إن جزاء المُحبّ والمُحبَّة لله تعالى ورسوله محبَّة خالصة صادقة فَوْقَ التصوُّر وفَوْقَ الحُدُود والاعتبارات، وفوق الوَزْن بالمقادير البشرية المُدركة حِسّا، أو مَعْنى، وإذا كان العبد عاجزا عن وَزْن محبته هو لرَبِّه، فكيف يستطيعُ وَزْنَ مَحَبَّةِ اللَّه لعَبْده؟ فالصحابةُ والصحابياتُ كُلُّهم مُجْمعُون على محبة الله عز وجل ورسوله، لكن هل يستطيع أحد أن يُقدِّر محبة أبي بكر رضي الله عنه بكذا وكذا، وعمر بكذا وكذا، وسعد بن أبي وقاص بكذا وكذا، وخديجة بكذا وكذا، وسمية خياط بكذا وكذا ؟؟ رضي الله عنهم وعنهن جميعا. إن الوزن الحق لا يعرفه إلا الله تعالى، وسوف يكشفه لعباده يوم يعرضون عليه. لكن القَدْرَ المُتَّفَقَ عَلَيْهِ بين الصحابة والصحابيات جميعا، لا فَرْق في ذلك بين رجالهم ونسائهم، ولا بين شبابهم وشيوخهم هُوَ : أنَّهُمْ تجرَّدوا لله تعالى تجرُّدا تاما فأصبحوا نُخْبَةً مُصَفَّاة تمشي على الأرض بِنُور الله محسوسا في القلوب، والبيوت، والمشاعر، والعواطف، والمواقف، والمعارك، وإبداء الرأي وقبوله، فهم نورٌ على نُورٍ، لا ينشدون في كل شيء إلا رضا الله عز وجل.
فقابَلَهُمْ الله عز وجل بحبٍّ تَجَلَّى عَلَيْهِمْ في غَمْرِهم بالسكينة والرضا والاطمئنان فأصبحوا يتذوقون الحلاوة في بَذْل المال لله، وبَذْل النفس لله، وبذل كُلِّ جَهد جهيد لله، يأكلون التمرةَ فقط فيحمدون الله عليها، ويأكلون نصف التمرة في اليوم فيحمدون الله عليه، بل لا يأكلون شيئا أو يأكلون الأوراق الشجرية فلا يحسُّون بضيق أو تبرم، أو مَلاَلة، بل لا تزداد حلاوتهم الإيمانية إلا ارتفاعا، ولا تزداد سعادتهم النفسية بهذا البذْل، وبهذا الحِرمان من كل الماديات والإشْباعات الحيوانية إلا تألقا وإشراقا، وإلاَّ حُبّا للزيادة في الجود والبَذْل لله تعالى ، إنها السعادة التي لا يعرفها ولا يتذوقها من كان ما زال في نفسه ولو مقدار ذَرة من الشِّرك في المحبة لله تعالى، فما بالُك بِمَنْ كان يُصَلِّي وقَلْبُه مُعَلَّقٌ بتفاهات الأموال والأزواج والأولاد والمناصب السياسية والاجتماعية، أو كان يَدْعو لله تعالى وقَلْبُه مُعَلّق بالجيوب والحسابات البنكية والمصرفية؟
هؤلاء المُصَفَّوْن أعظَمُ نعمة أنعمها الله تعالى عليهم هي :
1- تدخُّل الله عز وجل مباشرة لحماية مُحبِّيه وتوفير الأمن والرعاية لهم : إن الله عز وجل ليس في حاجة إلى التدخل كما يتدخَّل البشرـ لأن أمرَه إذا أراد شيئا أن يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ـ ولكن الله عز وجل يكلِّمنا باللغة التي نفهَمها، لنعرف مقدارَ حُبِّه لمُحبيه، ومقدار قربه منهم، ومقدار القدرة على بسط الحماية والرحمة والحنان حتى نشعر بالدفء الإيماني يُظِلُّنَا ويغمُر قلوبنا ويطرد منها كل حُبٍّ لغير الله، وكل خوف من غير الله تعالى، وكل ارتباط بغير الرباط الذي يربطنا بالله عز وجل.
تأمَّلْ بعضَ ما جاء في هذا الشأن، وارتَوِ منه برُوحك الإيماني، وبقلبك المنغمس في زَيْتِ النُّور الرباَّني، وشعاع الفيض القدسي المُمْتدِّ إليك إيواء، وهداية، وتعليما، وتبصيرا، ومكرا لك بمن يمكر بك، وتثبيتا وتصبيرا، وتأييدا، وزرعا للهَيْبة والمحبة في كل الجوانب المحيطة بك :
{سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الذينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فاضْرِبُوا فَوقَ الأعْناقِ واضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلُّ بَنانٍ ذَلِكَ بِأَنَّهم شَاقُّوا اللَّهَ وَرَسولَهُ ومَنْ يُشاقِقِ اللَّهَ ورَسُولَهُ فَإِنَّ اللَّه شَديدُ العِقَاب}(الأنفال : 12).
{سَنُلْقِي في قُلُوبِ الذينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ بما أَشْرَكُوا باللَّهِ ماَ لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانا ومَأْوَاهُمُ النَّارُ وبيسَ مثْوَى الظالِمِين}(آل عمران : 150).
{وَمَكَرُوا ومَكَرَ اللَّهُ واللَّهُ خَيْرُ الماكِرين}(آل عمران : 54).
{ذَلِكُمْ وأن اللَّهَ مُوَهِّنٌ كَيْدَ الكافِرِين}(الأنفال: 18).
{واذْكُرُوا إِذْ أنتمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ في الارْضِ تَخَافُون أنْ يَتَخَطَّفَكُمُ الناَّسُ فآوَاكُمْ وأيَّدَكُمْ بِنَصْرِه وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ لعَلَّكُمْ تَشْكُرون}(الأنفال : 26).
2- تجنُّدُ الملإ الأعلى كله ـ بإذن الله تعالى ـ لشدِّ أزْر المومنين في الأرض الذين لا يُحبُّون إلا الله تعالى :
{إِنَّ الذِينَ قَالو رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ استقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الملائِكَةُ أَلاَّ تَخَافُوا ولاَ تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بالجَنَّةِ التي كُنْتُمْ تُوعَدون نَحْنُ أَوْلِياؤُكمْ في الحَيَاةِ الدُّنْيَا وفِي الآخِرَة}(فصلت : 30 -29).
{الذينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَولَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ ربِّهِمْ ويَسْتَغْفِرُونَ للذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا وسِعْتَ كُلَّ شَيْء رَحْمَةً وعِلْما فاغْفِرْ للذينَ تَابُوا واتَّبَعوا سَبِيلَكَ وقِهِمْ عَذابَ الْجَحِيم رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ التي وعَدتّهُمْ ومَنْ صَلَحَ منَ آبَائِهِمْ وأَزْوَاجِهِمْ وذُرِيَّاتِهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ العزيزُ الحكِيمُ وَقِهِمُ السَّيِّئاتِ وَ مَنْ تَقِ السَّيِّئَاتِ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمْتَهُ وذَلِك هُوَ الْفَوْزُ العَظِيمُ}(غافر : 6).
{إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى المَلاَئِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَتَبِّثوا الذينَ آمَنُوا}(الأنفال : 11).
{هُوَ الذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ ومَلاَئِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُم مِّنَ الظُّلُماتِ إلَى النُّور وَكَانَ بالْمُومِنِينَ رَحِيما تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلاَمٌ وأعَدَّ لَهُمْ أجْراً كَرِيماً}(الأحزاب : 43 -42).
3- بَسْطُ الرضَا الرباني والسَّكينة الروحية على نفوس المومنين المحبين لله تعالى :
{لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ المُومِنِينَ إِذْ يُبايِعُونك تحت الشَّجَرةِ فَعَلِمَ مَا في قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكينَة عَلَيْهِمْ وأَثَابَهُمْ فَتْحا قريبا ومَغَانِمَ كثيرَةً يَأْخُذُونَهَا}(الفتح : 18 -17).
{والسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ المُهَاجِرِينَ والأنْصَار والذِينَ اتَّبَعوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ}(التوبة : 99).
{يا أَيَّتُهاَ النَّفْسُ المُطْمَئِنَّةُ ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ راَضِيةً مَرْضِيَّةً فَادْخُلِي في عِبادي وادْخُلي جَنَّتي}(الفجر: 30 -26).
المفضل فلواتي رحمه الله تعالى