استعمالات اللغة العربية الجديدة إلى أين؟11- الاستعمالات الخاطئة تفقد اللغة قيمتها التعبيرية


قل… أو قل… واعرف معنى ما تقول

 

1- قل فرق بفتح الراء، أو فِرق بكسر

2- الفِرق بكسر الفاء، أو الفروق بضمها ممدودة

3- الفَرْق بفتح الفاء، أو الفِرق بكسرها

4- … الفِرقة بكسر الفاء أو الفُرقة بضمها..

تحت هذا العنوان ناقشنا في الحلقة الماضية (المحجة عدد 349) الاستعمال الخاطئ بين الفِرق بكسر الفاء، والفروق بضم الفاء والراء (الممدودة). وقبل الانتقال إلى مفهوم آخر الذي يخطئ فيه البعض، نوضح بإذن الله جوانب من هذا الموضوع. ذلك أن كلا من الفِرق والفروق ينتمي إلى أصل واحد هو (ف ر ق) وهذا الأصل عندما نضيف له الحركات للحصول على صيغة الفعل الثلاثي المجرد فإننا نحصل على صيغتين فَرَق بفتح الراء، وهذا هو أصل ما ناقشناه، وفِرق بكسر الراءوله مجال آخر بخصوص الدقة في التعبير عن المعاني في اللغة العربية، لمعرفة ما يترتب عن ذلك من أمور إيجابية إن احترمت القواعد، أو سلبية إن تم الترخص فيها هو ما يلي :

1- أن الحركة قيمة خلافية ونعني بهذا أن تغيير حركة وسط الكلمة أو غيرها يعطي للكلمة معنى آخر غير الذي فهم منها أولا، ومن ذلك، فَرَق بفتح الراء وفِرق بكسرها، في المعجم الوسيط.

أ- فَرَق بين الشيئين يفرُق فرْقاً، وفُرقاناً : فصل وميز أحدهما من الآخر، وفَرق بين الخصوم : حكَم وفصل…

ب- فَرِق يفْرَقُ  فَرَقاً : جزع واشتد خوفه وفي التنزيل العزيز {ولكنهم قوم يفْرَقون}.

ويقال : فَرِق منه يفْرَق (خاف) وفِرق عليه أشفق فهو فَرِقٌ<(المعجم الوسيط مادة فرق).

ومن هذا القبيل : الفَِرْق، بفتح الفاء وكسرها وسكون الراء فالفرق بين الأمرين : المميز أحدهما من الآخر. و الفِرْق بكسر الفاء : الفِلْقُ من الشيء إذا انفلق (أي انشقيقال فلق الشيءَ : شقه) في التنزيل العزيز : {أن اضرب بعصاك البحر فانفلق فكان كل فِرْق كالطود العظيم}.

وإذا ما وضعنا حركة مكان السكون في الكلمة نفسها (الفرق) يصير المعنى شيئا آخر. قال >والفَِرَق< بفتح الفاء وكسر الراء أو ضمها : من الرجال : الشديد الفزع جِبِلّة< بمعنى “أنه خواف بطبعه، والفِرقة بكسر الفاء : الطائفة من الناس، في حين أن الفرقة بضم الفاء : هي الافتراق. والفاصل بين المعنيين هو تغيير الحركة(انظر المعجم الوسيط و ل ع مادة فرق).

هكذا نلاحظ أن مادة كلمة واحدة أعطتنا ستة معان بتغيير الشكل فقط، أو تغيير الشكل وزيادة تاء الثأنيث في آخر الكلة كما هو الشأن بالنسبة (للفرقة)، وثمة أمثلة أخرى لا يتسع لها المقام، وهذا ما نعنيه بقولنا أن الحركة قيمة خلافية.

2- أن الكلمة الواحدة يمكن أن ترد في أكثر من سياق بمعان متنوعة، ونمثل لهذا بكلمة >فريق< التي من معانيها ما يلي :

أ- الفريق :  الطائفة من الناس (وهو) أكبر من الفرقة.

ب- والفريق : : المفارق (مثل فريق الخيل وهو) سابقها.

وفي هذا المعنى يقول الزمخشري >وهو أسرع من فريق الخيل، وهو سابقها، فعيل بمعنى مُفاعل، لأنه إذا سبقها فارقها<(أساس البلاغة مادة فرق).

حـ- والفريق : رتبة من رتب الجيش العليا (محدثة).

د- والفريق : من الطريق : الموضع الذي يتشعب منه طريق آخر.

ويبدو أن فريق يجمع على أفاريق. يقول ابن منظور : >وفي الحديث : أفاريق العرب، وهو جمع أفراق، وأفراق جمع فرقة..<(ل ع 10 مادة فرق).

وكل هذه الأسماء تمت بصلة ما إلى دلالة الأصل >ف ر ق<.

3- إن الكلمتين اللتين نحن بصدد مناقشة دلالتيهما (الفِرقة والفروق) تمثلان رقمين ضمن عدد من الكلمات الدالة على مسميات في شكل مجموعات ذات وظائف دلالية عددية أو اجتماعية متنوعة، ومن هذه الكلمات ما ياتي :

- الفِرقة (بكسر الفاء وسكون الراء) : اسملجماعة متفرقة من الناس بواسطة علامة التأنيث، لأن الاسم يكون للجمع بالتأنيث كالمعتزلة والجماعة.

- والعصابة من الخيل والرجال والطير : من الثلاثة إلى العشر..

- والمعشر : الجماعة العظيمة، سميت (بذلك) لبلوغها غاية الكثرة

- والنفر : من الثلاثة إلى التسعة، ولا يستعمل فيما فوق العشرة.

- والفئة : هي الجماعة المتظاهرة التي يرجع بعضهم إلى بعض في التعاضد.

- والملأ : الاشراف من الناس، وهو اسم للجماعة كالرهط والقوم.

- والفريق : الطائفة من الناس وهم أكثر من الفِرْق<(الكفوي 685 و ل ع 10 مادة فرق).

هكذا نلاحظ أن لكل اسم من الأسماء أعلاه وظيفته الدلالية العددية فقط مثل العصابة، والنفر، أو العددية والاجتماعية، كالفرقة، والمعشر، والفئة، والملأ، وثمة تفاوت في دلالة هذه الكلمات اجتماعيا كما هو واضح في التميز بين الفريق والفرقة، من حيث العدد.

ويمكن أن نسجل بخصوص أهمية هذه الكلماتأمرين :

أولهما : أن معظم هذه الكلمات واردة في القرآن الكريم مثل الفريق والطائفة، والمعشر، والملأ… فقد وردت كلمة الفريق في القرآن الكريم تسع عشرة مرة أربعة منها بصيغة المثنى والباقي بصيغة المفرد. ووردت الطائفة أربعا وعشرين مرة، أربعة منها بصيغة المثنى، والباقي بصيغة المفرد. ولذا فسوء فهم إحدى هذه الكلمات في سياق معين يعني تكرار ذلك الخطأ بقدر ورود تلك الآية في كتاب الله عز وجل، وهذا مكمن الخطر.

ثانيهما : أنه ينبغي فهم دلالة كل فرع متفرع عن شكل معين لذلك الأصل الموحد المادة، فقد مر بنا أن سجلنا أن فَرَق بفتح الراء كان مضارعها يفْرُق بضم الراء، والمصدر فرْقا وفُرْقاناً في حين أن مضارع فِرق بكسر الراء هو يفْرَق بفتحها والمصدر هو (فرَقا)، وبين الفرعين أي المصدرين (فرقاً) و(فرْقاً وفرقانا) في المعنى فأحدهما وهو (الفَرَق) يدل على الخوف وهو ضعف، في حين أن الآخر (فرْقاً) وفرقانا يدل على القوة، ويكفي الفُرقان أن يكون اسما من أسماء القرآن يقول ابن منظور : >والفرقان، القرآن، وكل ما فرق به بين الحق والباطل فهو فرقان، ولذا قال الله تعالى : {ولقد آتينا موسى وهارون الفرقان}<(ل ع 10 مادة فرق).

اللهم هيّئ للانسانية من يسوسها بالفرقان آمين.

>  د. الـحـسـيـن گـنـوان

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>