إشراقة – الزيادة والنقصان من كلام خير الأنام


أ- مذهب المجيزين

وهناك من رأى أن الزيادة والنقصان من كلام خير الأنام، لا تضر ما دامت لا تصرف المعنى، ولا تغير الحكم الشرعي، والناقل لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم

عالما بقواعد الإعراب، ومقاصد الخطاب.

قال الخطيب البغدادي : إن كان النقصان من الحديث لا يتغير به المعنى كحذف بعض الحروف والألفاظ، والراوي عالم واع محصل لما يغير المعنى وما لا يغيره من الزيادة والنقصان، فإن ذلك سائغ له على قول من أجاز الرواية على المعنى دون من لم يجز ذلك(1).

وقد جاء في الحديث ما يفيد إقرار ذلك، فعن ابن أكيمة الليثي، قال : قلت : يا رسول الله إني أسمع منك الحديث، ولا أستطيع أن أؤديه كما سمعت منك، بل يزيد حرفا، أو ينقص حرفا، فقال : إذا لم تحلوا حراما، أو تحرموا حلالا، وأصبتم المعنى فلا بأس”(2).

وأصحاب هذا المذهبلا يرون زيادة حرف أو نقصانه كذبا على رسول اللهصلى الله عليه وسلم

ما دام الأمر له وجه في اللغة والمعنى لم ينصرف عن قصده، قيل للحسن البصري يا أبا سعيد  الرجل يحدث بالحديث فلا يحدثه كما سمعه، يزيد فيه وينقص؟ فقال : إنما الكذب على من تعمده(3).

والنبيصلى الله عليه وسلم

يقول : “من كذب علي متعمدا، فليتبوأ مقعده من النار”4.

وقال إبراهيم النخعي : لا بأس أن تقدم في الحديث وتؤخر، إذا كان صلب الحديث قائما.

وقال حذيفة رضي الله عنه : إنا قوم عرب نردد الأحاديث فنقدم ونؤخر. وقال : الحسن بن أبي الحسين : لا بأس بالحديث أن يقدم أو يؤخر إذا أصيب المعنى واستدلوا لهذا المذهب بقول النبي صلى الله عليه وسلم

: “نضر الله من سمع مقالتي فلم يزد فيها”(5)، قال الخطيب : وهذا يدل على أن النقصان منها جائز، إذ لو كان لم يكن كذلك، لذكره كما ذكر الزيادة(6).

وعلى هذا يحمل كلام يحيى بن معين : إذا خفت أن تخطئ في الحديث، فانقص منه ولا تزد فيه.

وهو ما ذهب إليه مجاهد رضي الله عنه حيث قال : أنقص من الحديث ولا تزد فيه. وأصحاب هذا الرأي يرون أن الزيادة والنقصان، والتقديم والتأخير، ما دام لم يغير الحلال إلى حرام، والحرام إلى حلال فلا حرج في ذلك. قال عبد الله بن عبيد بن عمير : إذا لم تجعل الحرام حلالاً، والحلال حراما، فلا يضرك إذا قدمت شيئا أو أخرته، فهو واحد(7).

واستدلوا أيضا لمذهبهم هذا بقول النبيصلى الله عليه وسلم

“من تقول علي ما لم أقل فليتبوأ بين عيني جهنم مقعدا، قيل يا رسول الله : وهل من عينين؟… قال : “ألم تسمع إلى قول الله عز وجل : إذا رأتهم من مكان بعيد سمعوا لها  تغيظا وزفيرا(8).

فأمسك القوم أن يسألوه فأنكر ذلك من شأنهم، وقال : “مالكم لا تسألوني؟ قالوا : يا رسول الله : سمعناك تقول: من تقول علي ما لم أقل فليتبوأ بين عيني جهنم مقعدا، ونحن لا نحفظالحديث كما سمعناه، نقدم ونؤخر، ونزيد حرفا، وننقص حرفا، قال : “ليس ذلك أردت، وإنما قلت :”من تقول علي ما لم أقل، يريد عيبتي، وشين الإسلام(9).

وخلاصة القول وللجمع بين المذهبين، والمقاربة بين الرأيين، ينبغي للسادة الوعاظ أن يفقهوا لغة الحديث وما يؤثر عليها من زيادة ونقصان، أو تقديم أو تأخير، ويجتهدوا في معرفة الهدف الذي وضع له كلام إمام الدعوة صلوات الله وسلامه عليه، لتتكامل عندهم معرفة اللفظ، وفقه القصد، لأن الإخلال بأحد الأمرين يحدث ضررا بمقاصد البيان الدعوي والله ولي التوفيق والسداد.

>  ذ. عبد الحميد صدوق

———–

1-  الكفاية في علم الرواية ج 1ص 566.

2- رواه الترمذي وأبو داود وابن ماجة.

3- أخرجه ابن عدي في الكامل بإسناده صحيح.

4- متفق عيه

5-  والحديث فيه محمد بن أحمد بن محمد أبو بكر الجرجاني المعروف بالمفيد وهو ضعيف، انظر تاريخ بغداد.

6- فزيادة، “فلم يزد فيه” لا تصح، وبقية الحديث صحيح وهو عند الترمذي وابن ماجة وابن حبان وأحمد والبيهقي في الدلائل والشعب وغيرهم.

7- الكفاية في علم الرواية ج 1- ص :509

8- سورة الفرقان آية 12

9- الحديث في سنده أصبغ بن زيد الوراق عن خالد بن كثير عن خالد بن دريك عن رجل من أصحاب النبيصلى الله عليه وسلم

وأصبغ بن زيد الوراق هو ابن زيد ن علي الهجني الوراق أبو عبد الله الواسطي “صدوق يغرب” أفاده  ابن حجر، وخالد بن كثير الهمداني قال فيه أبو حاتم  شيخ يكتب حديثه، ووثقه ابن حبان، وقال فيه ابن حجر في التقريب : ليس به بأس. أنظر تهذيب التهذيب ج 3 ص 113. وخالد بن دريك ثقة لكنه مشهور بالإرسال.

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>