الـمرأة فـي مجـالس الـوعظ والإرشــاد


لقد قضى الله بالعدل والإنصاف بين الذكر والأنثى، فكلاهما له حق الإنتفاع بما يقوي إيمانه، ويزكي أخلاقه، ويعلي قدره، ومجالس الوعظ  هي مدارس السمو بالنفس إلى فضيلة استحضار جلال الله جل جلاله، والتفكر في وعده ووعيده، ولقد كا ن حضور المرأة على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم قويا في مجالس تنورها إشراقة الملائكة الأطهار، وتغمرها نفحات الرحمات، وتهب عليها نسمات السكينة، فلا يشقى فيها جليس ذكراً كان أم أنثى، الجميع ينتفع بطهرة المجلس وبركة اللقاء وفوائد العلماء، عن أم عطية رضي الله عنها قالت : كنا نؤمر أن نخرج يوم العيد، حتى تخرج البكر من خدرها والحيض فيكن خلف الناس فيكبرن بتكبيرهم ويدعون بدعوتهم، يرجون بركة ذلك اليوم وطهرته، وفي رواية : يشهدن الخير ودعوة المسلمين))(متفق عليه).

وهذا من أقوى الأدلة على حضور المرأة مجالس الإرشاد، إذ لو كانت الغاية من الخروج يوم العيد هي الصلاة فقط لم يكن لخروج الحائض معنى، ولكن ما أشبه يوم العيد بيوم الوعيد تصبح فيه النفوس خاشعة والقلوب رقيقة، ولأجل ذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم يستنفر الجميع للخروج، حتى الذي عنده مانع من موانع الصلاة، فيستغل انتشارهم في الصحراء، وجلوسهم على الغبراء، فيذكرهم بما يرسل العيون بالبكاء، والنفوس بالخير والجود والعطاء، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : شهدت صلاة يوم الفطر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم… ثم أقبل يشقهم حتى أتى النساء مع بلال… فوعظهن وذكرهن… ثم قال لهن تصدقن وبسط بلال ثوبه فجعلن يلقين الفتخ والخواتم في ثوب بلال))(متفق عليه).

إن المرأة كانت تحضر مجالس الوعظ في وقت يعجز فيه كثير من فحول الرجال  عن الحضور، يقول أبو هريرة رضي الله عنه : آنصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم من الصبح يوماً فأتى النساء فوقفعليهن فقال : يا معشر النساء إني قد رأيت أنكن أكثر أهل النار، فتقربن إلى الله عز وجل بما استطعتن، وكانت في النساء امرأة عبد الله بن مسعود، فانقلبت إلى ابن مسعود فأخبرته بما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأخذت حُليّاً لها، فقال لها ابن مسعود : أين تذهبين بهذه الحلي؟ فقالت أتقرب بها إلى الله ورسوله لعل الله لا يجعلني من أهل النار، فقال : هلمي تصدقي به علي وعلى ولدي فإنا له موضع))(متفق عليه).

بل إن المرأة سجلت حضورها في مجلس الوعظ حين انفض كثير من الرجال من رحابه، يقول تعالى : {وإذا رأوا تجارة أو لهواً انفضوا إليها وتركوك قائما}(الجمعة : 11)، أي خرجوا حتى ما بقي مع النبي صلى الله عليه وسلم في المسجد إلا قليل من الرجال والنساء.

قال ابن حجر : عن أبي حاتم بإسناد صحيح إلى أبي قتادة قال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم كم أنتم؟ فعدوا أنفسهم فإذا هم إثنا عشر رجلاً وامرأة.

إن المرأة حين تسمع لسان الشرع ينادي من فوق منبر الإسلام يا أيها الناس، تفهم أنها مقصودة بالخطاب، إذ الناس لفظ عام يتناول جميع أفراده، فتسرع إلى المجلس أمام المنبر.

عن أم سلمة رضي الله عنها كانت تحدث أنها سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول على المنبر وهي تمتشط : ((أيها الناس، فقالت لماشطتها : استأخري عني فقالت الجارية : إنما دعا الرجال ولم يدع النساء، فقالت أم سلمة رضي الله عنها : إني من الناس)).

هكذا كان الفهم عند جميع النساء، فعن فاطمة بنت قيس رضي الله عنها قالت : ((نودي في الناس أن الصلاة جامعة فانطلقت فيمن انطلق من الناس فكنت في الصف المقدم من النساء وهو الذي يلي المؤخر من الرجال)).

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>