استعمالات اللغة العربية الجديدة إلى أين؟ 12-  الاستعمالات الخاطئة تفقد اللغة قيمتها التعبيرية: الأخطاء اللغوية – نماذج وتوجيهات


يبدو أن ما قدمناه من ملاحظات وتوجيهات متواضعة بخصوص بعض الأخطاء الشائعة، العامة أو الخاصة، لا يغير من الواقع شيئا، ذلك أن الأمر قديم جديد بالنّسبة لورود  بعض الأخطاء على لسان المتكلم باللغة العربية، فثمة نوع من الأخطاء التي تتعلق بالخواص، مما يسمى لحن العلماء، وأسباب هذا النوع من الأخطاء ترجع إلى تشعّب بعض قواعد اللغة العربية وصعوبة الإحاطة بها بسهولة، ويتعلق الأمر بهذا الخصوص بعلم التصريف، وفيه يقول صاحب المُنْصِف تحت عنوان “تخليط أهل اللغة فيما سبيله القياس” : “ولهذا ما لا تَكاد تجد لكثير من مُصنِّفي اللغة كتاباً إلا وفيه سهْو وخلل في التصريف، وترى كتابه أسدّ شيء فيما يَحْكِيه، فإذا رجع إلى القياس وأخَذَ يُصَرِّفُ، ويشتق اضطرب كلامه وخلّط، وإذا تأمّلت ذلك في كتبهم لم يكدْ يخلو منه كتاب إلا الفرد، ويتكرّر هذا التخليط على حَسب طول الكتاب وقصره، وليس هذا غَضّاً من أسلافنا، ولا تهوينا لعلمائنا، كيف وبعلومهم نَقْتدي وعلى أمْثِلَتِهم نَحتذي، وإنما أردت بذلك التنبيه على فضل هذا القبيل من علم العربية، وأنه من أشرفه وأنفسه، حتى إنّ أهله المُشْبِلين عليه (الصابرين عليه، يقال أشبلت المرأة على ولدها فهي مُشْبِلٌ : أقامت بعد زوْجها وصبرت على أولادها فلم تتزوج) والمنْصرفين إليه، كثيراً ما يخطئون فيه، ويخلّطون. فكيف بمن هو عنه بمعزل، وبعلم سواه متشاغل)) المنصف 3/1.

فالأخطاء من هذا النوع تتعلق بعجز الإنسان من أن يبلغ درجة الكمال في هذا المجال، وليس هذا ما نحاول أن نعالجه فيما نقدم من ملاحظات وتصويبات. وإنّما الذي نهدف إليه هو إيقاظ حس المواطن ليشعر بمسؤوليته إزاء لغته حتى يتعلم الحد الأدنى منها الذي يضمن له التحدث بها بشكل سليم ويضْمَنُ له التواصل المطلوب، دون تحريف لأبسط القواعد، وبالخصوص إذا كان هذا المتحدث ذو حظوة اجتماعية تجعله يتقلد نصيباً مّا في مجتمعه. إنّ ما يرد على ألسنة كثير من المتحدثين باللغة العربية من تحريفات وتجاوزات، يدل على مدى ما وصل إليه الإنسان العربي من الاستهانة بمقوماته القومية و الحضارية. ذلك أنه لم يعد ثمة أدنى شعور لاعتبار الحس اللغوي عند بعض أبناء الأمة العربية، حيث يخلطون بين العربية وغيرها من اللغات الأجنبية التي قد يحسنونها أو لا يحسنونها، ويستعملون الكلمات العربية في غير محلها من مثل “ركلة جزاء” في مجال كرة القدم، بدل ضربة جزاء. ذلك أن استعمال  الركلة هنا استعمال قدْحِي لا داعي له، لأنّ معنى الركل هو الرفس بالرجل، يقال : ((ركله برجله : رَفَسَهُ، وفلان نكّال ركّال، وتقول : لأزكُلَنّك ركْلة لا تأكل بعدها أكلة…)) أساس البلاغة مادة ركل.

ومما تستعمله بعض منابر الإعلام من هذا النوع من الأخطاء “الحُزمة” بضم الحاء حيث يقولون : “حُزْمة من القرارات”، وهو استعمال غير سليم، لأن كلمة، الحُزْمة تُسْتَعْمل فيما هو حسّى مشاهد بالعين، يقال : ((حزم الدابة بالحزام، وفرس غليظ المحزم… وحزم المتاع، وحزم الحطب شدّه حُزَماً…)) أساس البلاغة مادة حزم، ويقول الرازي : ((والحزمة من الحطب وغيره…)) مختار الصحاح مادة حزم.

ومما يستعمل بكثرة من الأخطاء في هذا السياق : هو((التواجد، بدل الوجود، وهذا الاستعمال شائع عند العامة والخاصة، يقال : ((تواجد فلان أرى من نفسه الوَجْد)) أساس البلاغة مادة وجد، ويقول الكفوي ((الوَجد : الحب الذي يتبعه الحزن، وأكثر ما يستعمل في الحزن)) الكليات 398.

والأسئلة الواردة بخصوص هذه الاستعمالات الواردة في غير محلها هي : هل أصبح لاعب كرة القدم حيواناً يرفس، لأن الرفس ينسب للحيوان كثيراً. إذ يقال ((فرس نهد المراكل، أي طويل المراكل قوي الضربات. فإن لم يكن كذلك فمعْناه أنه بينه وبين الكرة خصام ولذا يركلها، لأن الركل معناه هو الرفس. أمّا بخصوص المعنى الملحق بالحزمة والتواجد باختصار، فهو أن الآراء المصوغة في القرارات التي قيل عنها : إنها حزمة من القرارات موسومة بالجفاف والقساوة مثل الأشياء الحسية التي تحزم. وأن الإنسان الذي استعمل في حقه ((التواجد)) بدل الوجود، موسوم بهذه السمة التي هي الحزن باستمرار. وفي هذا السياق نعرض فقرة من كتاب العربية الصحيحة لمؤلفه الدكتور أحمد مختار عمر يقول فيها  : ((… فزعيم كبير يقف في الأمم المتحدة يتحدث عن مدينة القدس (قبلة) الاسلام والمسلمين فيضمّ القاف من “قبلة”، ويتحدث عن سماحة الإسلام الذي لا يميز بين عرق أو لون فينطق كلمة “عرق” فتح العين والراء. ومثقف كبير يرأس قسم اللغة العربية في إحدى الجامعات العربية يقف خطيبا في ندوة عامة ويقول : ليس ثمة شك في كذا… فيضم الثاء من “ثمة”. وزميل كريم في قسم اللغة العربية بجامعة الكويت لا ينطق كلمة “يتم” إلاّ بضم التاء… وأمثلة أخرى لا حصر لها تُصادفنا كل يوم فتؤذي أسماعنا، وتحرج مشاعرنا…))العربية الصحيحة ص 87.

لهذا قلنا في بداية هذا العرض إن أثر مثل هذه الملاحطات محدود لا يغير اتجاه هذه المسيرة المنحرفة منذ زمان، ما لم تعقد الأمة العزم على معالجة مكوناتها الذاتية التي أصيبت بمرض منذ زمان أيضا، فبخصوص الأخطاء الواردة في النص أعلاه يمكن أن نضع الأسئلة التالية :

1- ماحظ هؤلاء المتحدث عنهم من اللغة العربية عندما كانوا أطفالا؟

2- هل الحد الأدنى من لغتهم القومية شرط أساس لتولي مثل هذه المناصب.

3- هل تولي المناصب في البلدان العربية التي ينتمي إليها المتحدث عنهم وما يشبههم، بالكفاءات أو بالعلاقات؟ هل وهل…؟!

د. الـحـسـيـن گـنـوان

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>