الحج مؤتمر عالمي


 

قال الله تعالى: {وأذن في الناس بالحج ياتوك رجالا وعلى كل ضامر ياتين من كل فج عميق}( الحج : 25).

وعن عائشة رضي الله عنها أنها قالت : يارسول الله، نرى الجهاد أفضل العمل، أفلا نجاهد ؟ قال: >لا لكن أفضل الجهاد حج مبرور<(البخاري).

الحج ركن من أركان الإسلام ثبتث فرضيته بالكتاب و السنة. قال تعالى : {ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا}(آل عمران : 97).

وقال صلى الله عليه وسلم: ” بني الإسلام على خمس، شهادة أن لا إله إلا الله، وأن  محمدا رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وحج البيت، وصوم رمضان”  متفق عليه. وهذه الفريضة هي التي تربط أول هذه الأمة بآخرها، وتجمع بين سكان الأرض جميعا على عبادة مشتركة في مكان واحد، وفي وقت واحد، وقد أمر الله تعالى بأداء هذه الفريضة فقال: {وأتموا الحج و العمرة لله}(البقرة :195). وبين سبحانهالميقات الزمني للحج فقال : {الحج  أشهر معلومات}( البقرة : 196).

وهي شوال وذو القعدة و العشر الأوائل من ذي الحجة، و بين رسول الله  الميقات المكاني لينوي الحاج منه نية الحج أو العمرة ، وهو بالنسبة لوطننا المغرب ) ” الجحفة ” أو ” رابغ “.

كلف الله به من استطاع إليه سبيلا، و الاستطاعة أمر نسبي يختلف باختلاف الناس، وكل امرئ أعرف بنفسه، فإذا أراد المسلم السفر لأداء هذه الفريضة فعليه أن يجدد التوبة، ويقوم برد الحقوق إلى أهلها، وأداء الديون المستحقة، وتطهير القلب، وإصلاح ذات البين، ورد الأمانات، كما يجب عليه أن يتحرى النفقة الحلال له و لأسرته، قال  ، >إن الله طيب لا يقبل إلا طيبا<(رواه مسلم).

و الله تعالى أحاط أعمال الحج بسياج  من القداسة فقال: {فلا رفث و لا فسوق و لا جدال في الحج}(البقرة :تتتت196).

والحج وإن كانت فيه مشقة من الاغتراب و البعد عن الأهل و الأحباب فهو يطهر النفس و يهذب القلب، ويغرس فيه الحكمة و الأناة والصبر والتواضع والحلم ومكارم الأخلاق، ويخلص الإنسان من ذنوبه. قال    : >من حج لله فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه<(البخاري). وقد ورد أن ثوابه الجنة. قال  : >العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما ، و الحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة<(البخاري).

والحج يذكر الناس بيوم القيامة يوم المحشر، يوم يقوم الناس لرب العالمين {يوم يخرجون من الأجداث سراعا كأنهم إلى نصب يوفضون. خاشعة أبصارهم ترهقهم ذلة ذلك اليوم الذي كانوا يوعدون}(المعارج 43- 44).

يتجرد الجميع من ملا بسهم -إلا ما يشبه الكفن- ومناصبهم بحيث لا يكون هناك استعلاء  لفرد على فرد أو طغيان من جماعة، لا تنابز بالألقاب، فهو للأفراد عصمة و للجماعة وقاية وأمن، يظهر الناس في الحج كأسنان المشط دون تفاضل و تفاوت، و القلوب كلها متجهة إلى الله تعالى بالدعاء، و لايسمع الإنسان إلا أصواتا خاشعة لله، لا تنادي إلا الله، و لا تهتف إلا بطاعة الله، وجوها عليها علامة الرهبة من الله، ونفوسا يملؤها الأمل في رضوان الله وعفوه، و الألسنة تردد تلبية رسول الله  : >لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك<. >إن الحمد و النعمة لك والملك، لا شريك لك< غاية الحج تعارف الإنسانية، وتبادل منافعها، وإشاعة الحب والرحمة بين عباد الله قال تعالى: {وأذن في الناس بالحج ياتوك رجالا وعلى كل ضامر ياتين من كل فج عميق. ليشهدوا منافع لهم}(الحج : 25- 26). وكلمة منافع عامة وشاملة لكل منفعة دينية ودنيوية مادية ومعنوية في جميع المجالات الاقتصادية والثقافية والاجتماعية والسياسية، والحج فرصة عظيمة لو استغلت استغلالا طيبا – لعقد أكبر مؤتمر إسلامي عالمي تناقش فيه مشاكل الأمة الإسلامية، وتوضع لها الحلول المناسبة، فكم من عالم يلتقي بعالم – وكم من مصلح يلتقي بمصلح، وكم من زعيم يلتقي بزعيم- شعارهم أخوة الإسلام، وكلمتهم كلمة الإخلاص و الإيمان، فهل يصعب على أمثال هؤلاء المتحابين في الله، وهم ضيوف الرحمان أن يتعاونوا على البر والتقوى، وعلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ونكران الذات، وعدم الاغترار بالمظاهر. وفي الحج إلى جانب ذلك ثقافة واطلاع، وفكر واعتبار، فضلا عن المنافع التجارية. قال تعالى: {ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلا من ربكم}(البقرة : 197). فليس على الحاج حرج إذا أتم نسكه أن يطلب الرزق الحلال من طريق البيع والشراء. قال تعالى: {ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج}(المائدة : 7).

ذ.أحمد حسني عاشور

 

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>