الـحـريـة


الحرية ذلك الطائر الجميل الذي يحلق في السماوات بتباه، تتعلق بمنظره عيون المحبين والعاشقين. ويأسف لفقده المأسورون المحرومون، ومن هؤلاء من يجاهدون لنيل الحرية فالحرية ليست منة ولا منحة ولكنها إنجاز وحق ينتزع كماهو الحال في فلسطين السليبة.

الحرية مسؤولية وممارسة أخلاقية تحترم الذات والآخرين معا، وليست فقط احتراما للآخرين كما هو في الفقه السياسي الغربي حيث يعتبرون الحرية عدم الإضرار بالغير، وإن أدى السلوك إلى الإضرار بالذات كالانتحار.

وفي المنطق “الإسرائيلي” إضرار بالغير وبالذات معا، ألا يضر اليهود الصهاينة بأنفسهم عندما يقتلون ويدمرون في فلسطين! وانظرإلى صنيعهم لقافلة الحرية التركية!

والحرية ليست مراعاة التراضي بين الطرفين فقط، بل لابد من رضا الشرع، فقد يتراضى الطرفان لفعل جريمة، ولتبادل الرشوة وهذا مالا يرضاه التشريع الإلهي.

إن الإنسان مخير في هذه الحياة بين حياة الحرية وحياة الاستعباد والاستعباد أنماط، والحرية فنون؛ ورب حال يجد فيها العبد الحرية يحسبها الآخرون قيوداً وعبودية، ورب حال يجد فيها العبد استعبادا وضيقا وقهرا يحسبها الناس رتبة علية ومزية؛ فمثال الأولى عبادة الله والالتزام بالدين وتعاليمه، ومثال الثانية المناصب والوظائف -المخالفة لرغبة واستعدادات الفرد- والأهواء. وامتلاك القوة والنفوذ لممارسة الظلم واقتراف المحرمات.

الحرية هي تحررك مما يضرك ولاينفعك في الدنيا والآخرة، هي التزام أخلاقي، وأداء قيمي تمليه الرسالة، ولكل رسالته في هذه الحياة فرسالة الفلسطيني مثلا تحرير أرضه من المحتل، ورسالة المعطل  السعي للحصول على عمل شريف ومحترم،ورسالة الراعي نشر العدل والقسط في المجتمع، ورسالة الرعية الطاعة في المعروف والسعي في خدمة البلاد بكل مشاريع التنمية التي تفتقر إليها البلاد الإسلامية.

قوة الحرية في كونها تعبير عن شجاعة صاحبها واحترامه لآدميته، فهو يسعى في هذه الحياة محددا لنفسه رسالة مطبوعة بشخصه ومهاراته ومواهبه، يختار ما يناسب مواهبه وخبراته متحديا البيئة وقيودها  وإلا مهاجرا في أرض الله الواسعة، وكم من بيئة جائرة ظالمة أقبرت أصحاب مواهب قابلة للنمو والإفادة منها بالخير.

الحرية أن تختار الإبحار إلى المستضعفين أمثال أبناء غزة المحاصرة.

الحرية أن تنزه نفسك عن الظلم وأنت في موقع القرار ولا تبتز المستضعفين بفرض مكوس الرشاوى عليهم لنيل هذا المنصب أو تلك التزكية.

إن من مشكلات الغرب اليوم ومن يسير في ركابه أنه يرى في الالتزام بوحي السماء قيداً وتخلفاً ورجوعاً إلى حال التخلف وعصور الظلام، ويرى في تحكيم العقل البشري بأهوائه وشهواته وانحرافاته وحكمته وجهله القبلة المفضلة لحضارة اليوم، وعصر الديمقراطية.

>  د. محمد الحفظاوي

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>