الرسالة الثانية: مفهوم الصلاة


> الصلاة لغة: الدعاء، قال اللّه تعالى: {خُذْ منْ أَمْوَلِهمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ و تُزَكِّيهِمْ بِهَا و صَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صلواتك سَكَنٌ لَّهُمْ وَ آللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} أي ادع لهم، و قال النبي  : { إذا دعي أحدكم فليجب فإن كان صائمًا فليصلِّ وإن كان مفطرًا فليطعم} أي فليدع بالبركة والخير والمغفرة..

> والصّلاة من اللّه حسن الثناء، ومن الملائكة الدعاء، قال اللّه تعالى: {إنَّ اللَّهَ وَمَلاَئِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى آلنَّبِيِّ يَا أَيُّهَا آلَّذِينَ ءامَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَ سَلِّمُوا تَسْلِيمًا}. قال أبو العالية: (صلاة الله ثناؤه عليه عند الملائكة، وصلاة الملائكة الدعاء) وقال ابن عباس(رضي اللّه عنهما):(يصلون: يُبَرِّكُون). وقيل إن صلاة اللّه الرحمة، وصلاته تعالى:”سُبُّوح قدّوس، سبقت رحمتي غضبي”، وجاء هذا المفهوم في معنى قوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا اذكروا الله ذكرا كثيرا وسبحوه بكرة وأصيلا، هو الذي يصلي عليكم وملائكته ليخرجكم من الظلمات إلى النور}.. أما صلاة الملائكة فهي الاستغفار. والصواب بالقول الأول، قال اللّه تعالى: {أُوْلئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَواتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَ رَحْمَةٌ وَ أُوْلئِكَ هُمُ آلْمُهْتَدُونَ} أي عليهم ثناء من اللّه ورحمة، فعطف الرحمة على الصلوات والعطف يقتضي المغايرة. فالصلاة من اللّه الثناء، ومن المخلوقين: الملائكة، والإنس، والجن: القيام، والركوع، والسجود، والدعاء، والتسبيح، والصلاة من الطير والهوام: التسبيح.

> أما صلاتنا نحن المسلمين على النبي ، فقد سئل عليه الصلاة والسلام : يَا رَسُولَ اللَّهِ أَمَّا السَّلَامُ عَلَيْكَ فَقَدْ عَرَفْنَاهُ، فَكَيْفَ الصَّلَاةُ عَلَيْكَ؟ قَالَ:>قُولُوا اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ اللَّهُمَّ بَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا بَارَكْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ< فهذه ما يسمى الصلاة الإبراهيمية، وهناك صيغ أخرى للصلاة عليه ، وقد بين أهل العلم أن من الواجب على المسلم وهو يصلي على النبي ، ألا ينتقص من تلك الصلاة فيقول مثلا: “صلى الله عليه”، أو “عليه الصلاة والسلام”.. فهي صيغ لا تفي بالغرض، وقالوا: من الواجب أن يقول المسلم على الأقل: “صلى الله عليه وسلم تسليما” لأن الله تعالى في الآية السابقة قال: {يا أيها الذين أمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما} وصيغة “صلى الله عليه وسلم” تجزئ المؤمن في هذا السياق..

> والصلاة في الشرع: عبادة اللّه ذات أقوال وأفعال معلومة مخصوصة، مفتتحة بالتكبير، مختتمة بالتسليم، وسميت صلاة لاشتمالها على الدعاء. فالصلاة كانت اسمًا لكل دعاء فصارت إسمًا لدعاء مخصوص، أو كانت اسمًا لدعاء فنقلت إلى الصلاة الشرعية لما بينها وبين الدعاء من المناسبة، والأمر في ذلك متقارب، فإذا أطلق اسم الصلاة في الشرع لم يفهم منه إلا الصلاة المشروعة. فالصلاة كلها دعاء: دعاء مسألة: وهو طلب الثواب بالأعمال الصالحة: من القيام، والقعود، والركوع، والسجود، فمن فعل هذه العبادات فقد دعا ربه و طلبه بلسان الحال أن يغفر له، فتبين بذلك أن الصلاة كلها دعاء مسألة ودعاء عبادة، لاشتمالها على ذلك كلها. فالصلاة التي هي الركن الثاني من أركان الإسلام صلة بين العبد وربه تعالى، وفيه أيضا معنى وصل هذه الروح التي في الجسد ببارئها نافخها فيه..

وقد جاء ذكرها في عدة آيات من كتاب الله تعالى، نذكر منها:

> قوله تعالى: {الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ}(البقرة)، وقوله سبحانه: {وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ}(البقرة : 64).

> وقوله تعالى: {لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُتَّقُونَ}(البقرة : 177).

> ويقول جل ذكره: {فَإِذَا قَضَيْتُمْ الصَّلَاةَ فَاذْكُرُوا اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِكُمْ فَإِذَا اطْمَأْنَنتُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا}. وقال جل ثناؤه: {وَأَقِم الصَّلَاةَ طَرَفِي النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنْ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ}(هود : 144).

> وقال تعالى: {رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلَاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ}(إبراهيم : 40). وقال سبحانه: {يَا بُنَيَّ أَقِمْ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنْ الْمُنكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ}(لقمان : 17).

> وقال جل جلاله: {أَقِمْ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا}(الإسراء :78).

> وقال تعالى: {وَأَقِمْ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي}(طه : 14).

> وقال جل وعلا: {اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ الْكِتَابِ وَأَقِمْ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ}(العنكبوت : 45).

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>