مجرد رأي – منظومتنا التربوية إلى أين…؟!


منظومتنا التربوية والتعليمية منظومة ما زالت تعاني من العديد من المشاكل والمعوقات ولاتزال تستعصي على العلاج وما زالت تراوح سريرها فى غرفة العناية المركزة بالرغم من كل الجهود التي بذلت ولا تزال تبذل من أجل إصلاحها وتقويم اعوجاجها بدءا من مناظرة إفران في أواخر ثمانينات القرن الماضي وانتهاءا بالبرنامج الاستعجالي الذي رصدت له أموال طائلة ومجهودات مضنية من أجل إصلاح ما يمكن إصلاحه بعدما تبين للمسؤولين بالدلائل والدراسات فشل كل ما سبقها من وصفات وحلول. وقامت الوزارة صادقة بدراسة نتائج خمس سنوات من مشروع ميثاق التربية والتعليم فكانت النتائج كارثية ومخيبة للآمال (أكثر من نصف تلاميذ الابتدائي لا يجيدون العمليات الحسابية الأربعة، ضعف مخجل في تعلم اللغة الفرنسية، تدنٍّ كارثي في مستوى استعمال اللغةالعربية لدى التلاميذ في جميع المستويات الدراسية، وهلم ضعفا وضحالة).

فلا غرابة إذا والحالة كما ترى، أن تحوز مدارسنا ومعاهدنا وجامعاتنا، والحمد لله الذي لا يحمد على مكروه سواه، على المراتب الأخيرة إقليميا وعالميا حتى صرنا نقف إلى جانب دول ضعيفة جدا وبعضها لا نعرف حتى مواقعها على خريطة العالم. فمرتبتنا عربيا تأتي بعيدة بكثير عن مرتبة غزة وهي تحت الحصار والتجويع؟؟؟ وبالمناسبة ،  فالجامعة الإسلامية بغزة جاءت الرابعة عربيا، والدراسة هذه قامت بها مؤسسة مختصة أوروبية.

إن المرء ليشعر حقيقة بالغبن وغير قليل من الحسرة والانكسار وهو يرى حالة التردي والسقوط التي وصلت إليها منظومة التربية والتعليم في بلادنا خاصة وفي البلاد العربية والإسلامية عامة. وأسباب ذالك في تقديري يمكن حصرها في أربعة أمور لا أقل ولا أكثر حتى لا تزداد الرقعة على الراقع أكثر مما هي عليه.

أولا: غياب العنصر البشرى  “القوي الأمين” بالتعبير القرآني والذي تُوكَل إليه مهمة الإصلاح والمتابعة الأمينة والجادة والقوية  لهذا الورش المهم والحيوي باعتباره مصنعا حقيقيا لتكوين الأجيال القادمة حتى تكون قادرة على مواجهة التحديات وتخطي العراقيل والصعوبات للوصول بهذا البلد الحبيب إلى بر الأمان بعد أن تعيد له مجده وكرامته وعزه عبر تاريخه الطويل والمفعم بالأمجاد والبطولات. فلا يمكن في أي حال من الأحوال إنجاح أي مشروع مهما اجتهد فيه واضعوه ورصدت له جميع الإمكانات المادية والمعنوية إذا لم  تتوفر له العناصر البشرية الصادقة مع ربها والمخلصة لوطنها والغيورة على هويتها وأصالتها.

ثانيا : الانبهار الشديد وغير المبرر والمبالغ فيه بكل ما لدى الغرب  دون تمحيص ولا تدقيق. فقد أصبحنا من فرط ضعفنا واستكانتنا وهواننا على الناس نستورد كل شيء  تقريبا بدءا من موسى الحلاقة إلى المنظومة التربويةمرورا بمدونة الأسرة والسير.  نعيش عالة على الآخر وكأننا أمة لا أصل لها ولا فصل اجتثت من فوق الأرض ما لها من قرار, مع أننا كنا إلى زمن قريب سادة العالم في العلم والمعرفة والفكر والإبداع  فقد كان أطفال الأندلس يجيدون القراءة والكتابة بينما أمراء وقساوسة أوروبا يتهجون الحروف والقليل منهم من كان يتقن القراءة والكتابة. وكان الأعيان والأمراء يرسلون أبناءهم ليتعلموا في جامعاتنا شتى أنواع العلوم كجامعة قرطبة وجامعة القرويين والزيتونة والأزهر الشريف وغيرها من الجامعات التي كانت بحق مراكز عالمية تشع نورا وعلما وفكرا على ربوع الأرض (انظر الرسالة التي بعث بها ملك بريطانيا جورج الثاني إلى أمير المسلمين في بلاد الأندلس هشام الثالث).

ثالثا : عزوف فئة من أبنائنا عن طلب العلم والانخراط بجد وتفانٍ في العملية التربوية والتعليمية وانغماسها بدل ذالك في التقليد الأعمى وغير المنضبط  لكل ما يأتي من الغرب بدءا من طريقة قص الشعر وتشكيله أو صبغه بمختلف الأصباغ  والأشكال، إلى طريقة اللباس مرورا بثقب الآذان والأنوف من أجل تزيينها بأقراط مختلفة الأشكال والأحجام. ينضاف إلى كل هذا المسخ، تعاطي المخدرات بأنواعها وكل ما يستتبع ذالك من انحراف وقلة أدب وعنف ضد المدرسين والمدرسات  واستهتار بكل ما تمثله المؤسسة التعليمية من انضباط واحترام وتقدير. لا شك أن المسؤولية عن هذا التردي  السلوكي والأخلاقي مشتركة بين جميع مكونات المجتمع من أسرة وشارع وإعلام ومدرسة ومجتمع مدني. وأنا أزعم  أن الذي يتولى كبر هذا الأمر بالدرجة الأولى هوالإعلام من خلال ما يبثه من برامج هابطة وأفلام وضيعة لا تزيد شبابنا إلا انحدارا وانحرافا وانبهارا بنمط عيش الشباب في بلاد الغرب  فيتأسون بهم سلوكا وتفكيرا ولباسا  وميوعة و… و… و…. حتى لا نقول أكثر. وإلا كيف نفسر عرض فيلم علىإحدى قنواتنا بطله مراهق منحرف  يحيل حياة أستاذته إلى جحيم يومي لأنها تجرأت وأخبرت والدته بانحرافه وعزوفه عن المدرسة؟! وفي الدخول المدرسي للسنة التالية أتحفتنا نفس القناة بفيلم أمريكي  أبطاله عصابة من التلاميذ المنحرفين  يحولون حياة أستاذهم إلى جهنم وبئس القرار لأنه أخبر بهم إدارة المؤسسة بعدما اكتشف صدفة أنهم يتاجرون في المخدرات داخل المؤسسة. فيحطمون سيارته ويغتصبون زوجته  بعد أن أشبعوه ضربا ورفسا بالأقدام… ترى ما هي الرسالة التربوية التي يراد تمريرها إلى أبنائنا من خلال هذه الأفلام وأمثالها؟؟؟

لا يفهم من هذا إلا معاكسة القيم والسير في خط معاكس لخط التربية والتعليم؟!!

>   ذ. عبد القادر لوكيلي

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>