الإنسان مفطور بطبعه على الانقياد لله،لكن الفطرة مغلوبة بفعل الران المتراكم على النفس وذلك حين التخلي عن تذكيرها من حين لآخر بأنها لله، وبأنها إليه آئبة طال بها العمر أوقصر.
والعصر الذي نعيشه مترع بمظاهر البعد عن الانقياد الله، ومشبع الذين انغمسوا في لجته ـ دون حماية ـ بالغفلة والسهووالنسيان.
لكن الميزان ـ الذي إن رجحت كفة الخير فيه فاز المرء ـ واحد منذ بدء الخليقة حتى الآن، والأمر ما لازال على ما كان عليه حين انتهى الوحي بوفاة خير الخلق محمد صلى الله عليه وسلم.
والنفس هشة تذبذب ميولها بين الحق والباطل،إن شحنت بالخير من منابعه استقامت وصفت،وإن أبعدت عنه استمرأت تتبع سبل الهوى،وتردت إلى مراتب لا تميز فيها بين الخير والشر،فتراها تسيء من حيث تظن أنها تحسن،لأنها أضاعت الميزان،ولأنها أضاعت شمعة النور الرباني في أنحائها،فساد الديجور، وأبدل بذلك صورة كل شيء تنظر فيه…
والإنسان بالرغم من كل هذا غير معذور…فمنابع النور موجودة، ومنابر الحق عالية،وظلال الإيمان وارفة،لكن المشكلة أن البحث عنها، والرغبة في التضمخ بأريجها قمين بالرغبة الكامنة في عمق الإنسان…
ومن شاء أن يصلح نفسه أوغيره فعليه تتبع سبل الصلاح والإصلاح، ومن كانت الرغبة في الإصلاح ديدنه، لكنه ارتأى ـ لثقة زائدة في النفس ـ أنه يمكن أن يفعل دون الرجوع إلى الكتاب والسنة، ودون استشارة أهل الذكر،فالنتيجة أنه يخبط خبط عشواء،ويسير سير عرجاء ،يمشي مكبا على وجهه ،يضل ويضل من حوله،وخاصة إن كان ممن خول له القيام بدور القدوة دون تمحيص لخصائص شخصيته،ودون استقراء لعناصر الضعف والقوة فيها بعد عرضها على ميزان الشرع الأزلي، الذي لا تتبدل ثوابته،ولا تتغير مقوماته مهما تقدمت الأزمان وتعاقبت الأعصر.
والإنسان بعد كل هذا وذالك:
ـ يصيب ويصلح إن اخلص النية لله…
ـ ويصيب ويصلح إن حرص على الغوص كل حين وآخر في لجة حق يؤثث فضاءها الصالحون، وتعطر أجواءها زخات الذكر المباركة، تذكر من يحضرها بحتمية التلقي عن الباري وحده دون سواه،وتغرس في نفسه نبتة حب القرآن…وتتعهدها حتى تتعاظم…فتصبح دوحة نور تنير دربه …وتريه الحق حقا مهما ابتعد الناس وأساءوا وأخطأوا.
ـ ويصيب ويصلح حتما إن استشار أهل الصلاح، واستفتى أهل الذكر…وألزم نفسه بما ألقي إليه من القول…
ـ ويصيب ويصلح كذلك إن استيقن أن الله متصف بصفاته، له أسماء حسنى، يجدر بالمؤمن إن آمن بها حقا أن يبدوزهر ذلك الإيمان على شجرة سلوكه وأفعاله:
فالعليم يعلم حتما ما تنصلح به الأحوال…
والقادر قادر على أن يبلغ المراد مهما اعترض الناس…
والحكيم يرزق الحكمة إن اتقاه…
ثم إن الرحيم يوجه للخير من استشاره واستخاره…
والله بعد كل هذا قاهر فوق عباده لا يسلم من أعرض عنه وعن كتابه وسنة رسوله…
فلم التخلي طواعية عن طلب النصح من العليم القادر الحكيم الرحيم القاهر ؟
فالإصلاح والصواب إذا ممكن التوصل إليهما بإذن الله،وذلك إن اجتهد الإنسان وأجهد نفسه في تحري الحق،ولم يتبع سبل الهوى المبعدة عن المحجة البيضاء،ولم ينجرف مع الرغبة الكامنة في النفس في إتباع ما عليه الناس من مناهج حببها الشيطان إليهم وجعل اليسر في تناولها مرقاة إليها ،يعتليها الغافل مقايضا رضا الناس برضا الله قد زهد فيه،مع أنه يعلم أنه لله…وأنه إليه راجع…وانه حينئذ سيوفيه حسابه…ففوز بالجنة أوخسران وترد في النار.
د.صالحة رحوتي
Saliha_rahouti@hotmail.com