الحرية والمسؤولية من مرتكزات عصر الرسالة (1)


ونمضي في هذا العدد في تحليل عمق  السلوك التحرري في الإسلام عندما يتحدث عن حرية الضمير من خلال قوله تعالى: {لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي}(البقرة :254)، وحرية العمل والتنقل المقررة في قوله تعالى: {هو الذي جعل لكم الأرض ذلولا فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه}( الملك : 14). .

أما حرية التعبير فقد دخلت في العرف منذ الأيام الأولى من العهد الإسلامي ، وتبين ذلك من خلال استشارة النبي  لأصحابه وتقبله نقاشاتهم وآرائهم ، والسيرة النبوية الشريفة مليئة بالأحداث مثل : يوم بدر واستشارته في تحديد مكان المعركة وتحديد الصداق – فيما بعد – من طرف عمر رضي الله عنه ومخالفة امرأة له .

إن الإنسان مسؤول عن حريته في الإسلام، وليست الحرية حالة من حالات انعدام المسؤولية كما تبشر بذلك منابر الحداثة الفجة وأدعياء التقدم وسماسرةالأعراض.

****

إن مشكلة اختيار المثل الأعلى من أهم المشكلات التي تصادف الفرد في إطاره الخاص لتنظيم الطاقة الحيوية ، وفي الإطار الاجتماعي (لتوجيه هذه الطاقة الحيوية) . ونذكر سؤالا  أورده (هيدفيلد) على هذه الصورة : (هل نترك لكل إنسان إذا اتباع الطريق الذي يبدو له قويا إلى المثل الأعلى). وبديهي أن هذه (الحرية) لا تتفق في النهاية لا مع مصالح الفرد ولا مع مصالح الجماعة.ومن ناحية أخرى، لو أننا حرمنا الفرد من حرية الاختيار فسنجعل منه آلة صماء أو مخلوقا صناعيا أكثر من أن يكون كائنا إنسانيا يتصرف في طاقته الحيوية لغايات يلمحها ضميره لمحا جيدا(ميلاد مجتمع: مالك بن نبي ص73).

****

إن توجيها عاما كان يقرر ويحمي الحريات واضعا لها -في الوقت نفسه – الحدود من خلال الحديث الذي يرويه البخاري :

” مثل القائم في حدود الله والواقع فيها كمثل قوم استهموا على سفينة فصار بعضهم أعلاها وبعضهم أسفلها ، وكان الذين في أسفلها إذا استسقوا من الماء مروا على من فوقهم فقالوا : لو أنا خرقنا في نصيبنا خرقا ولم نؤذ من فوقنا، فإن تركوهم وما أرادوا هلكوا وهلكوا جميعا ، وإن أخذوا على أيديهم نجوا ونجوا جميعا”(البخاري في كتاب الشركة حديث2313).

إن هذا الحد الموضوع لكل حرية فردية في ظروف معينة أساس مهم في التشريع الإسلامي حيث تقدم فيه مصلحة المجتمع على مصلحة الأفراد (تأملات: ابن نبي ص 79) مع العمل على التخفيف من حدة هذا الاستثناء المسلط على الحريات ما أمكن.

محمد البنعيادي

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>