مجتمع القيم الفاضلة


يقول تعالى : {وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله ثم أبلغه مامنه ذلك بأنهم قوم لا يعلمون}(التوبة : 6) وقال أيضا : {فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الأمر، فإذا عزمت فتوكل على الله إن الله يحب المتوكلين}(آل عمران : 159) وقال تعالى : {والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين}(آل عمران : 134) وقال رسول الله  : >المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه ولا يخذله كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه<(أخرجه الإمام مسلم) إن جاءك مشرك معه أطروحة وعنده شبهة يريد أن يتكلم فاستمع له وافتح له صدرك وأسمعه كلام الله لاتعنفه.  الإنسان في الإسلام ليس بهيمة، إنه إنسان سميع بصير جعل الله له حقا ورأيا وكلمة، له قلم يحمل إبداعا وقد يكون هذا الإنسان خيرا منك عند الله وأقوم قيلا، قتل الإنسان ليس بالأمر اليسير، وحبس الإنسان ليس سهلا ومصادرة رأي الإنسان ليس سهلا. فتح الله مكة على الرسول  فيلقاه أبو سفيان الذي قاتله وسبه وأخذ ماله وأخرجه من داره فيسلم عليه، فتسيل دموعه عليه الصلاة والسلام ويجيب : {لا تثريب عليكم اليوم يغفر الله لكم وهو أرحم الراحمين}(يوسف : 92) فيدخل عليه الصلاة والسلام مكة فاتحا منتصرا يسحق الأصنام ويحطم الشرك والوثنية ولما أذن المؤذن لصلاة الظهر أخذ بأصابعه الشريفة حلق باب الكعبة وهزها وقال : الحمد لله الذي نصر عبده وأعز جنده وهزم الأحزاب وحده يا معشر قريش : ما تظنون أني فاعل بكلم؟ قالوا : أخ كريم وابن أخ كريم قال : اذهبوا فأنتم الطلقاء (السيرة لإن هشام 78/4).

من حقك أن تعيش محترما في كلمتك وفي رأيك وفي بيتك وفي قلمك وفي مالك، لاتعيش خوفا ولا بطشا ولا إرهابا ولا تخويفا، وهذا ما كفله الإسلام لجميع المسلمين على حد سواء، لا فرق بين أبيض وأسود ولا غني ولا فقير ولا كبير ولا صغير الكل في ميزان الإسلام سواء، هذا هو الاسلام الذي حرر الناس من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد ومن ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا والآخرة، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام. وما نشاهده في مجتمعاتنا من أنانية وعدم احترام للنظام وايذاء للغير معنويا وحسيا يعود إلى الخلل الكبير الذي يوجود في التربية ووظيفتها ومن تم في ثمراتها السلبية. وما يوجد عند غيرنا من الأمم الغربية التي نتأسى بها في كل شيء إلا فيما يتعلق بالتربية من احترام للغير وتقدير لانسانيته. وسن إسلامنا العظيم للمسلمين آدابا وأخلاقا عالية في كل مناحي الحياة، ولم يغادر كبيرة ولا صغيرة إلا أصدر فيها توجيهاته السامية طلبا لصلاح الناس في معاشهم ومعادهم، وما أروع المحطات التي يقف فيها رسول الله  موقف المبعوث الصابر المحتسب هو وأصحابه الكرام، ابتغاء تصفية النفوس من أدران أمراض التدافع الأرضي الجشع، وقيادتها إلى بر الإسلام الأمن.

هل كان عبثا أن أرسل عليه السلام رحمة للعالمين، فما بال الورثة الجدد لرسالة المصطفى عجولين ومتصلبين وحاسمين بشكل لا يصدق، وهل كان رسول الله  وأصحابه الراشدون في فترة الدعوة يلازمون خناجرهم وسيوفهم بطريقة وحشية لقد خاطب الله سبحانه رسوله في سورة المزمل التي سطرت معالم الطريق الإسلامي للدعاة قائلا له : {واصبر على ما يقولون واهجرهم هجرا جميلا} ولا توافق هواهم مع الاستمرار في معاشرتهم بالمعروف، ألم يكن من الأجدى اتباع المنهج النبوي في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بالتي هي أحسن فيدخل الناس في دين الله أفواجا عوض أن يخرجوا منه أفواجا. المؤمن يعلم الفضيلة ويلقنها باسم الحق والحقيقة في المجتمع الذي يعيش فيه بدءا من أقرب الدوائر إليه، وهذه نتيجة ضرورية لايمانه، إذ سلامة المسلمين من يده ولسانه تولد هذه النتيجة، ومن جهة أخرى فالمؤمنون كالجسد الواحد كما ورد في الحديث الشريف إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى، ومن المعلوم أن سلامة كل عضو من النقص والعوز تولد سلامة الجسد كله، لذا فهو أمر فطري وطبيعي جدا أن يهتم المؤمن بهموم المؤمنين فيتألم بآلامهم وينشرح بسرورهم ويسعد بسعادتهم، أليسوا أعضاء جسد واحد وبالأخص إن كان هذا التألم والسرور يتعلق بالعالم الأخروي الأبدي، فكيف يظل المؤمن غير مبال بذهاب أخيه إلى الجنة أو إلى النار، وإن العالم الإسلامي اليوم مضطرب مما فيه من أمراض وعلل وفقر إلى حد البؤس، فلابد من انتفاضة ورجوع إلى الذات فالعالم الإسلامي اليوم يكابد الذل وعقله يعاني من القصور والضعف وأعضاؤه تضطرب من العلل والأسقام، فلئن لم يسعف عاجلا ويضمد فورا فلربما يتدهور أكثر فأكثر وحينما يتداوى لابد أن يعلم في أثناء التداوي والضماد أن رسالته تحيط الكائنات برمتها وحينما يحتضن الاسلام بإذن الله جميع أمم الأرض ناشرا المحبة في العالم أجمع.

————–

محمد باديس : طالب باحث.

 

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>