نافذة على التراث


إن هـذا القرآن يهدي للتي هي أقوم

{إن هـذا القرآن يهدي للتي هي أقوم، ويبشر المؤمنين الذين يعملون الصالحات أن لهم أجراً كبيراً، وأن الذين لا يؤمنون بالآخرة أعتدنا لهم عذاباً أليماً}..

هكذا على وجه الإطلاق فيمن يهديهم وفيما يهديهم، فيشمل الهدى أقواماً وأجيالاً بلا حدود من زمان أو مكان؛ ويشمل ما يهديهم إليه كل منهج وكل طريق، وكل خير يهتدي إليه البشر في كل زمان ومكان.

يهدي للتي هي أقوم في عالم الضمير والشعور، بالعقيدة الواضحة البسيطة التي لا تعقيد فيها ولا غموض، والتي تطلق الروح من أثقال الوهم والخرافة، وتطلق الطاقات البشرية الصالحة للعمل والبناء، وتربط بين نواميس الكون الطبيعية ونواميس الفطرة البشرية في تناسق واتساق.

ويهدي للتي هي أقوم في التنسيق بين ظاهر الإنسان وباطنه، وبين مشاعره وسلوكه، وبين عقيدته وعمله، فإذا هي كلها مشدودة إلى العروة الوثقى التي لا تنفصم، متطلعة إلى أعلى وهي مستقرة على الأرض، وإذا العمل عبادة متى توجه الإنسان به إلى الله، ولو كان هذا العمل متاعا واستمتاعاً بالحياة.

ويهدي للتي هي أقوم في عالم العبادة بالموازنة بين التكاليف والطاقة، فلا تشق التكاليف على النفس حتى تمل وتيأس من الوفاء. ولا تسهل وتترخص حتى تشيع في النفس الرخاوة والاستهتار. ولا تتجاوز القصد والاعتدال وحدود الاحتمال.

ويهدي للتي هي أقوم في علاقات الناس بعضهم ببعض: أفراداً وأزواجاً، وحكومات وشعوباً، ودولاً وأجناساً، ويقيم هذه العلاقات على الأسس الوطيدة الثابتة التي لا تتأثر بالرأي والهوى؛ ولا تميل مع المودة والشنآن؛ ولا تصرفها المصالح والأغراض. الأسس التي أقامها العليم الخبير لخلقه، وهو أعلم بمن خلق، وأعرف بما يصلح لهم في كل أرض وفي كل جيل، فيهديهم للتي هي أقوم في نظام الحكم ونظام المال ونظام الاجتماع ونظام التعامل الدولي اللائق بعالم الإنسان.

> في ظلال القرآن لسيد قطب

من خصائص القرآن

أخرج الترمذي والدارمي وغيرهما من طريق الحارث الأعور عن علي ]: سمعت رسول الله  يقول ستكون فتن، قلت: فما المخرج منها يا رسول الله؟ قال: كتاب الله فيه نبأ ما قبلكم وخبر ما بعدكم وحكم ما بينكم، وهو الفصل ليس بالهزل، من تركه من جبار قصمه الله، ومن ابتغى الهدى في غيره أضله الله، وهو حبل الله المتين، وهو الذكر الحكيم، وهو الذي لا تزيغ به الأهواء، ولا تلتبس به الألسنة، ولا تشبع منه العلماء، ولا يخلق على كثرة الرد، ولا تنقضي عجائبه، من قال به صدق، ومن عمل به أجر، ومن حكم به عدل، ومن دعا إليه هدي إلى صراط مستقيم.

وأخرج الدارمي من حديث عبد الله بن عمرو مرفوعاً : “القرآن أحب إلى الله من السموات والأرض ومن فيهن”.

وأخرج أحمد والترمذي من حديث شداد بن أوس : “مامن مسلم يأخذ مضجعه فيقرأ سورة من كتاب الله تعالى إلا وكل الله به ملكاً يحفظه، فلا يقربه شيء يؤذيه حتى يهب متى هب”.

وأخرج البزار من حديث أنس : “أن البيت الذي يقرأ فيه القرآن يكثر خيره، والبيت الذي لا يقرأ فيه القرآن يقل خيره”.

وأخرج الطبراني من حديث ابن عمر : “ثلاثة لا يهولهم الفزع الأكبر ولا ينالهم الحساب، هم على كثيب من مسك حتى يفرغ من حساب الخلائق: رجل قرأ القرآن ابتغاء وجه الله، وأمَّ به قوماً وهو راضون الحديث. وأخرج أبو يعلى والطبراني من حديث أبي هريرة القرآن غنى لا فقر بعده، ولا غنى دونه.

> الإتقان في علوم القرآن  للسيوطي

في إعجاز القرآن

معنى الـمُعجِز : معنى قولنا إن القرآن معجز أنه لا يقدر العباد عليه، وقد ثبت أن المعجز الدال على صدق النبي  لا يصح دخوله تحت قدرة العباد، وإنما ينفرد الله تعالى بالقدرة عليه، ولا يجوز أن يعجز العباد عما تستحيل قدرتهم عليه. كما يستحيل عجزهم عن فعل الأجسام. فنحن لا نقدر على ذلك، وإن لم يصح وضعنا بأنا عاجزون عن ذلك حقيقة، وكذلك معجزات سائر الأنبياء على هذا. فلما لم يقدر عليه أحد، شبه بما يعجز عنه العاجز.

وإنما لا يقدر العباد على الإتيان بمثله، لأنه لو صحّ أن يقدروا عليه بطلت دلالة المعجز، وقد أجرى العادة أن يتعذر فعل ذلك منهم وأن لا يقدروا عليه، ولو كان غير خارج عن العادة لأتوا بمثله، وعرضوا عليه من كلام نصحائهم وبلغائهم ما يعارضه. فلما لم يشتغلوا بذلك، علم أنهم فطنوا لخروج ذلك عن أوزان كلامهم، وأساليب نظامهم، وزالت أطماعهم عنه.

عتبة بن ربيعة يسمع آية العذاب فيثب

وقد رُوي أن قوله عز وجل في أول “حم السجدة” إلى قوله: “فَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُم فَهُمْ لاَ يَسْمَعُونَ”، نزلت في شيبة وعتبة ابني ربيعة، وأبي سفيان بن حرب، وأبي جهل. وذكر أنهم بعثوا هم وغيرهم من وجوه قريش بعتبة بن ربيعة إلى النبي  ليكلمه، وكان حسن الحديث، عجيب الشأن، بليغ الكلام، وأرادوا أن يأتيهم بما عنده، فقرأ النبي  سورة حم السجدة من أولها، حتى انتهى إلى قوله: {فَإِنْ أَعْرَضُواْ فَقُلْ أَنْذَرْتُكُم صَاعِقةً مِثْلَ صَاعِقَةِ عَادٍ وَثَمُودَ}، فوثب مخافة العذاب. فاستحكوه (أي طلبوا منه أن يحكي) ما سمع، فذكر أنه لم يسمع مثله كلمة واحدة، ولا اهتدى لجوابه. ولو كان ذلك من جنس كلامهم لم يخْفَ عليه (أي على عتبة) وجه الاحتجاج والرد. فقال له عثمان بن مظعون: لتعلموا أنه من عند الله، إذ لم يهتد (عتبة) لجوابه.

تفسير القرآن أشرف صناعة

قال الأصبهاني: أشرف صناعة يتعاطاها الإنسان تفسير القرآن. بيان ذلك أن شرف الصناعة: إما بشرف موضوعها مثل الصياغة فإنها أشرف من الدباغة، لأن موضوع الصياغة الذهب والفضة وهما اشرف من موضوع الدباغة الذي هو جلد الميتة. وإما بشرف غرضها مثل صناعة الطب، فإنها أشرف من صناعة الكناسة لأن غرض الطب إفادة الصحة وغرض الكناسة تنظيف المستراح. وإما بشدة الحاجة إليها كالفقه، فإن الحاجة إليه أشد من الحاجة إلى الطب، إذ ما من واقعة في الكون في أحد من الخلق إلا وهي مفتقرة إلى الفقه، لأن به انتظام صلاح أحوال الدنيا والدين، بخلاف الطب فإنه يحتاج إليه بعض الناس في بعض الأوقات. وإذ عرف ذلك فصناعة التفسير قد حازت الشرف من الجهات الثلاث. أما من جهة الموضوع؛ فلأن موضوعه كلام الله تعالى الذي هو ينبوع كل حكمة ومعدن كل فضيلة، فيه نبأ ما قبلكم وخبر ما بعدكم وحكم ما بينكم، لا يخلق على كثرة الرد ولا تنقضي عجائبه. وأما من جهة الغرض؛ فلأن الغرض منه هو الاعتصام بالعروة الوثقى والوصول إلى السعادة الحقيقية التي لا تفنى. وأما من جهة شدة الحاجة؛ فلأن كل كمال ديني أو دنيوي عاجلي أو آجلي مفتقر إلى العلوم الشرعية والمعارف الدينية، وهي متوقفة على العلم بكتاب الله تعالى.

> الإتقان في علوم القرآن  للسيوطي

أسلموا لما سمعوا شيئا من القرآن

وما الذي يصنع في ذلك الغير وهو ما روي في الحديث أن جبير بن مطعم ورد على النبي  في معنى حليف له أراد أن يفاديه، فدخل والنبي  يقرأ سورة: {وَالطُّورِ وَكِتَابٍ مَّسْطُورٍ} في صلاة الفجر، قال: فلما انتهى إلى قوله: “إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ لَوَاقِعٌ، مَّا لَهُ مِنْ دَافِعٍ”، قال: خشيت أن يدركني العذاب. فأسلم. وفي حديث آخر: أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه سمع سورة طه فأسلم.

سماع القرآن حجة

وأبين من ذلك قول الله عز وجل: {وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكينَ استَجَارَكَ فَأَجِرْهُ، حَتَّى يَسْمَعَ كَلاَمَ اللّهِ، ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ}، فجعل سماعه حجة عليه بنفسه فدل على أن فيهم من يكون سماعه إياه حجة عليه.

من قلّت شكوكه وتأمل الحجة أسلم فكانت وجوه شكوكهم مختلفة، وطرق شبههم متباينة، فمنهم من قلّت شبهه، وتأمل الحجة حق تأملها، ولم يستكبر، فأسلم، ومنهم من كثرت شبهه، وأعرض عن تأمل الحجة حق تأملها، أو لم يكن في البلاغة على حدود النهاية، فتطاول عليه الزمان إلى أن نظر واستبصر، وراعى واعتبر، واحتاج إلى أن يتأمل عجز غيره عن الإتيان بمثله، فلذلك وقف أمره، ولو كانوا في الفصاحة على مرتبة واحدة، وكانت صوارفهم وأسبابهم متفقة، لتوافوا إلى القبول جملة واحدة.

> إعجاز القرآن للباقلاني

قول المشركين: {لا تسمعوا لهذا القرآن}

عن ابن اسحق قال: فلما جاءهم رسول الله  بما عرفوا من الحق وعرفوا صدقه فيما حدث وموقع نبوته فيما جاءهم به من علم الغيوب حين سألوه عما سألوه عنه، فحال الحسد منهم له بينهم وبين أتباعه وتصديقه، فعتوا على الله وتركوا أمره عياناً، ولجوا فيما هم عليه من الكفر، فقال قائلهم: “لا تسمعوا لهذا القرآن وألغوا فيه لعلكم تغلبون”، أي اجعلوه لعباً وباطلاً، واتخذوه هزواً، أي لعلكم تغلبون، تغلبوه بذلك، فإنكم إن وافقتموه وناصفتموه غلبكم. فلما قال ذلك بعضهم لبعض جعلوا إذا جهر رسول الله  بالقرآن وهو يصلي يتفرقون عنه ويأبون أن يسمعوا له. وكان الرجل منهم إذا أراد أن يسمع من رسول الله  بعض ما يتلو من القرآن وهو يصلي استتر واستمع دونهم، فرَقاً (أي خوفا) منهم، فإن رأى أنهم عرفوا أنه يستمع ذهب خشية أذاهم ولم يستمع. وإن خفض رسول الله  صوته فظن الذين يستمعون أنهم لم يسمعوا من قراءته شيئاً، وسمع هو دونهم، أشاح له ليستمع منه.

> سيرة ابن إسحاق

{وَجَاهِدْهُمْ بِهِ جِهَاداً كَبيراً}

{فَلاَ تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَجَاهِدْهُمْ بِهِ جِهَاداً كَبيراً}

{فَلاَ تُطِعِ الْكَـافِرِينَ} فيما يريدونك عليه وهو تهييج له  وللمؤمنين.

{وَجَـاهِدْهُمْ بِهِ}؛ أي بالقرآن، كما أخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما، وذلك بتلاوة ما فيه من البراهين والقوارع والزواجر والمواعظ وتذكير أحوال الأمم المكذبة. {جِهَاداً كَبيراً}؛ فإن دعوة كل العالمين على الوجه المذكور جهاد كبير لا يقادر قدره كماً وكيفاً.

> روح المعاني للألوسي

إعداد: الدكتور عبد الرحيم الرحموني

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>