متابعات ثقافية -الـمجلس العلمي لـمكناس في ذكـرى وفـاء لروح الدكتور فريد الأنصاري رحمه الله تعالى


في موضوع :مجالس القرآن : الفكرة والمنهاج عند فريد الأنصاري

عام ونيف مر على رحيل الأستاذ والعالم الرباني المرحوم فريد الأنصاري رحمه الله تعالى وكأنه لم يرحل عنا، لم يرحل لأن الألسنة لا تزال تلهج بذكره، لأن العيون لم يجف دمعها بعد، ولأن القلوب لا تزال حية تذكر مواعظه، ولأن كتبه وآثاره الصالحة لا تزال ناطقة باسمه شاهدة بخيره وصلاحه، ولأن مشاريعه في التربية والإصلاح لا تزال حية تنتظر من يقوم بها، ولأن كل جنبات المجلس العلمي بمكناس ومساجد هذه المدينة وأرجائها تكاد تنطق قائلة : ها هنا كان العالم القرآني، من ها هنا مر فريد عالم الأمة وناصحها الفريد، وها هو ميراثه القرآني، فأين المقبلون؟!!

وقد عرف الأستاذ فريد بتعدد مشاريعه بين ماهو علمي (اهتمامه بتدريس الأصول والمقاصد والدراسة المصطلحية في أبعادها العلمية والإصلاحية وفقه العمران القرآني، والإشراف على البحوث العلمية الجامعية العليا…)، وما هو دعوي وما هو تربوي إصلاحي وهذا الأخير تجسد عنده في ثلاثة جوانب متكاملة: مشروع الفطرية، ومشروع العالمية، ومشروع المجالس القرآنية بمنهج التدارس والتداول الاجتماعي (الجانب التطبيقي).

وتقديرا لهذه الجهود الكبيرة والثمينة لهذا العالم الرباني ولمشاريعه القرآنية، خاصة مشروعه في التداول الاجتماعي للقرآن الكريم ومجالس القرآن، ووفاء لذكراه بمناسبة مرور سنة على وفاته نظم المجلس العلمي المحلي لمدينة مكناس يومين دراسيين في موضوع: “مجالس القرآن: الفكرة والمنهاج عند فريد الأنصاري رحمه الله” وذلك يومي السبت والأحد 19 و20 محرم 1432هـ الموافق ل 25 و26 دجنبر 2010م بالمركب الثقافي لوزارة الأوقاف والشؤون الإسلاميةبمكناس.

وقد توزعت أعمال اليومين الدراسيين على الشكل التالي:

اليوم الأول: نشاط علمي نظري قدم من خلاله الأستاذ الدكتور زيد بوشعرا المندوب الجهوي للشؤون الإسلامية بالقنيطرة قراءة في مشروع فريد الأنصاري في التداول الاجتماعي من خلال مجالس التدارس للقرآن الكريم والتي ضمنها الأستاذ المرحوم في كتابه “مجالس القرآن: مدارسات في رسالات الهدى المنهاجي للقرآن الكريم : من التلقي إلى البلاغ” وقبل ذلك تفضل الأستاذ الدكتور محمد السيسي رئيس المجلس العلمي المحلي لمدينة مكناس بإلقاء كلمة تقديمية عرف فيها بقيمة اليومين الدراسيين وأهدافهما وأهمية إشاعة ثقافة القرآن الكريم وتداوله اجتماعيا عبر الحفظ والتلاوة والتدارس الجماعي لربط الأمة بالله عز وجل وبدينه والإسهام في التنمية المنشودة للبلاد، كما عرف فيها بجهود الأستاذ فريد الأنصاري رحمه الله تعالى في خدمة القرآن الكريم والتربية والتوجيه الاجتماعي انطلاقا من ثوابت الأمة ومن منهج الرسول الكريم في التربية والإصلاح.

وفي قراءته لمشروع مجالس القرآن الكريم قدم  الدكتور زيد بيانا لمفهوم المدارسة القرآنية وعلاقتها بالتفسير والتدبر ومشروعيتها ورسالتها في المجتمع وتجديد التدين والإصلاح، وصورها (فردية وجماعية، خاصة (مجلس الأسرة الأب مع أبنائه) وعامة في المساجد والمحاضرات…)، وقدم من جهة أخرى قراءة في خطواتها وضوابطها كما رسمها الأستاذ فريد، وبين آن مراحل وخطوات مجلس التدارس القرآني ثلاث هي :

الأولى: تلاوة القرآن بمنهج التلقي، فالقرآن لا ينبغي تلقيه كتلقي أي كتاب ولا قراءته كما يقرأ أي كتاب وإنما ينبغي تلاوته باعتباره كلام وخطاب رب العالمين الخالق الرازق وتلقيه باستشعار كل من القارئ له والمستمع  أنهما مخاطَبان به كما خوطب به رسول الله صلى الله عليه وسلم

، وأن لحظة تلاوة القرآن إنما هي لحظة التعرض لنفحات الرحمة المهداة للإنسان وعليه التشبع بها ونقلها لسائر عباد الله حتى يدخل الجميع في رحمة الله وينجو من عذابه.ولذلك يلزم الإعداد والاستعداد بكل ما يلزم للتأدب مع الله وكلامه جسدا وروحا، ظاهرا وباطنا.

الثانية: التعلم والتعليم بمنهج التدارس: ذلك أن أفراد مجلس التدارس بعد أن يتهيأوا للتلقي بالتلاوة ينتقلون إلى تدارس القرآن الكريم بمنهج التدارس بقصد استمطار هداياته وتعلم أسراره وفوائده واستنباط أحكامه وتوجيهاته، وتعليمها إلى الآخرين وتداولها والتشارك فيها لأن التدارس عبارة عن تفاعل وتلاقح وتعاون جماعي. وهنا انبرى الأستاذ المحاضر إلى سوق مجموعة من الأدلة من القرآن الكريم والسنة النبوية وسيرته صلى الله عليه وسلم

وعمل صحابته رضوان الله عليهم والأئمة والعلماء من بعدهم في مشروعية التدارس الجماعي للقرآن الكريم وفق ضوابط وشروط شرعية

الثالثة: تزكية الأنفس بمنهجالتدبر: وفي هذه الخطوة وقف الأستاذ المحاضر عند مصطلح التدبر ودلالاته وعلاقته بالتفسير والتدبير وشروطه وضوابطه وغاياته التي من جملتها الوصول إلى تجديد التدين وتدبير المسلم لحياته وفق ما تم التوصل إليه بالتدبر، وتزكية النفس وإصلاح أمراضها وأمراض المجتمع، لأن من المقاصد الكبرى لرسالة القرآن الكريم هوالوصول إلى تطهير الإنسان وترقيته في مدارج والصلاح والخيرية والقرب من الله ، ولأن تعلم القرآن الكريم واستنباط هداياته ليس مقصودا لذاته وإنما غايته إصلاح أمراض النفوس والمجتمعات وجلب الرحمة والمصلحة للناس.

اليوم الثاني وكان نشاطه عبارة عن ورشة عمل غايتها تدقيق النظر في برنامج المدارسة القرآنية والبحث في سبل تفعيلها من خلال تحديد مفهوم المدارسة القرآنية ومراحلها ومقاصدها وأهدافها وكيفية تنزيلها في الواقع تنزيلا يحقق تعميم الانتفاع بالقرآن الكريم.

وسعيا لتحقيق هذا الغرضتناولت أعمال الورشة المراحل والخطوات الثلاث التي يلزم التدرج في إنجازها داخل حصة المدارسة القرآنية وهي: مرحلة تلاوة القرآن الكريم بمنهج التلقي، و التعلم والتعليم بمنهج المدارسة، ومرحلة التزكية بمنهج التدبر وهي مراحل مستنبطة من قوله تعالى : {هو الذي بعث فيهم رسولا منهم يتلو عليهم آياته ويعلمهم الكتاب والحكمة ويزكيهم}.

> على مستوى تلاوة القرآن الكريم من خلال منهج التلقي: وفيه اشتغل المتدارسون باقتراح الخطوات والضوابط اللازمة للتلقي الصحيح ومنها:

- حسن اختيار زمن المدارسة ومكانها بما يوفر الهدوء ويحقق الطمأنينة والخشوع والتدبر النافع.

- ضرورة التهيؤ البدني والنفسي والإيماني والمعرفي قبل حصة المدارسة والاستعداد الروحي لتلقي كلام الله عز وجل وخطابه للعالمين.

-  ضرورة توفر شروط في القارئ للقرآن الكريم والمستمعين معا من طهارة و إخلاص وصدق وخشوع وتأدب واستعادة وحسناستماع وإنصات وتقدير للقرآن الكريم وتعظيم لمنزلِه الباري جل وعلا، وإتقان لقراءته وترتيله وفق قواعد الترتيل والتجويد القمينة بإيقاع التأثير في النفوس وإعدادها للتلقي والتنفيذ.

- ضرورة شيوع خلق المودة والرحمة والتعاون والتواضع والتقدير المتبادل بين المتدارسين، وخلق بذل النصيحة وقبول الانتصاح.

- على مستوى التعلم والتعليم بمنهج المدارسة: انتهى المتدارسون إلى جملة من الضوابط والإجراءات منها:

- أهمية الانطلاق من تفاسير العلماء السابقين والاهتداء بمنهجهم في استنباط الدلالات من خلال عرض يعد أحد الحاضرين ومن خلال إعداد الباقي.

- ضرورة التمكن من أدوات الفهم والاستنباط اللغوية والشرعية والعقلية والحرص على حضور مجلس المدارسة على أحسن صور الإعداد والاستعداد العلمي والمنهجي والأداتي.

- أهمية وجود مشرف على مجلس التدارس يمتلك أهلية علمية وخلقية وتربوية يقتدر من خلالها علىتوجيه مجلس التدارس نحو أهدافه المرسومة له

- التركيز في المدارسة على استنباط الهدى المنهاجي للقرآن الكريم واستنباط قواعد تساعد في إصلاح الأحوال وتزكية الأنفس، مع الحرص ما أمكن على تجنب الخلاف والمراء والجدال

-  ربط الاستنباطات بالواقع المعيش وبقضايا العصر وبحاجات المخاطبين والأمة والتركيز على ما ينهض الهمم ويبعث على التفاؤل والخير…

> على مستوى التزكية بمنهج التدبر:

- ضرورة الحرص على تحقيق القصد من المدارسة وهو التعلم بقصد العمل والعلم من أجل التطبيق، والتحقق بقصد التخلق وليس القصد من المدارسة التعلم والعلم فقط أو من أجل الترف العلمي ، إذ لا قيمة لعلم لا يصحبه عمل وتطبيق وتخلق.

- ضرورة الانتهاء إلى استخلاص فوائد عملية ولو قليلة ولكن تكون قابلة للتطبيق وصالحة في ترقية الأحوال الإيمانية للمتدارسين وإصلاح حالهم وتصحيح تصوراتهم تدريجيا في الله والرسالة والحياة والإنسان والمصير وتصحيح سلوكاتهم تجاه الله والنفس والأغيار

وهكذا اختتمت أشغال اليومين بقراءة التقرير والتعقيب النهائي والإجابة عن بعض الإشكالات والتساؤلات العالقة واستخلاص النتائج النهائية من اليومين الدراسيين والتي تجلت في أهمية نشر كتاب الله وتوسيع نشر تداوله في الأسر والمجتمع، كما بين السيد رئيس المجلس العلمي عزم المجلس في مواصلة أنشطته في التعريف بمشاريع الدكتور فريد في التربية والتوجيه والإصلاح خاصة مشروعه في الفطرية والعالمية.

> إعداد ومتابعة : الطيب الوزاني

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>