بِنَبْضِ القلب – هل يصلح الشعر ما أفسدته السياسة؟!


يتساءل البعض ما جدوى الكتابة في زمن طغيان الحكم الشمولي، وما جدوى أن تكون شاعرا مرهفا في حضرة الاستبداد وتحكم “البلطجيين”. قد لا أكون حالما إذا قلت بأنني من المؤمنين بقدرة الثقافة على إصلاح أخطاء السياسة، وأنه بإمكان الشاعر أن يوقف أحيانا عنجهية الحاكم إن تجاوز حده… نتذكر من غير أن نطوف بالأسماء كيف استطاع شاعر الإسلام الكبير محمد إقبال تحدي ظلم الهندوس في حق مسلمي الهند، وكيف استطاع بحنكته الفكرية أن يؤسس دولة لمسلمي شبه القارة الهندية، حماية لهم من بطش المعتدين.. نتذكر أيضا الشاعر البرازيلي “كاسترو ألفيس” الذي استطاع بأشعاره الملتهبة إطلاق الشرارة الأولى لتحرير العبيد في أمريكا الجنوبية وذلك من خلال ديوانه “سفينة العبيد” وكان عمره لا يتجاوز الثلاثة والعشرين.. نتذكر الشاعر والمسرحي “فاكلاف هافل” الذي ناضل من أجل إخراج تشكوسلوفاكيا من معطف الاتحاد السوفياتي، وأصبح رئيسا لبلاده بعد انهيار النظام الشيوعي.. نتذكر عمر أبا ريشة وقصيدته “النكسة” نتذكر… ونتذكر…، فكلما ارتبط الإبداع بوجدان الأمة مع احتفاظه بطراوته الإبداعية ونكهته الجمالية، أي -بتعبير آخر- كلما حاول الجمع بين بلاغة الإمتاع وبلاغة الإقناع، كلما استطاع أن يحفر في وجدان المجتمع، وأن يرسم معالم المستقبل… لقد نسي الناس خطب الدكتاتوريين ولم يحتفظ التاريخ بجرمهم الأسود إلا ليلعنهم اللاعنون، بينما لازالت قصائد الشعراء الذين التحموا بصوت الجماهير ساعة الشدة تصدح عبر حناجر الشعوب التواقة إلى الحرية، وهكذا كلما رفع مستبد رشاشه في وجه مواطن أعزل، رفع الشعب في وجهه قصيدة إرادة الحياة لأبي القاسم الشابي… إنه الإبداع حين يذود عن حياض الأمة… وحين يمضي على خطى حسان بن ثابت ]… إنهزمن الشعراء، لا زمن الأجراء الذين اختاروا بلاط الحاكم بدل الالتصاق بهموم الناس.

ذ. أحمد الأشـهـب

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>