ألم قلم –  متى يصبح عدم التدخين عندنا مفخرة؟


منذ أيام عبرت زوجة الرئيس الأمريكي عن اعتزازها بزوجها لأنه أقلع عن التدخين منذ ما يزيد عن السنة، وأشارت إلى أن امتناعه عن التدخين جاء نتيجة طلب بنته منه ذلك.

حينما قرأت الخبر على بعض بوابات الشابكة، تذكرت بعض المشاهد السابقة التي احتفظت بها ذاكرتي خلال جولاتي الأوروبية السابقة، أتذكر أنني سمعت أكثر من أب وأم يفخرون بأولادهم الذين لا يدخنون، ولا يعاقرون الخمر، يذكرون ذلك ويؤكدونه باعتزاز.

ومن الأكيد أن افتخار هؤلاء بهذه “الشيم” يعود فيما يعود إليه، إلى إدراكهم أن هاتين الآفتين مضرتان بجسم من يتناولهما، وبالمجتمع الذي يعيش فيه هذا الشخص، فضلا عما يسببانه من إتلاف عام للكسب، ولعله لهذه الأسباب تم منع التدخين في المحلات العامة في العديد من الدول الأوروبية، بما في ذلك المقاهي، نظرا لما لعملية التدخين من تأثير سلبي حتى على غير المدخن ذاته، بل إن ما يجنيه غير المدخن  من أضرار نتيجة مجالسته للمدخن أكثر مما يصاب به المدخن.

ومن الأكيد أننا في مجتمعنا، جلنا وربما كلنا ندرك إدراكا كاملا مضار التدخين ونعي خطورته أكثر من الأوروبيين دون شك لعوامل عديدة منها : الحرج الديني، ومنها الحرج الاجتماعي، ذلك أن العديد من المدخنين يعلمون فتاوى العلماء القاضية بتحريم التدخين، كما أن العديد منهم يجد حرجا كبيرا في التدخين أمام بعض أقاربه،  خاصة الأبوين والأبناء، وهذا ما لا يوجد عند الأوروبيين، لكن هذا الإحساس بالذنب الناتج عن الحرج الديني أو الاجتماعي، أو هذا الوعي بمضار التدخين لا يرقى إلى درجة أن يكون رادعا عن الاقتراب من هذه المادة السامة. فمقاهينا وإداراتنا ومحلاتنا العامة، ومتاجرنا ومستشفياتنا لا رقيب فيها ولا حسيب عن مزاولة التدخين.

كم يكون المنظر بشعا والإحساس مقرفا حينما تدخل مصلحة في المستشفى، وتجد الطبيب أو الممرض يحمل سيجارة.

كم يكون المشهد منفرا حينما نشاهد جزارا أو لبانا أو حواتا  وهم يدخنون، وبين أيديهم شرائح اللحم أو السمك أو أواني اللبن والحليب..!!

كم يكون المقام عصيبا حينما تجلس في حافلة للنقل أو حديقة عمومية فيأتي مدخن من حولك ليفسد عليك بسيجارته الدنيا وما فيها!!

ناهيك عن المنظر المقزز للمدرس ورجل التربية والتعليم وهو يلقي دروسه ومواعظه على أبنائه وتلامذته ممسكا بيده سيجارة وينفث في وجوههم أدخنتها المسمومة!!

يبدو أن كل هؤلاء ومن ماثلهم يجدون في التدخين ذاته مفخرة وليس العكس، وهذه هي الكارثة.

فمتى يصبح عدم التدخين عندنا مفخرة، وليس العكس؟؟!

د. عبد الرحيم بلحاج

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>