تحية إكبار…   ومصيبة كبرى


أما التحية المباركة فأوجهها لشيخ من شيوخ إحدى المؤسسات الجامعية العليا الذي رأى ما رأى من تراجع واضطراب في مؤسسته الجامعية فبادر إلى المغادرة الطوعية منها لا حبا في الإغراء المادي الذي حمل بعضهم على ما اقدموا عليه … ولكنه في نفس الوقت أبلغ إدارة المؤسسة أنه سيظل يضطلع بمهمته التربوية والعلمية إلى أن يعجز أو يلقى ربه … أما بعضهم فعلى الرغم من شدة الحاجة إليهم فإنهم تخلوا عن رسالتهم الجامعية كأن الأمر كان تعاقدا بينهم وبين مؤسستهم فقط مع أن المسلم الحق يتعاقد مع ربه لإعداد الرجال في الجامعة أو غيرها ..

أما هذا المشروع المشؤوم الذي سموه: المغادرة الطوعية فكان يجب دراسته من جميع جوانبه دراسة تخضع للمصلحة العليا للمغرب لا لاقتراح البنك الدولي أو لأمره المطاع، أو اعتبارا لما ستوفره المالية … وسأضرب مثلا واحدا على هول الكارثة التيحلت بالمغرب في الجانب الصحي .. ففي فاس مثلا: غادر مستشفى الغساني الجامعي كثير من الممرضين مما جعل بعض الأقسام خالية منهم وقد أدى هذا إلى توقف هذه الأقسام عن استقبال المرضى ومعالجتهم مثل قسم الأمراض الصدرية، وقسم الأطفال وقسم الجراحة العامة وبقاء حوالي مائة طالب بكلية الطب دون تدريب ..

إن ما حل بهذه المصالح بفاس لا شك أن بلادا أخرى بالمغرب وقعت في نفس المأزق. إن ما ستوفره المالية من هذه المغادرة الطوعية كان يقينا على حساب صحة المواطنين الذين يتعرضون لأخطار مهلكة .. وما يقال عن هذا يقال عن غيره …

إن الخلل الهائل الذي حل بالمستشفى الجامعي الغساني لا يقدر بثمن لا بالنسبة لصحة المواطنين التي هي أغلى مما ستجني وزارة المالية من توفير مادي ولا بالنسبة للمستوى العلمي لطلبة الطب الذي سيتأثر بكارثة هذا المستشفى .

أما التعليم فقد وصلت أوضاعه إلى الدرك الأسفل وستزيد هذه المغادرة من تدهوره .. هذا ومثله أسهم في إيصال المغرب إلى الدرجة 124 في سلم التنمية أو التخلف وهو مرشح لتراجع أكثر ما دامت الأمور تسند إلى غير أهلها خبرة وعلما وإدارة وغيرة على هذا الوطن وما دام توفير المال أغلى من المحافظة على صحة المواطنين وأهم من تدريب طلبة الطب وتأهيلهم في الميدان التطبيقي، ولا شك أن طلاب التخصص سيلحقهم الضرر بسبب توقف هذه المصالح عن العمل.

ومما يؤاخذ عليه مشروع هذه المغادرة سريانُ مفعوله حتى بالنسبة للبرلمانيين الذين يتمتعون بمكافآت دسمة وتقاعد برلماني محترم، فما معنى أن تقبل طلباتهم للمغادرة الطوعية وهم يأخذون من الدولة كفاية وفوق الكفاية وهذه الملاحظة أشار إليها الدكتور باينة الأستاذ الاقتصادي والقيادي الاشتراكي الشهير ..

وتشيع على الأفواه شبه نكتة أرجو ألا تكون حقيقة وهي أن وزراء ينتسبون للتعليم العالي تقدموا أيضا بطلب المغادرة للاستفادة من هذا الإغراء المادي الذي وضعوه هم .. إلا أن طلبهم رفض ..

والحقيقة أن الجامعة ما تزال في حاجة إلى علمهم ونظرياتهم العظيمة وآرائهم المبدعة في ميدان تخصصهم، إن تقاعدهم المبكر سيكون خسارة وأي خسارة للوطن، لذلك فرح الكثيرون بنبإ بقائهم مرتبطين بالتعليم الجامعي الذي سيستفيد من خبرتهم ونظرياتهم وتنظيراتهم كما استفاد منهم أيام كان الطلاب والأساتذة والباحثون يتهافتون على ما يكتبون ويعتمدون ذلك في أبحاثهم الجامعية اللامعة التي تنعكس الآن على الأداء العظيم لوزاراتهم العظيمة !!

د.عبد السلام الهراس

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>