استعمالات اللغة العربية الجديدة إلى أين؟14-الاستعمالات الخاطئة تفقد اللغة قيمتها التعبيرية


إشكال جهل كثير من المثقفين العرب لغتهم

الأخطاء اللغوية بين سقطات العلماء وتقصير المثقفين

 

كان الدافع الذي حملنا على استهلال هذه المقالة بهذا العنوان، هو ما لا حظناه -مما لم نطمئن إلى سلامة صحة استعماله- من الكلمات والعبارات في الفصل الثاني من كتاب اللغة العربية الصحيحة الذي عنوانه “اللغة الموضوع واللغة الأداة” ص 27. ومن هذا الفصل أخذنا مادة المقالات  الأربع الأخيرة(65-66-67-369 من المحجة). وقد لا حظنا أن مادة المقالتين الثانية(366) والثالثة( 367) تتضمن كلمات وعبارات يمكن إدراجها ضمن مادة الموضوع المعالج : (إشكال جهل كثير من المثقفين العرب لغتهم). وقد ناقشنا استعمال كلمتين مما لا حظنا أن استعماله في ذلك السياق الذي استعمله المؤلف فيه غير صحيح وهما كلمتا “خلق” و”الصنائع”.

ونورد في هذه المقالة نماذج مما بقي من الأخطاء المفردة والمركبة دون تعليق حتى نفسح المجال لما نلتمس به عذرا للمؤلف  كما يشير إلى ذلك الشطر الأول من عنوان هذه المقالة “سقطات العلماء” وفي حال عدم ثبوت هذا الوصف للمؤلف وفق ما سنعرضه في هذا السياق، فإن دلالة الشطر الثاني من العنوان تنطبق عليه وعلى أمثاله. ومن هذه الأخطاء ما يلي :

1- الكلمات المفردة، ومنها (اسم)(اتاح)، (مشكلات)

2- التراكيب وننتقي منها ما يلي لأجل التمثيل فقط

- قال : “ولذا نجد كثيرا من جهابدة النحاة والمهرة في صناعة العربية… إذا سئل (فى) كتابة سطرين إلى  أخيه…”ص 28 س 19.

- قال : “وأوصى بضرورة إجادة اللغة العربية كتابة وقراءة وتحدثا(في) كل من يقوم بالتدريس أيا كانت المادة” ص 30 س 12 يلاحظ بخصوص هذه الأمثلة التي جردناها من كتاب اللغة العربية الصحيحة مما وضعنا أغلبه بين قوسين في مقالتي العددين 366-367. أنها تنقسم إلى قسمين كلمات مفردة وتراكيب. لكن الواضح بالنسبة للكلمات أنها ليست محرفة في حد ذاتها. وإنما الخطأ واقع في استعمالها في سياق معين لا يليق بدلالتها في ذلك السياق. وقد ناقشنا بهذا الخصوص  كلمتي (خَلَق)…

بهذا الخصوص كلمتي(خلق) في العدد 366. و”الصنائع” في عدد 367 ولأجل متابعة مناقشة ما وضعناه بين قوسين في المقالتين المشار إليهما في العددين المذكورين، سنستخرج كل ما وجدناه من الأمثلة الخاطئة المفردة والمركبة بصفة إجمالية لنناقش كل مثال منها بما يبدو لنا أنه الصواب في مقالات لاحقة إن شاء الله.

لكن قبل أن نبدي رأينا فيما نراه صوابا بخصوص هذه الأمثلة، ارتأينا أن نلتمس العذر للمؤلف لعل الأمر بخصوص بعض هذه الأمثلة يتعلق بسهو أو سقطة عالم، ولذا قدمنا لهذه المقالة بالعنوان الذي يتضمن جانبا من هذا العذر: “سقطات العلماء”. وبالخصوص إذا كانت الأخطاء المرتكبة من صلب مادة التصريف. الذي سماه ابن عصفور “ميزان العربية” الممتنع14/27. وفي هذا السياق نورد نصا لابن عصفور يوضح فيه صعوبة هذه المادة وما يعتري العلماء من ضعف فيها، وفي هذا يقول : “والذي يدل على غموضه (والضمير يعود على التصريف الذي استهل به مقدمة كتابه الممتنع حيث قال : التصريف أشرف شطري العربية، وأغمضها) كثرة ما يوجد من السقطات فيه. لِجِلَّةِ العلماء، ألا ترى أن ما يحكى عن أبي عبيد من أنه قال في “مَنْدُوحة” من قولك “مالي عنه مندوحة” أي متسع : إنها مشتقة من “انْداح”. وذلك فاسد لأن “انْداح” : “انْفعل” ونونه زائدة. و”مندوحة” : “مفْعُولة”، ونونه أصلية، إذ لو كانت زائدة لكانت “مَنفُعْلَة” وهو بناء لم يثبت في كلامهم. فهو على هذا مشتق من”النَّدْحِ” وهو جانب الجبل وطرفه، وهو إلى السَّعة.

ونحو من ذلك ما يحكى عن أبي العباس ثعلب، من أنه جعل “أُسْكُفَّة الباب(هي خشبته التي يوطأ عليها، وقيل هي العتبة) من “استكف” أي : اجتمع، وذلك فاسد، لأن “استكف” : “استفْعَلَ”، وسينه زائدة، و”أُسْكُفَّة” : “أُفْعُلة” وسينه أصلية، إذ لو كانت زائدة لكان وزنه “أُسْفُعْلة” وذلك بناء غير موجود في أبنية كلامهم.

وكذلك أيضا حكي عنه أنه قال في “تَنُّور” إن وزنه “تَفْعُول” من النار. وذلك باطل، إذ لو كان كذلك لكان تَنْوُورا، والصواب أنه “فَعُّول” من تركيب تاء ونون وراء، نحو تَنَرَ، وإن لم ينطق به.

وقد حكي عن غيرهما، من رؤساء النحويين واللغويين، من السَّقطات نحو مما ذكرنا، إلا أنني قصدت إلى الاختصار، وفي هذا القدر الذي أوردناه كفاية. (الممتنع في التصريف 1/29-30)

تلك نماذج من سقطات العلماء اللغوية، وذلك هو المستوى الذي وقعت فيه من مستويات الدرس اللغوي العربي، وهو علم التصريف الذي وصفه المازني بأنه أغمض شطري العربية، ويتجلى هذا الغموض في عدم تمكن بعض الدارسين من التمييز بين الأصول والفروع أثناء الزيادة، وعدم التمييز بين الحروف الأصول والزائدة في الفروع، وما يترتب عن ذلك من خطأ في صياغة الوزن غير المناسب للفرع المزيد. وكل هذا يتطلب معرفة أصول الكلمات وأوزانها، وفروعها المشتقة منها، ومعرفة حروف الزيادة ومحل زيادة كل منها. وهذا معروف عند أهله. فبخصوص المثال الأول الوارد عندنا في النص الذي أوردناه لابن عصفور : “مندوحة” وما هو الأصل الذي يمكن أن يكون قد اشتق منه يقول سيبويه : “هذا باب ما تسكن أوائله من الأفعال”.

أما (النون) فتلحق أولا(ويعني مزيدة) ساكنة تلزمها ألف الوصل في الابتداء، ويكون الحرف(ويقصد بالحرف هنا : الكلمة) على انْفعل.. إلى أن يقول : ولا تلحق النون أولا إلا في انفعل” ك4/282. وهذا النص يشهد لقول ابن عصفور “لأن “انداح” “انفعل” ونونه زائدة”. وحروف الزيادة معروفة عند العلماء إلى درجة التفكك بالتراكيب التي تتضمنها. فقد “قيل : إن المبرد سأل المازني عنها، فأنشد المازني :

هَوِيتُ السِّمَانَ فَشَيَّبْنَنـِي

وقَدْ كُنْتُ قِدْمًا هَوِيتُ السِّمَانَا

فقال: (أي المبرد) أنا أسألك عن حروف الزيادة، وأنت تنشدني الشعر، فقال : (أي المازني) قد أجبتك مرتين(ويعني بذلك الجملة المكررة في البيت : (هويت السمان)، فكل الحروف المذكورة فيها تزاد في الكلمات الفروع بما في ذلك حرف النون الذي نحن بصدد الحديث عنه في كلمة “مندوحة”). وقد جمع ابن خروف منها نيفا وعشرين تركيبا محكيا وغير محكى، قال: وأحسنها لطفا ومعنى قوله :

سألت الحروف الزائدات عن اسمها

فقالت ولم تبخل : أمان وتسهيل

وقيل : هم يتساءلون. وما سألتَ يهون، والتمسن هواي. وسألتم هواني. وغير ذلك (شرح الشافية 2/331)

رغم كل هذا التبسيط لتوضيح أحرف الزيادة، وما يماثله أو بقرب منه بالنسبة لجوانب هذه المسألة يخطئ البعض في أمثلة هذه المادة، فهل الأمر يتعلق بصعوبتها فعلا، أو غموضها أم يتعلق بتقصير البعض فيما ينبغي أن يقوم به من مراجعة وبحث وتنقيب في قواعد لغته حتى يسلم لسانه من الوقوع في مثل هذه الأخطاء. لهذا كان عنوان هذه المقالة مؤلفا من شطرين : أولهما زلات العلماء، وثانيهما تقصير المثقفين.

وبعد : فهل الأخطاء المثبتة في صدر هذه المقالة بنوعيها 1-2 من هذا النوع الذي نسميه على كل حال سقطات العلماء أم هي أقل من ذلك؟. وهذا ما سنحاول الإجابة عنه في الحلقة المقبلة إن شاء الله. ونحن نناقش الأمثلة التي لنا فيها وجهة نظر مما جردناه من كتاب : (اللغة العربية الصحيحة)

د. الـحـسـيـن گـنـوان

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>