نافذة على التراث


<<<< من البيان القرآني

قال بعضهم: أفصل الوصايا المشتملة على جزئيات آداب الحروب وما ينفع فيها من أنواع الحيل والمكائد كثيرة،  والكافي منها جمعه الله تعالى في قوله عز وجل: {يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم فئة فاثبتوا واذكروا الله كثيراً لعلكم تفلحون، وأطيعوا الله ورسوله ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم واصبروا إن الله مع الصابرين}.

قال صاحب مشارع الأشواق، وهو من متأخري المشارقة: ولقد صدق هذا القائل فإن الله تعالى أمر المقاتلين فيها بخمسة أمور، ما اجتمعت في فئة إلا نصرت، وإن قلت، وكثر عددها: الثبات وكثرة ذكر الله، وطاعة رسوله، وعدم التنازع الموجب للفشل والوهن، فإنهم إذا اجتمعوا كانوا كالحزمة في السهام، ولا يستطاع كسرها جملة فإذا تفرقت، سهل كسرها سهماً سهما.

الخامسة: الصبر وهو ملاذ الأمر والنصر وسببه، ومتى فقد شيء من ذلك نقص من النصر بحسبه.

> بدائع السلك في طبائع الملك   لابن الأزرق

<<<< من البلاغة النبوية

حدثنا عمرو بن علي  حدثنا  يحيى بن سعيد حدثنا سفيان قال حدثني منصور عن  مجاهد عن طاوس عن  ابن عباس رضي الله عنهما، أن النبي  صلى الله عليه وسلم قال يوم الفتح: ((لَا هِجْرَة بَعْد الْفَتْح وَلَكِنْ جِهَاد وَنِيَّة، وَإِذَا اُسْتُنْفِرْتُمْ فَانْفِرُوا)).

قَوْله : ((لَا هِجْرَة بَعْد الْفَتْح)) أَيْ فَتْح مَكَّة، قَالَ الخَطَّابِيُّ وَغَيْره : كَانَتْ الْهِجْرَةُ فَرْضًا فِي أَوَّل الْإِسْلَام عَلَى مَنْ أَسْلَمَ لِقِلَّةِ الـمُسْلِمِينَ بِالـمَدِينَةِ وَحَاجَتهمْ إِلَى الِاجْتِمَاع، فَلَمَّا فَتَحَ اللَّه مَكَّة دَخَلَ النَّاس فِي دِين اللَّه أَفْوَاجًا فَسَقَطَ فَرْض الْهِجْرَة إِلَى الـمَدِينَة وَبَقِيَ فَرْض الْجِهَاد وَالنِّيَّة عَلَى مَنْ قَامَ بِهِ أَوْ نَزَلَ بِهِ عَدُوّ. وَكَانَتْ الْحِكْمَة أَيْضًا فِي وُجُوب الْهِجْرَة عَلَى مَنْ أَسْلَمَ لِيَسْلَم مِنْ أَذَى ذَوِيهِ مِنْ الْكُفَّار فَإِنَّهُمْ كَانُوا يُعَذِّبُونَ مَنْ أَسْلَمَ مِنْهُمْ إِلَى أَنْ يَرْجِع عَنْ دِينه.

قَوْله : ((وَلَكِنْ جِهَاد وَنِيَّة)) قَالَ الطِّيبِيُّ وَغَيْره : هَذَا الِاسْتِدْرَاك يَقْتَضِي مُخَالَفَة حُكْم مَا بَعْده لِمَا قَبْله، وَالـمَعْنَى أَنَّ الْهِجْرَة الَّتِي هِيَ مُفَارَقَة الْوَطَن الَّتِي كَانَتْ مَطْلُوبَة عَلَى الأَعْيَان إِلَى الـمَدِينَة اِنْقَطَعَتْ، إِلَّا أَنَّ الْمُفَارَقَة بِسَبَبِ الْجِهَاد بَاقِيَة، وَكَذَلِكَ الْمُفَارَقَة بِسَبَبِ نِيَّة صَالِحَة كَالْفِرَارِ مِنْ دَار الْكُفْر وَالْخُرُوج فِي طَلَب الْعِلْم وَالْفِرَار بِالدِّينِ مِنْ الْفِتَن وَالنِّيَّة فِي جَمِيع ذَلِكَ .

قَوْله : ((وَإِذَا اُسْتُنْفِرْتُمْ فَانْفِرُوا)) قَالَ النَّوَوِيّ : يُرِيد أَنَّ الخَبَر الَّذِي اِنْقَطَعَ بِانْقِطَاعِ الهِجْرَة يُمْكِن تَحْصِيله بِالجِهَادِ وَالنِّيَّة الصَّالِحَة، وَإِذَا أَمَرَكُمْ الإِمَام بِالخرُوجِ إِلَى الجِهَاد وَنَحْوه مِنْ الأعْمَال الصَّالِحَة فَاخْرُجُوا إِلَيْهِ…

قَالَ اِبْن أَبِي جَمْرَة مَا مُحَصِّله : إِنَّ هَذَا الْحَدِيث يُمْكِن تَنْزِيله عَلَى أَحْوَال السَّالِك لِأَنَّهُ أَوَّلًا يُؤْمَر بِهِجْرَةٍ مَأْلُوفه حَتَّى يَحْصُل لَهُ الْفَتْح، فَإِذَا لَمْ يَحْصُل لَهُ أَمْر بِالجِهَادِ وَهُوَ مُجَاهَدَة النَّفْس وَالشَّيْطَان مَعَ النِّيَّة الصَّالِحَة فِي ذَلِكَ.

> فتح الباري بشرح صحيح البخاري

<<<  من السيرة النبوية

وقدمت الشيماء بنت الحارث بن عبد العزى، أخت رسول الله صلى الله عليه وسلم من الرضاعة فقالت: يارسول الله، إني أختك، قال: “وما علامة ذلك؟” قالت: عضة عضضتنيها في ظهري وأنا متوركتك. قال، فعرف رسول الله صلى الله عليه وسلم العلامة، فبسط لها رداءه، وأجلسها عليه، وخيرها، وقال: “إن أحببت فعندي محبة ومكرمة، وإن أحببت أن أمتعك وترجعي إلى قومك فعلت”. قالت: بل تمتعني وتردني إلى قومي. ففعل. فزعمت بنو سعد أنه أعطاها غلاماً له، يقال له: مكحل، وجارية، فزوجت إحداهما الآخر. فلم يزل فيهم من نسلها بقية. وقال أبو عمر: فأسلمت، فأعطاها رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثة أعبد وجارية ونعماً وشاءً. وسماها حذافة. وقال: الشيماء لقب.

> عيون الأثر في المغازي والسير لابن سيد الناس

<<< من سيرة فاطمة بنت رسول الله  صلى الله عليه وسلم

عن عامر الشعبي قال: قال علي رضي الله عنه لقد تزوجت فاطمة ومالي ولها فراش غير جلد كبش ننام عليه بالليل ونعلف عليه الناضح بالنهار ومالي ولها خادم غيرها.

وعن علي رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما زوجه فاطمة رضي الله عنها، بعث معها بخميلة ووسادة أدمٍ حشوها ليف وسقاء وجرتين. فقال علي رضي الله عنه لفاطمة ذات يوم: والله سنوت حتى اشتكيت صدري وقد جاء الله أباك بسبيٍ فاذهبي فاستخدميه (أي اطلبي منه خادما). فقالت: وأنا والله لقد طحنت حتى مجلت يداي (مَجِلَتْ يدُه: نَفِطَتْ من العمل فمَرَنَتْ وصَلُبت وثَخُن جلدُها وتَعَجَّر وظهر فيها ما يشبه البَثَر من العمل بالأَشياء الصُّلْبة الخشِنة). فأتت النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ما جاء بك وما حاجتك أي بنية؟ قالت: جئت لأسلم عليك، واستحيت أن تسأله فرجعت.فقال: ما فعلت؟ قالت: استحييت أن أسأله. فأتياه جميعا فقال علي: “يا رسول الله والله لقد سنوت حتى اشتكيت صدري”. وقالت فاطمة: “لقد طحنت حتى مجلت يداي وقد جاءك الله عز وجل بسبي وسعة فاخدمنا”. فقال: “والله لا أعطيكما وأدع أهل الصفة تطوى بطونهم لا أجد ما انفق عليهم، ولكني أبيعهم وأنفق عليهم أثمانهم”. فرجعا. وأتاهما النبي صلى الله عليه وسلم وقد دخلا في قطيفتهما، إذا غطيا رؤوسهما تكشف أقدامهما، وإذا غطيا أقدامهما تكشفت رؤوسهما. فثارا، فقال: مكانكما ثم قال ألا أخبركما بخيرٍ مما سألتماني؟ قالا: بلى. قال: كلمات علّمنيهن جبريل، تسبحان في دبر كلّ صلاة عشراً، وتحمدان عشراً، وتكبران عشراً، وإذا أويتما الى فراشكما فسبّحا ثلاثاً وثلاثين، وكبرا أربعاً وثلاثين. قال: فو الله ما تركتهن منذ علمنيهن رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال: فقال له ابن الكواء: ولا ليلة صفّين؟ قال: قاتلكم الله يا أهل العراق نعم ولا ليلة صفين).

وعن عائشة رضي الله عنها قالت: “أقبلت فاطمة عليها السلام كأن مشيتها مشية رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: مرحباً بابنتي. ثم أجلسها عن يمينه أو عن شماله. ثم إنه أسرّ إليها حديثاً فبكت. فقلت لها: اختصّك رسول الله صلى الله عليه وسلم بحديثه ثم تبكين؟ ثم إنه أسرّ إليها حديثاً فضحكت. فقلت: ما رأيت كاليوم فرحاً أقرب من حزن، فسألتها عما قال، فقالت: ما كنت لأفشي سرّ رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما قبض صلى الله عليه وسلم سألتها، فقالت: إنه أسر لي فقال: “إن جبريل كان يعارضني بالقرآن في كل عام مرة، وإنه عارضني به العام مرتين، ولا أراه إلا قد حضر أجلي، وإنك أول أهل بيتي لحوقاً بي، ونعم السلف أنا لك، فبكيت لذلك. ثم قال: ألا ترضين أن تكوني سيدة نساء هذه الأمة، أو سيدة نساء المؤمنين؟ قالت: فضحكت لذلك”. أخرجاه في الصحيحين وليس لفاطمة عليها السلام في الصحيحين غير هذا الحديث.

وعن عائشة قالت: عاشت فاطمة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم ستة أشهر.

> صفوة الصفوة  لابن الجوزي

<<< أقدم طبيبة عربية زينب طبيبة بني أود

كانت عارفة بالأعمال الطبية، خبيرة بالعلاج ومداواة آلام العين والجراحات، مشهورة بين العرب بذلك، قال أبو الفرج الأصبهاني في كتاب الأغاني الكبير أخبرنا محمد بن خلف المرزباني، قال، حدثني حماد بن إسحاق عن أبيه عن كناسة عن أبيه عن جده، قال: أتيتُ امرأة من بني أود لتكحلني من رمد كان قد أصابني فكحلتني، ثم قالت اضطجع قليلاً حتى يدور الدواء في عينيك، فاضطجعت ثم تمثلت قول الشاعر:

أمخترمي ريب المنون ولم أزر طبيب

بني أود عـلـى الـنـأي زينـبـا

فضحكت ثم قالت أتدري فيمن قيل هذا الشعر؟  قلت لا قالت فيَّ واللَّه قيل، وأنا زينب التي عناها، وأنا طبيبة بني أود، أفتدري من الشاعر؟ قلت لا. قالت عمك أبو سماك الأسدي.

> عيون الأنباء في طبقات الأطباء  لابن أبي أصيبعة

<<< كاتب “مقامات الحريري” مغربي!

رأيت في بعض المجاميع أن الحريري لما عمل المقامات كان قد عملها أربعين مقامة، وحملها من البصرة إلى بغداد وادعاها، فلم يصدقه في ذلك جماعة من أدباء بغداد، وقالوا: إنها ليست من تصنيفه، بل هي لرجل مغربي من أهل البلاغة، مات بالبصرة ووقعت أوراقه إليه فادعاها. فاستدعاه الوزير إلى الديوان وسأله عن صناعته، فقال: أنا رجل منشيء، فاقترح عليه إنشاء رسالة في واقعة عينها، فانفرد في ناحية من الديوان، وأخذ الدواة والورقة ومكث زمانا كثيرا، فلم يفتح الله سبحانه عليه بشيء من ذلك، فقام وهو خجلان.

> وفيات الأعيان لابن خلكان

<<< أقوال بليغة

وقيل لأبي السَّمًال الأسديّ أيامَ مُعاوية: كيف تركتَ الناس؟ قال: تركتُهم بين مظلوم لا يَنْتَصف، وظالم لا يَنتهي.

وقيل لشَبيب بن شَيْبة عند باب الرَّشيد: كيف رأيتَ الناس؟ قال: رأيت الداخلَ راجياً، والخارج راضياً.

ولَقي الحُسين بن عليّ رضوان الله عليهما الفرزدقَ في مَسيره إلى العراق، فسأله عن الناس، فقال: القُلوب معك، والسُّيوِف عليك، والنَّصر في السماء.

وقال مُجاشع النهشلي: الحق ثَقيل، فمَن بَلَغه اكتفى، ومن جاوزه اعتدى.

وقيل لأمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه : كم بين المَشرق والمَغرب؟ فقال: مَسيرة يوم للشمس. قيل له: فكم بين السماء والأرض؟ قال: مَسيرة ساعة لدَعْوة مُستجابة.

وقيل لأعْرابي: كم بين مَوْضع كذا وموضع كذا؟ قال: بَياضُ يوم وسَواد ليلة.

وقيل لخالد بن يَزيد بن مُعاوية: ما أقربُ شيء؟ قال: الأجل. قيل له: فما أبعدُ شيء؟ قال: الأمل. قيل له: فما أوْحش شيء؟ قال: الميّت. قيل له: فما آنس شيء؟ قال: الصاحب المُواتي.

> العقد الفريد  لابن عبد ربه

<<< من كلام علي بن أبي طالب  رضي الله عنه

ليس شيء أحسن من عقل زانه علم، ومن علم زانه حلم، ومن حلم زانه صدق، ومن صدق زانه رفق، ومن رفق زانه تقوى. إن ملاك العقل ومكارم الأخلاق صون العرض، والجزاء بالفرض، والأخذ بالفضل، والوفاء بالعهد، والإنجاز للوعد. ومن حاول أمراً بالمعصية كان أقرب إلى ما يخاف، وأبعد مما يرجو. إذا جرت المقادير بالمكاره سبقت الآفة إلى العقل فحيرته، وأطلقت الألسن بما فيه تلف الأنفس. لا تصحبوا الأشرار فإنهم يمنون عليكم بالسلامة منهم.

لا تقسروا أولادكم على آدابكم، فإنهم مخلوقون لزمان غير زمانكم.

لا تطلب سرعة العمل واطلب تجويده، فإن الناس لا يسألون في كم فرغ من العمل، إنما يسألون عن جودة صنعته.

ليس كل ذي عين يبصر، ولا كل ذي أذن يسمع، فتصدقوا على أولي العقول الزمنة، والألباب الحائرة، بالعلوم التي هي أفضل صدقاتكم، ثم تلا: {إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى من بعد ما بيناه للناس في الكتاب أولئك يلعنهم اللاعنون}.

> نهج البلاغة  لابن أبي الحديد 

إعداد : د.  عبد الرحيم الرحموني

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>