من وحي رمضان


لقد زارنا زائر كريم وجاءنا شهر عظيم على عادته يتفقد هذا الإنسان خلال دورة من الزمان، شهر يطوق المخلوقات بنسيج من الرحمات، ويحوط كل دابة بالبركات… شهر رمضان قمر تشرئب إليه الأعناق وتطل إليه القلوب من وراء القضبان، المكلفون في ذلك سواء بالصبيان…. تنشرح له القلوب وهي في شعبان ويفرح له الروح لما يظهر رمضان… الإنسانية تعيش في ظلام دامس تتشابه عليها الأمور ويلتبس الحق بالباطل فتعيش تعاسة وتمسها مشقة وتجذبها الجاذبية المادية فتخلد إلى الأرض فترى البشرية تتمايل نحو السقوط تارة وتجنح نحو الركود تارة أخرى… فتلمح عن بعيد أنها مثبطة متثاقلة… هيهات هيهات… النهوض صعب جداً فلقد نخرت عظامها المعاصي وأكلت حياتها الروحية أَرَضَة المخازي والآثام -فلا تنخدع أيها الإنسان بالصورة فقد تراها عظيمة ولكن في الحقيقة خشب مسندة فليست هي القسطاس ولا الميزان… هكذا تمر حياة معظم الناس حياة مهزومة ضامرة وضئيلة خلال إحدى عشر شهراً تتكالب فيه على الإنسانية قوى الشر والطغيان وتتحالف عليها أحزاب الشيطان والإنسان… فتهوى النفس وتَنْهدُ الإنسانية أمام هذه المخاطر فتذهب بها الريح إلى مكان سحيق وإن كانت في صورة إنسان حَي، لأن الموت موت الأحياء… ولا أحد يشفق على هذا الإنسان إلا رمضان، حاملا القرآن لذلك يترقب طلوعه الإنسان، نعم رمضان وما أدراك ما رمضان؟ فيه نزل القرآن ليتغذى به الإنسان وليرتشف منه الإيمان فيرتقي من الحضيض إلى الواحد الديان، فرمضان والقرآن يعيدان بناء الإنسان الذي دمرته بنات الدهر والمكان… رمضان وما أدراك ما رمضان؟ فيه صُفدت  الشياطين لذلك ترى البشرية مقبلة على الله يدخلون في دين الله أفواجاً  الكل لله يركع والجميع لنداء الرحمان يسمع… الكل يتصدق من الفقراء حتى البخلاء أصحاب القلوب السوداء الكل تعلوه الابتسامة من الأغنياء ومروراً بالبأساء، إنها رحمة الله…

في هذا الشهر يحفظ الإنسان من دسائس الشيطان، ولما يرى الشيطان الصلاحَ في الإنسان تتقد فيه جمرة الحقد والحسد فيحاول أن يتحرر من القيود ليفسد على الناس الحياة لكن … يخفق ويفشل كلما عاود الكرة، فيموت أسفاً وحقداً، لكن أيها الإنسان… صفدت شياطين الجن، فهل صفدت شياطين الإنس؟ كن حذراً من شياطين الإنس فإنها -لربما- لم تصفد، فهي تعمل ليل نهار لإغراء البشر، كن كَيِّساً لتقي شر إبليس والإنس. شهر رمضان وما أدراك ما شهر رمضان؟ تُفْتح فيه أبواب الجنان وتغلق فيه أبواب النيران  أبواب الجنة مفتوحة يا إنسان فسارع إلى الخيرات واجعلها في الميزان وتاجر وأتقن التجارة فلا يلحقك الخسران، تحرك من المكان وَوَلِّ وجهك شطر المنان والتمس منه الغفران واستمع لنداء الإيمان، شهر رمضان ينادي قائلا : اقبلوا… الجنة هنا، أبوابها مفتوحة… مازالت مفتوحة… لكن لكن… عجلوا قبل فوات الأوان، يا باغي الخير أقبل ويا باغي الشر أقصر أقصر أقصر كفاك من الشر فأنا شهر البركات، شهر تضاعف فيه الحسنات وضمور السيئات توقف عن المحرمات توقف… أفي أذنك وقرٌ فلا تسمع لنداء الرحمة؟ شهر رمضان أظل الأنام والدواب والأنعام، أظلهم بظلال الرحمة والرحمة… ظلال الأمن والإيمان والسلام، وفي الأثر: >أيها الناس قد أَظَلَكُمْ شهر عظيم…< البشرية جمعاء متفيئة تحت ظلاله الوارفة الممتدة امتداد النوع البشري… يعيش الإنسان خارج رمضان زمنا حاراً جافاً تتأجج فيه حرارة القيظ حتى إنها لتكاد تشتعل بالإنسان فيأتي رمضان فيبسط أجنحته مظلا الإنسان فيحفظه من المضرات والمفسدات، هذا جزء صغير من حياة رمضان ورحماته وبركاته.. وإلا فهو أَعْظَم..

أيها الإنسان خفف على نفسك أعباء السفر وقف وقفة تحت المظلة القرآنية الرمضانية، واغتنم هذه الفرصة تنل خُطوة كبيرة، ولا تكن مع الطائفة التي أبت إلا أن تعيش خارج المظلة، في الصحراء القاحلة الجذباء، فهو من الناس لا يحسدون على حالهم ذلك. رمضان قطار خلاص والويل لمن فاته هذا القطار بدون جدوى، فتعالوا نركب قطار رمضان جميعا، حتى لا نكون من الخوالف والمتخلفين فيكتب على جبهة كل أحد …>بَعُد مَنْ أدرك رمضان ولم يُغْفر له<.

محمد بعزاوي

 

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>