الآثار الوخيمة للمعاصي


ابراهيم المعتصم
باحث بكلية الاداب و العلوم الانسانية سايس – فاس

فليس من الصعب على الله سبحانه وتعالى أن يهلك أمة بكاملها إذا طغت وعصت في تجاوز حدوده. ويأتي بعدها بقوم يعبدونه ويطيعونه ويستغفرونه يتوبون إليه، قال الله تعالى : {يا أيها الناس أنتم الفقراء إلى الله والله هو الغني الحميد، إن يشأ يذهبكم ويات بخلق جديد وما ذلك على الله بعزيز}(فاطر : 15- 17).

بسبب المعاصي تصيب المخلوقات محن القحط والجفاف، فتذبل الأشجار، وتنقص مياه العيون والآبار، وتجف الأرض وتتغير، و تتضرر المواشي والأنعام، فتشتد حاجة العباد إلى رحمة الله تعالى لينزل عليهم غيثاً ينبت الزرع ويدر الضرع، ويحيي الأرض بعد موتها ويعيد للقلوب انشراحها وفرحتها، قال تعالى : {الله الذي يرسل الرياح فتثير سحابا فيبسطه في السماء كيف يشاء ويجعله كسفا، فترى الودق يخرج من خلاله، فإذا أصاب به من يشاء من عباده إذا هم يستبشرون، وإن كانوا من قبل أن ينزل عليهم من قبله لمبلسين، فانظر إلى أثر رحمة الله كيف يحيي الأرض بعض موتها، إن ذلك لمحيي الموتى وهو على كل شيء قدير}(الروم : 47- 49).

وكل داء ومرض له دواء معين من عند الله سبحانه وتعالى، وعلاج تأخر المطر هو : الرجوع إلى الله تعالى والالتجاء إليه بخالص الدعاء وصدق الرجاء والتوبة النصوح، وكثرة الاستغفار والصدقة على الفقراء والمساكين والرحمة بالضعفاء والمحتاجين.

فلكي يرحمنا الله تعالى ويخفف عنا، لابد أن نتوجه إليه بخالص الدعاء، وذلك يكون باللسان والقلب، وتطهير الجوارح من دنس الإثم والعصيان، وقد ذكر النبي  : >أن الرجل يطيل السفر أشعث أغبر يمد يده إلى السماء : يارب، يا رب، ومطعمه حرام وملبسه حرام وغذي بالحرام، فأنى يستجاب له<(رواه مسلم والترمذي).

فلا يعقل للمسلم أن يطلب الله تعالى  ويقف بين يديه، وهو منغمس في المحرمات، وينتهك الحرمات، ويفرِّط في الواجبات، ويرتكب الموبقات، ولا يأمر بالمعروف، ولا ينهى عن المنكر، وقد روي عن نبي الله موسى عليه السلام : >إلهي عبادك قد خرجوا إليك ثلاث مرات يستسقون فلم تستجب دعاءهم، فأوحى الله إليه : لا أستجيب لك ولمن معك، لأن فيكم نماماً قد أصر على النميمة<.

وقد ذم هذه الخصلة القبيحة، ونبه عن عدم الإشتغال بها كل من كتاب الله عز وجل وسنة رسوله ، فقد قال سبحانه وتعالى في كتابه العزيز : {ولا تطع كل حلاف مهين هماز مشاء بنميم مناع للخير معتد آثيم عتل بعد ذلك زنيم}(القلم : 10- 13).

فأنت ترى أيها القارئ الكريم، أن نماما واحدا تسبب في عدم نزول الرحمة على العباد والبلاد، فكيف بملايين النمامين، وملايين المغتابين، والخمارين، والقمارين، والحشاشين، والغشاشين، والمرابين، والمرتشين، والزناة والمستهترين، والمتبرجات العاريات، والآكلين لأموال اليتامى، والمتكبرين الطاغين، والمسرفين المبذرين، والظالمين المعتدين، و…. الخ.

فلا بد من التوبة من هذه المعاصي وشبهها، وإلا فإن العباد سيتعرضون لسخط الله ولعنته وغضبه، وسيعانون من ويلات ا لخروج عن طاعة الله وحدوده، أكثر مما يعاني منه من أصيب بالقنابل الذرية والأسلحة الجرثومية. ومن أمثلة ما يترتب عن المنكرات والفواحش السابقة : ضيق الأرزاق، وتنوع الأمراض، وفساد الأنساب، وفقدان الأمن والأمان في البلاد وبين العباد، والإحساس بالذل والهوان واضح بين الأفراد والأمة.

ومن أسباب محق البركة في الكسب والأرزاق، ما يتعلق بالربا، فجل معاملات الناس اليوم، في تجارتهم وصناعتهم، وفلاحتهم، وفي كل مجالات الاستثمار، مؤسسة على التعامل بهذا الوباء الخطير الذي حرمه الله، وأنذر أهله بالهلاك والخسران، قال تعالى : {يمحق الله الربا ويربي الصدقات، والله لا يحب كل كفار أثيم}(البقرة : 275)، ويقول جلت قدرته : {يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين، فإن لم تفعلوا فاذنوا بحرب من الله ورسوله، وإن تبتم فلكم رؤوس أموالكم لا تظلمون ولا تظلمون}(البقرة : 277- 278).

ومن منا يقدر على محاربة الله ورسوله؟ وحاشا أن نصل إلى تلك الدرجة، والتعبير بالمحاربة والمبارزة يدل -والله أعلم- على خطورة ذلك الذنب وفظاعته، فكيف ننتظر من الله العلي القدير أن يرحمنا ونحن حاربناه بأكبر الذنوب وأعظم الآثام؟؟ ويقول الرسول  في شأن تلك المعاملة (الربا) : >الربا ثلاث وسبعون بابا، أيسرها مثل أن ينكح الرجل أمه، وإن أربا الربا عرض المسلم<(سنن ابن ماجة). ويقول  في مسألة الوفاء بالكيل والميزان : >خمس بخمس، قالوا يا رسول الله، وما خمس بخمس؟ قال : ما نقض قوم العهد إلا سلط الله عليهم عدوهم، وما حكموا بغير ما أنزل الله إلا فشا فيهم الفقر، وما ظهرت فيهم الفاحشة إلا أنزل الله بهم الطاعون، ولا طففوا الكيل إلا منعوا النبات وأخذوا بالسنين، ولا منعوا الزكاة إلا حبس عليهم المطر<(رواه الطبراني).

ويقول عز وجل : {أوفوا الكيل ولا تكونوا من المخسرين، وزنوا بالقسطاس المستقيم، ولا تبخسوا الناس أشياءهم، ولا تعتوا في الأرض مفسدين}(الشعراء : 181- 183). ويقول أيضا : {ويل للمطففين الذين إذا اكتالوا على الناس يستوفون، وإذا كالوهم أو وزنوهم يخسرون، ألا يظن أولئك أنهم مبعوثون ليوم عظيم، يوم يقوم الناس لرب العالمين}(المطففين : 1- 6).

فالله جلت قدرته ينبهنا ويحذرنا من سوء عاقبة المعصية، ويوضح لنا الدلائل والبراهين في أنفسنا وأهلنا وأموالنا وكل ما يدور حولنا، حيث يبتلينا بمجموعة من المسائل المتجلية في الأمراض والمشاكل والنقص في الأموال والأرزاق، وعدم الاطمئنان والراحة القلبية، وغيرها، وذلك بسبب أفعالنا وأقوالنا وتصرفاتنا وقسوة قلوبنا، قال تعالى : {ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس ليذيقهم بعض الذي عملوا لعلهم يرجعون}(الروم : 40). كما وجهنا سبحانه لعدم التشبه باليهود والنصارى الذين قست قلوبهم وتحجرت بعدما طال الزمن بينهم وبين أنبيائهم، قال تعالى : {ألم يان للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله وما نزل من الحق، ولا يكونوا كالذين أوتوا الكتاب من قبل فطال عليهم الأمد فقست قلوبهم وكثير منهم فاسقون}(الحديد : 15).

فلكي تنزل علينا رحمة الله تعالى وبركاته وخيراته، لابد لنا من تقوى الله تعالى والاستقامة على طريقه المستقيم، والاعتصام بحبله المتين، والتمسك بكتابه المبين، والرجوع إلى سنة نبيه الكريم، قال جلت قدرته : {ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض، ولكن كذبوا فأخذناهم بما كانوا يكسبون}(الأعراف : 95).

يقول أحد الشعراء :

إذا كنت في نعمة فارعها

فإن المعاصي تزيل النعم

وحطها بطاعة رب العباد

فرب العباد سريع النقم

فالمعصية هي التي أخرجت آدم وحواء من الجنة، وأبعدت إبليس من ملكوت السماء ونزعت عنه لباس الإيمان، وأغرقت قوم نوح بالطوفان، وقوم هود بالريح العقيم، وبسببها أرسل الله الصيحة على قوم صالح فأصبحوا في ديارهم جاثمين كأن لم يغنوا فيها، وأمطر الحجارة على ديار قوم لوط فجعل عاليها سافلها، وخسف بقارون الأرض هو يتجلجل فيها إلى يوم القيامة، وأغرق فرعون وقومه ليكون عبرة لما جاء بعده من العصاة الفاسقين.

قال عز وجل : {فكلا أخذنا بذنبه، فمنهم من أرسلنا عليه حاصبا، ومنهم من أخذته الصيحة ومنهم من خسفنا به الأرض ومنهم من أغرقنا، وما كان الله ليظلمهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون}(العنكبوث : 40).

وقد روي عن أبي بكر الصديق ] وهو يحذرنا من اتباع خمسة أو ستة أشياء، ويدعونا إلى الاستجابة لله سبحانه وتعالى والبعد عن المعاصي، أنه قال : >إن إبليس قائم أمامك، والنفس عن يمينك، والهوى عن يسارك، والدنيا عن خلفك، والأعضاء عن حولك، والجبار فوقك<، فإبليس لعنه الله يدعوك إلى ترك الدين، والدنيا تدعوك إلى المعصية، والهوى يدعوك إلى الشهوة، والدنيا تدعوك إلى اختيارها عن الآخرة، والأعضاء تدعوك إلى الذنوب، والجبار يدعوك إلى الجنة والمغفرة.

فمن أجاب إبليس ذهب عنه الدين، ومن أجاب النفس ذهب عنه الروح، ومن أجاب الهوى ذهب عنه العقل، ومن أجاب الدنيا ذهبت عنه الآخرة، ومن أجاب الله تعالى ذهبت عنه السيئات، ونال جميع الخيرات.

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>