مفهوم الكتابة الروائية عند نجيب الكيلاني


د. عبد المنعم الوكيلي

لا تكمن أهمية الخطاب الروائي في قدرته على نقل المضمون الفكري فحسب، بل لقدرته في الانتشال والتأثير على عدد كبير من القراء، وفي ظل تعدد القنوات الإعلامية المرئية منها والمسموعة، ازدادت أهمية ا لنص القصصي الذي يمثل أساس العمل الفني، وعماد النص المسرحي.

إن ذلكم كله يؤكد أن الدكتور الكيلاني قد هدي إلى الرشاد حين أحس بضرورة كتابة القصة التي تلبي حاجة القراء، وتغنيهم عن قراءة القصص التي تمتلئ عهرا وإجراما وترى في الالتزام جمودا وتخلفا، وكان صاحبنا ممن أخذ بزمام المبادرة إلى تقديم البديل وملء الفراغ.

وباستقراءنا لتجربة الكيلاني الروائية نلحظ هذا الزخم والاهتمام الكبير بالتاريخ، منذ أن كان في بداية مشوراه الأدبي وحتى مرحلة نضجه واستقامته، فكيف إذن يتمثل الكيلاني التاريخ؟ وكيف يقيمه مادة للتشكيل الأدبي؟

إن التاريخ من منظور الأدب هو بنية أو بطانة تحتية للأدب وموضوعا له، الأدب لا ينطق التاريخ، بل يقيم معالم له، يظهر وينشئ من الواقع عالما لا تهم فيه كرونولوجية الأحداث بقدر ما تهم السمات الدالة.

ولهذا فإن المزيج -كما يقول الكيلاني نفسه- الناتج من خلط الوقائع التاريخية بالقواعد القصصية مزيج يحتاج إلى يقظة وبراعة فنية، فالنص الروائي هنا يصير بنية رمزية دالة تصوغ من التاريخ كوقائع ثابتة، صورا ورؤى للعالم.

ومما يحسب لنجيب، أن مفهوم الرواية التاريخية كان واضحا لديه، إذ لم يكتب الرواية التي تعلم أحداث التاريخ، بل سعى إلى أن يجعل الرواية  عنصرا مؤثرا يجسد معنى من المعاني أو فكرة من الأفكار كما هو الشأن في إبرازه لهدف رواية (قاتل حمزة) وأنه قد أراد من ذلك إيضاح مفهوم الحرية من وجهة نظر وحشي حينما كان في الجاهلية.

وقد تعامل الكيلاني مع الحقائق التاريخية تعاملا يختلف عن المؤرخ، ولم ينس -وهو يكتب الرواية التاريخية- أنه يكتب عملا أدبيا إبداعيا في الدرجة الأولى، ووفق رأي “جورج لوكاتش” في البناء الفني للرواية التاريخية فقد جعل الكيلاني من الأشخاص الحقيقيين أشخاصا ثانويين كما في رواية (اليوم الموعود) و(طلائع الفجر) وجعل الأدوار الرئيسة للشخصيات الثانوية، وذلك لكي يمنح الخيال مرونة يتحرك من خلالها الأديب لصياغة القصة صياغة تبعدها عن المساس بحقائق التاريخ، مع تقديمها للفكرة المطلوبة تقديما يؤثر في وجدان القارئ ومشاعره.

إجمالا يمكن القول : أن الكيلاني في كتاباته الروائية يمثل التاريخ لا في بعده الإخباري كما رواه أصحاب السير والمصنفات، بل يتجاوز ذلك إلى استنطاق لحظات التاريخ الإسلامي تلكم اللحظات التي ستظل موشومة في ذاكرة الأمة، ومن ثمة نجده يعمل على تحيين وعصرنة التاريخ وجعله حاضرا ومعيشا في الذاكرة والواقعوالجماعة.. وفي أفق تحفيز الأمة والدفع بها إلى ابتكار خطابها المعاصر من خلال استثمار ماضيها التليد والنسج على منواله.

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>