الدعوة إلى الله تناقضها الدعوة إلى التحزب


الدعوة إلى الله أساسها أن تكون خالصة له، لا يتجلى معها إبراز فلان أو علان أو جماعة كذا أو تيار كذا، وألا يكون في التآخي بين المسلم والمسلم شرط زائد على الأخوة في الله كأتباع جماعة كذا أو جمعية كذا أو الشيخ فلان أو الشيخ علان ولقد جرَّت هذه الشروط على المسلمين ويلات وعرقلت كثيرا من الجهود التي كان يجب أن تبذل في ميدان الدعوة إلى التآخي بين المسلمين وإلى إيقاظ الغافلين وتنبيه الحائدين وإرشاد الضالين والعمل على إنابة الخاطئين وتوبة العاصين وإسلام الكافرين والملحدين… لقد ضيع “بعض” الدعاة جهودهم وأوقاتهم وأموالهم في مكافحة إخوانهم في الله بالأمس لخلاف شق صفوفهم ووحدتهم لأسباب كان أكثرها يتعلق بالزعامة والرئاسة، وقد شاهدت بعض ذلك في الشرق بمصر وسوريا ولبنان ثم في السودان والجزائر، وقد أخبرني أخي الدكتور عبد الصبور شاهين عام 1956 وهو طالب بمعهد التربية أن العالِم الاقتصادي والخبير المالي العالمي الدكتور محمود أبو السعود قال له وَهُمْ في السجن :” الحمد لله الذي لم يمتحنّا بالحكم ونحن على هذه الحالة”.

إن تحويل الدعوة إلى الله إلى التحزبات والملل والنحل ليس هو الطريق إلى  رضى الله الذي لا يتحقق إلا في ظل الأخوة فيه وله وإليه، فالمؤمنون في القرآن ليسوا إلا إخوة: {إنما المومنون إخوة} وأشداء على الكفار رحماء بينهم، وبعضهم أولياء بعض، وفي الأحاديث النبوية الشريفة كالجسد الواحد وكالبنيان يشد بعضه بعضا.

ولقد شاهدت في المشرق والمغرب عواقب هذه الآفة: آفة الأخوة في الله المشوبة بالحزبية الضيقة والعصبية المقيتة، ومن أبشع  ما فيها شيوع سوء الظن بين الطرفين والأطراف والتحذير من التعاون بين أفراد الطرفين أو الأطراف بل حتى من التزاور أو المصاهرة أو حضورالتجمعات أو المحاضرات أو الدروس أو خطب الجمع، بل تعدى ذلك إلى ما هو أشد وأبشع كما شاهدنا في أوربا وكندا بل الدفع ببعض الأطرف إلى اختلاق التهم وإشاعة البهتان بالكفر والباطنية للجماعات الأخرى وقد وصل بهم العدوان إلى الضرب والهجوم على البيوت. وقد أكرم الله جماعة انشقت في المشرق فرقتين بعدما كانت جماعة واحدة متراصة متعاونة فسرى الانشقاق إلى خارج المشرق العربي- أكرمها الله بخُمود آثار تلك الفرقة بزواج ابن هذا بابنة ذاك، وكان اللقاء في هذا الزفاف المبارك بين الإخوة المتنافرين بإحدى البلدان الأوربية فأصلح الله على يد العروسين الشابين ما أفسده الشيوخ والكهول، وقد حكى لي أحد الأعلام الحاضرين رحمه الله طرفا من صور هذا التصالح والتلاقي بعد سنوات من التخاصم والتصارع والتواقي (أي كل طرف يقي نفسه من صاحبه وأرجو أن تكون عربية سليمة فإن لم تكن فقد أعجبني استعمالُها) وقد شاع في ساحات الدعوة الإسلامية: الأخ فلان منا أو بْتُوعنا في الشرق أو دْيانّا أو نْتَاعْنا في المغرب العربي. وهذا يكفي أن تكون هذه الدعوة نوعا من الجاهلية الممقوتة، ومن أهم أسباب ظهور هذه العاهات في ساحة الدعوة الإسلامية ضعف العلم الشرعي في القيادات التي تتحول إلى زعامات سياسية، وغلبة الأهواء والتعصب للأسماء والأشخاص على حساب الحق وتعاليم الدين الحق، والعجب أن جهود إصلاح ذات البين أخفقت لإعجاب الزعماء الظاهرين على إخوانهم الأقلية.

ورحم الله أبا عمر الداعوق رائد جماعة عباد الرحمان، فقد كان يحذر إخوانه من التعصب لجماعة عباد الرحمان، بل عليهم أن يتعصبوا للرحمان الذي هو إلهنا ومعبودنا فهو الأجدر بالعبادة والانتماء والتقرب إليه بالأعمال الصالحة وكان يستميل في لبنان كل داعية وكل عالم ويكرمهم بل كان ينفق على بعض اللاجئين منهم ولكن بعض هؤلاء شق جماعته مع الأسف فكان ذلك الدعوةسببا في هجرته للبنان واستقراره بالشارقة إذ رأى مشروعه العظيم الذي كان يريد تحقيقه بدأ في التداعي وهو يكره الصراع والخصام بين المسلمين وقد حكى لي طرفا من ذلك في موسم الحج سنة 1394 آخر سنة 1974م رحم الله الجميع وغفر لنا ولهم.

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>