توحيد القوى الكونية


يقول الله تعالى في كتابه العزيز: {سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين أنه الحق}.

كان حلم الإنسان منذ أقدم العصور أن يفهم كيف تعمل الطبيعة استنادا إلى أقل ما عنده من المعطيات الموحدة. وهناك ثلاثة أسماء تقف جنبا إلى جنب في هذا السياق في تاريخ الفيزياء: نيوتن وماكسويل واينشتاين بصفتهم أعظم صانعي أسس الفيزياء ومن الموحدين للقوانين الفيزيائية في كل العصور. فمنذ حوالي ثلاثة قرون تعرف إسحاق نيوتن على الجاذبية الأرضية (التي تسبب في سقوط التفاحة) وعلى الجاذبية الكونية (التي تحفظ الكواكب في مداراتها حول الشمس) ووحدهما أي أنه توصل إلى أنهما من أصل واحد. ولقد أخبرنا بقوة الجاذبية في القرآن الكريم حيث يقول تعالى :

{إن الله يمسك السماوات والأرض أن تزولا ولئن زالتا إن أمسكهما من أحد من بعده إنه كان حليما غفوراً}(فاطر: 40).

وبعد نيوتن بحوالي مائة عام جاء ماكسويل وقام بتوحيد القوة الكهربائية والقوة المغناطيسية وأسماهما بالقوة الكهرومغناطيسية، كما بين أن الضوء ليس سوى مظهر لهذا التوحيد. ثم جاء اينشتاين في سنة 1905 فوحد مفهومي الزمان والمكان وأسماهما بالفضاء الزمكاني، وبعد هذا بأحد عشر عاما بين أن جاذبية نيوتن ليست سوى مظهر لهذا التوحيد، بمعنى أن جاذبية نيوتن تدل على تحدب المكان والزمان (courbure de liespace temps) ثم تساءل اينشتاين  :هل يمكن توحيد القوة الكهرومغناطيسية مع قوة جاذبية نيوتن بنفس الطريقة التي وحد بها ماكسويل الكهرباء والمغناطيس. ثم تساءل بعدها : هل يمكن توحيد النظرية النسبية مع نظرية الكم في شكل موحد يسمى بالجاذبية الكمية، و كان هذا هو حلم اينشتاين الأخير. أما فيما يخص التوحيد الأول أي القوة الكهرومغناطيسية مع القوة الجاذبية فلقد تحقق بعد موته من قبل العالم الباكستاني المسلم محمد عبدالسلام الحائز على جائزة نوبل سنة 1979 على إثر هذا الاكتشاف، ولاشك أن هذا التوحيد كان سيسعد به اينشتاين لو رآه. أما التوحيد الثاني الذي تنبأ به اينشتاين أي توحيد قوة الجاذبية الكونية مع ميكانيك الكم فلم يزل لم يتحقق بعد ولازالت البحوث قائمة في جميع مختبرات الدنيا في هذا الاتجاه.

ولابد من الإشارة إلى أن هناك أربع قوى أساسية تتحكم في سلوك الجسيمات التي يتركب منها هذا الكون وهي:

1- القوة الجاذبية : وهي قوة تجذب الجسيمات بعضها لبعض بقوة تتناسب مع كتلة كل منهما. وهذه القوة هي التي تتحكم في حركة الكواكب والنجوم والمجرات، كما أنها تحدد الملامح الشاملة للكون الذي نعيش فيه.

2- القوة الكهرومغناطيسية : وهي قوة تجذب البروتونات (ذات الشحنات الموجبة) والإلكترونات (ذات الشحنات السالبة) بقوة كهرومغناطيسية تتناسب شدتها مع قيمة شحنتيهما الكهربائية. والقوة الكهرومغناطيسية هي المسؤولة عن تماسك الذرات بعضها ببعض. وهذه القوة هي التي تتحكم بصفة أساسية في كل ظواهر الحياة المعروفة على سطح الأرض.

3- القوة النووية الضعيفة : لقد اكتشفت هذه القوة في مطلع القرن العشرين وهي التي تسبب الظاهرة المعروفة بالإشعاع النووي (بيت)وهي مسؤولة بصفة أساسية عن وجود العناصر الثقيلة على الأرض (مثل الحديد، الزنك والنحاس…إلخ) ومن أجزاء أخرى من الكون.

4- القوة النووية الشديدة : تحمل البروتونات والنوترونات شحنة نووية قوية وهذه الجسيمات تتجاذب عندما يقترب بعضها من البعض الآخر. وهي المسؤولة عن تماسك النواة (مثل الهيليوم، الليتيوم، الكاربون، اليورانيوم وغيرها). إن ظاهرة الاندماج المسؤولة عن إشراق الشمس وظاهرة الانشطار النووي التي تعطي الطاقة للمفاعلات النووية هما مظهران من هذه القوة.

ويبقى أمل الفيزيائيين كبيرا في توحيد هذه القوى الأربع في قوة أساسية واحدة. وإذاما صح حلم التوحيد هذا فسيترتب عليه نتائج يمكن قياسها والحفاظ عليها داخل البناء الزمكاني.

وهكذا نتبين أن هذا الخلق لا تسوده إلا قوة أساسية واحدة هي القوة المسيرة لهذا الكون إنها قوة الله عز وجل.

د.محمد حمدون

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>