بارقة – “ألـقِ التحية”


قبل بضع سنوات قام أحد السياسيين البارزين في هولندا بإقامة لوحة كبيرة في أحد شوارع روتر دام كتب عليها : “ألقِ التحية”

بغية إفشاء روح الألفة والمودة بينهم..

ويقول إن عمله هذا بدأ يؤتي ثماره، وإنه يعتزم نقل هذه الفكرة إلى تسعة شوارع أخرى بعد النجاح الذي صادفته.. وقد صُدِم عندما انتقل إلى هذه المدينة الكبيرة حيث لا يتبادل الناس التحية كما تعود ذلك في قريته الصغيرة. بل إن إلقاءك التحية على أحد في هذا البلد الكبير يثير الشكوك حولك فربما تكون مجرما أو معتوها فيأخذ مخاطَبُك الحذرَ منك حتى تتوارى عن نظره.

وهذا الهولندي لم يلاحظ في بلده أن المسلمين هنالك ما يزالون يحتفظون بهذه السنة، فيتبادلون السلام فيما بينهم كما يفعل المسلمون في أوربا كلها ولم يحظ أيضا بالاطلاع على الإسلام الذي يحث أتباعه على أن يفشوا السلام بينهم، هذا السلام الذي هو مفتاح المحبة، والمحبة أساس الإيمان، والمسلم مأمور أن يسلم على من عرف وعلى من لا يعرف، كما أنه مأمور أن يرد السلام ولو على غير المسلم، وتحية الملائكة لأصحاب الجنة عند الدخول إليها : {سلام عليكم طبتم فادخلوها آمنين} وديننا هو دين “الإسلام” والجنة دار السلام وخروج المسلم المصلي من صلاته : ((السلام عليكم)) إيذانا بأن نهاية العبادة فريضة ونافلة إفشاء السلام ونشر السلام والحياة بسلام لأن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر..

لقد شرع هذا الهولاندي في تشجيع الناس على هذه الفضيلة الإسلامية العريقة التي عرفها المسلمون منذ مبعث رسول الله  صلى الله عليه وسلم بعد أن رأى قومه في المدن الكبيرة لا يتسالمون ولا يتبادلون التحايا بينهم بل ينظرون إلى المحيِّي بريبة وحذر وخوف، لكن الذي يحز في النفس أن مدننا الكبيرة بدأت تفقد هذه السنة، فيمر بك الرجل دون أن يسلم كما تعودنا قبل الاستقلال ولاسيما في الشوارع “الراقية”، بل إننا أصبحنا أمام ظاهرة أخطر من ذلك وهي عدم تعارف الجيران فيما بينهم في العمارات الكثيرة الدور أو الشقق، وكذلك في الدارات الواسعة والفيلات المستقلة، بل يموت بعضهم في العمارة فلا يعلم جاره بذلك وربما يعلم فلا يمشي في جنازته وقد لا يُعزِّي..

إننا في عصر الاتصال  قد دخلنا في حياة الانفصال، والسبب في ذلك أساسا سوء التربية داخل الأسرة المسلمة التي بدأت تنشئ أبناءها على سوء الظن بالآخرين وعلى عدم التدخل فيما لا يعنيهم، وفي ذلك إعانة الناس ومواساتهم ونصرة المظلوم وإغاثة الملهوف وتوقير الكبير والعطف على الصغير، وكذلك سوء التربية والتوجيه في المدرسة، أما الجامعة فلم تعد تُعنى بالأخلاق والسلوك، أما إعلامنا الرسمي والحزبي والتجاري فحصة الأخلاق لم تعد من اهتمامه، بل إن بعض وسائل الإعلام تبدو كأنها مصممة على تخريب الأخلاق لاحتفالها فقط بالجنس وأخباره وقصصه وأفلامه الداعرة والمدمرة وصوره المغرية، ومن وسائل الإعلام ما يتعلق تعلقا يوميا بالجريمة والجنس وصور العاهرات والفنانات الأجنبيات ا لمثيرات للشهوات، ولذلك لا نعجب أن نرى الشارع يعكس الغياب التام أو شبه التام للتربية الإسلامية في البيت والمدرسة والإعلام والمجتمع..

إن المغرب المسلم بدأ يفقد كثيراً من سلوكه الحضاري، ومن أهم ذلك السلام والأمن والأمانة، ولا ينفع لعلاج ذلك هراوة الشرطة ولا سجون وزارة القوانين أو العدل، ويبدو أننا مقبلون على مجتمعات متدابرة يلعن بعضها بعضاً بعد أن كا نت متحابة يسلم بعضها على بعض.

أ.د.  عبد السلام الهراس

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>