلم سابع سبعة ما لنا طعام إلا ورق البشام، وشوك القتاد، حتى قرحت أشداقنا، ولقد التقطت بردة يومئذ فشققتها بيني وبين سعد بن أبي وقاص، ولقد رأيتنا بعد ذلك وما منا أيها الرهط السبعة إلا أمير على مصر من الأمصار، وأنه لم تكن نبوة إلا تناسخها ملك، فأعوذ بالله أن يدركنا ذلك الزمان الذي يكون فيه السلطان ملكا، وأعوذ بالله أن أكون في نفسي عظيما وفي أنفس الناس صغيرا، وستجربون الأمراء بعدنا، وتجربون فتعرفون وتنكرون.

> الطبقات الكبرى  ابن سعد

 خطبة علي بن أبي طالب رضي الله عنه

قال أبو عبيدة مَعمر بن المثنّى: أول خطبة خطبها علي بن أبي طالب رحمه اللَّه أنّه قال بعد أن حمد اللَّه وأثنى عليه وصلَّى على نبيّه:

أما بعد فلا يُرْعِيَنَّ مُرعٍ إلا على نفسه؛ فإنَّ مَن أرْعَى على غير نفسه شُغِل عن الجنة والنارُ أمامَه، ساعٍ مجتهد ينجو، وطالبٌ يرجو، ومقصِّرٌ في النار، ثلاثة، واثنان: ملَكٌ طارَ بجناحيه، ونبيٌّ أخَذَ اللَّه بيديه، ولا سادس، هَلَكَ من ادَّعى، ورَدِيَ مَن اقتحم؛ فإنّ اليمين والشِّمال مَضَلَّةٌ، والوسطَى الجادَّةُ، منهجٌ عليه باقِي الكتاب والسنّة، وآثارُ النبوة، إنّ اللَّه دَاوَى هذه الأمّة بدواءين: السَّيف والسوط، فلا هوادةَ عند الإمام فيهما، استتروا ببيوتكم وأصلِحوا فيما بينكم، والتَّوبة من ورائكم، مَن أبدَى صفحَتَهُ للحقّ هَلكَ، قد كانت لكم أمورٌ مِلتُم عليّ فيها مَيلةً لم تكونوا عندي فيها بمحمودِين ولامصيبين، أمَا إنِّي لو أشاءُ لقلت عَفا اللَّه عمَّا سلف، سَبَق الرجلان وقامَ الثالث، كالغُراب همَّته بطنه، يا وَيْحَه، لو قُصَّ جناحاه وقُطِع رأسه لكان خيراً له، انظروا فإن أنكرتم فأنكروا، وإنْ عَرَفتُم فآزروا، حقٌّ وباطل، ولكلٍّ أهل؛ ولئن أمرَ الباطل لقديماً فَعَل، ولئن قَلَّ الحق لرُبّما ولعَلّ، ما أدبَر شيء فأقبل، ولئن رجعَتْ عليكم أمورُكم إنّكم لسُعَداء، وإنّي لأخشى أن تكونوا في فَترةٍ، وماعلينا إلا الاجتهاد، قال أبو عبيدة: وروى فيها جعفر بن محمد: ألا إنّ أبرارَ عِترتي، وأطاليبَ أَرومتي، أحلم الناس صِغاراً، و أعلم الناس كباراً ألاَ وإنّا أهلُ بيت مِن علمِ اللَّه عَلِمْنا، وبحُكم اللَّه حَكَمْنا، ومِن قولٍ صادقٍ سَمِعنا، وإن تَتّبِعوا آثارَنا تهتدوا ببصائرنا، وإنْ لم تفعلوا يُهلكْكم اللَّه بأيدينا، معنا رايةُ الحق، مَن تبعها لَحِق، ومَن تأخّر عنها غَرِق، ألاَ وإنَّ بنا تُرَدُّ دَبْرَة كلِّ مؤمن، وبنا تُخلَع رِبقة الذّلّ من أعناقكم، وبنا غُنِم، وبنا فَتَح اللَّه لا بكم، وبنا يُختم لا بكم،

> البيان للجاحظ

وقال ابن الحنفية: لما اجتمع الناس على علي قالوا: إن هذا الرجل قد قتل ولا بد للناس من إمام ولا نجد لهذا الأمر أحق منك ولا أقدم سابقة ولا أقرب برسول الله صلى الله عليه وسلم برحم منك، قال: لا تفعلوا فإني وزيرا لكم خير لكم مني أميرا، قالوا: والله ما نحن بفاعلين أبدا حتى نبايعك، وتداكوا على يده، فلما رأى ذلك قال: إن بيعتي لا تكون في خلوة إلا في المسجد ظاهرا، وأمر مناديا، فنادى المسجد المسجد!! فخرج، وخرج الناس معه، فصعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال:

حق وباطل ولكل أهل، ولئن كثر الباطل لقد نما بما فعل ولئن قل الحق فلربما ولقلما ما أدبر شيء فأقبل ولئن رد إليكم أمركم إنكم لسعداء وإني أخشى أن تكونوا في فترة وما علي إلا الجهد سبق الرجلان وقام الثالث ثلاثة واثنان ليس معهما سادس ملك مقرب، ومن أخذ الله ميثاقه وصديق نجا، وساع مجتهد وطالب يرجو اثرة السادس، هلك من ادعى، وخاب من افترى اليمين والشمال مضلة، والوسطى الجادة منهج عليه بما في الكتاب وآثار النبوة، فإن الله أدب هذه الأمة بالسوط والسيف ليس لأحد فيها عندنا هوادة فاستتروا ببيوتكم وأصلحوا ذات بينكم، وتعاطوا الحق فيما بينكم فمن أبرز صفحته معاندا للحق هلك والتوبة من ورائكم وأقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم،

> كنز العمال المتقي الهندي 

خطبة عمر رضي الله عنه

توفي أبو بكر الصديق مساء ليلة الثلاثاء لثمان بقين من جمادى الآخرة سنة ثلاث عشرة، فاستقبل عمر بخلافته يوم الثلاثاء صبيحة موت أبي بكر رحمه الله، قال فيما نظن أن أول خطبة خطبها عمر، حمد الله أثنى عليه ثم قال:

أما بعد فقد ابتليت بكم وابتليتم بي وخلفت فيكم بعد صاحبي فمن كان بحضرتنا باشرناه بأنفسنا ومهما غاب عنا ولينا أهل القوة والأمانة فمن يحسن نزده حسنا، ومن يسىء نعاقبه، ويغفر الله لنا ولكم.

قال أخبرنا أبو معاوية الضرير، عن الأعمش عن جامع بن شداد، عن أبيه، قال: كان أول كلام تكلم به عمر حين صعد المنبر أن قال:

اللهم إني شديد فليني، وإني ضعيف فقوني، وإني بخيل فسخني.

وروي عن حميد بن هلال قال: أخبرنا من شهد وفاة أبي بكر الصديق، قال:

> الطبقات الكبرى  ابن سعد

ورويت روايات أخرى للأولى خطبه رضي الله عنه، منها:

قال بعد أن حمد الله وأثنى عليه وصلى على رسوله

أيها الناس، إنما نحن من أصول قد مضت وبقيت فروعها، فما بقاء فرع بعد أصله، وإنما الناس في هذه الدنيا أغراض تنتضل فيهم المنايا، وهم فيها نُضُب المصائب مع كل جَرْعة شَرَق، وفي كل أكلة غَصَص، لا ينالون نعمة إلا بفراق أخرى، ولا يعمر معمر منكم يوماً من عمره إلا بهدم آخر من أجله.

> مروج الذهب  للمسعودي

ومنها:

عن الحسن: أول خطبة خطبها: حمد الله، وأثنى عليه، ثم قال: أما بعد فإني ابتليت بكم، وابتليتم بي، فما كان بحضرتنا باشرنا، ومهما غاب عنا وليناه أهل القوة والأمانة، فمن يحسن نزده حسنى، ومن يسيء نعاقبه ثم قال: بلغني أنالناس قد هابوا شدتي، وخافوا غلظتي، وقالوا: قد كان عمر يشدد علينا ورسول الله صلى الله عليه وسلم بين أظهرنا، فكيف الآن وقد صارت الأمور إليه؟! ولعمري من قال ذلك فقد صدق، كنت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فكنت عبده وخادمه حتى قبضه الله، وهو راض عني ولله الحمد، وأنا أسعد الناس بذلك، ثم ولي أبو بكر، فكنت خادمه وعونه، أخلط شدتي بلينه فأكون سيفاً مسلولاً حتى يغمدني، فما زلت معه كذلك حتى قبضه الله تعالى – وهو عني راض، ولله الحمد، وأنا أسعد الناس بذلك، ثم إني وليت الآن أموركم، اعلموا أن تلك الشدة قد تضاعفت، ولكنها إنما تكون على أهل الظلم والتعدي على المسلمين، وأما أهل السلامة في الدين والقصد فإنما اللين لهم من بعضهم لبعض، ولست أدع أحداً يظلمه أحد أو يتعدى عليه حتى أضع خده بالأرض، وأضع قدمي على الخد الآخر حتى يذعن للحق، ولكم علي أيها الناس، ألا أخبأ عنكم شيئاً من خراجكم، وإذا وقع عندي ألا يخرج إلا بحقه، ولكم علي ألا ألقيكم في المهالك، وإذا غبتم في البعوث فأنا أبو العيال حتى ترجعوا. أقول! قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم.

> سمط النجوم العوالي   العصامي

ومنها

أيها الناس إنه والله ما فيكم أحد أقوى عندي من الضعيف حتى آخذ الحق له، ولا أضعف عندي من القوي حتى آخذ الحق منه، ثم نزل.

> نثر الدر  للآبي

وقد تكون هذه الروايات لأجزاء من خطبة واحدة.

ولعمر رضي الله عنه رسالة مشهورة إلى أبي موسى الأشعري في القضاء، وفيها:

بسم اللَّه الرحمن الرحيم، أما بعد فإنَّ القضاءَ فَريضةٌ محكمة، وسُنّة متّبعة، فافهَمْ إذا أُدْلِيَ إليك، فإنه لا ينفع تكلُّمٌ بحقّ لا نفاذَ له، آسِ بين الناس في مجلسك ووَجهك، حَتَّى لا يطمَعَ شريفٌ في حَيْفك، ولا يَخافَ ضعيفٌ من جَورك، البيِّنةُ على من ادَّعى واليمينُ على من أَنكَر، والصُّلْحُ جائزٌ بين المسلمينَ إلا صلحاً حَرَّم حلالاً أو أحلَّ حراماً، ولا يمنعنَّك قضاءٌ قضيتَه بالأمس فراجعتَ فيه نفسَك، وهُدِيت فيه لرُشْدك، أن تَرجِعَ عنه إلى الحقِّ فإنَّ الحق قديمٌ، ومراجعةُ الحق خيرٌ من التَّمادِي في الباطل، الفَهمَ الفهمَ عندما يتلجلج في صدرك، ممّا لم يبلغْك في كتاب اللَّه ولا في سنَّة النبيّ صلى الله عليه وسلم ، اعرفِ الأمثالَ والأشباه، وقِسِ الأمورَ عند ذلك، ثم اعمِدْ إلى أحبِّها إلى اللَّه، وأشبَهها بالحقّ فيما ترى، واجعلْ للمدَّعِي حقّاً غائباً أو بيِّنة، أمداً ينتهي إليه، فإن أحضَر بيّنَته أخذت له بحقّه، وإلاّ وجّهتَ عليه القضاءً، فإنَّ ذلك أنْفىَ للشكّ، وأجلى للعَمَى، وأبلغُ في العُذر، المسلمون عُدولٌ بعضُهم على بعض، إلا مجلوداً في حدٍّ، أو مجرَّباً عليه شهادةُ زورٍ، أو ظنيناً في وَلاءٍ أو قرابة، فإنّ اللَّه قد تولّى منكم السرائر ودَرأَ عنكم بالشبهات، ثمّ إياك والقلقَ والضّجر، والتأذِّيَ بالناس، والتنكُّرَ للخصوَم في مواطن الحقّ، التي يُوجب اللَّهُ بها الأجر، ويُحْسِن بها الذُّخر؛ فإنّه من يُخلِصْ نيّتَه فيما بينه وبين اللَّه تبارك وتعالى، ولو على نفسه، يَكْفِهِ اللَّه ما بينَه وبين الناس، ومَن تَزيَّنَ للناس بما يعلم اللَّه منه خلافَ ذلك هتَكَ اللَه سِتْره، وأبدى فعله، فما ظنُّك بثواب غير اللَّه في عاجل رزقه، وخزائن رحمته والسلام عليك.

إعداد  : الدكتور عبد الرحيم الرحموني

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>