مراكز الأبحاث : إنتاج المعرفة ومسؤوليات المثقف


مركز الدراسات والبحوث الإنسانية والاجتماعية بوجدة ينظم ندوة في موضوع :

مراكز الأبحاث : إنتاج المعرفة ومسؤوليات المثقف

نظم المركز هذه الندوة التي بحثت في دور المراكز العلمية، يوم الجمعة 10 يونيو 2005 بقاعة نداء السلام بكلية الآداب بوجدة، وقد شارك فيها كل من د. نصر محمد عارف بموضوع : مراكز الأبحاث بين صناعة الأفكار وترشيد السياسات.  ود. مصطفى المرابط بموضوع : مهمات المثقف : أي دور في ظل مؤسسات المعرفة. ثم د. سعيد خالد الحسن بموضوع : مراكز الأبحاث ومحددات العمل الوطني. وقد ألقى الأستاذ سمير بودينار رئيس المركز كلمة مما جاء فيها:

لا يملك المرء إخفاء سعادته بهذه الفرصة، التي تلتئم فيها هذه النخبة من أهل الفكر والعلم، ومن الباحثين ومحبي المعرفة ومشجعيها، ليس على مستوى الجهة الشرقية من بلدنا فحسب، بل على مستوى المغرب والوطن العربي، وإنه لو لم يكن لمركزنا، “مركز الدراسات والبحوث الإنسانية والاجتماعية بوجدة” إلا أن ساهم ـ في ما نظن ـ في التئام هذا الجمع لَحقّ لنا أن نعتز ونستبشر بكل هذه الكفاءات المخلصة التي ما فتئت تبذل من طاقاتها خدمة لهذا المشروع الفكري الواعد، وتساهم على طريق استعادة مجتمعنا ووطننا وأمتنا لمسار عافيته الفكرية. وما هذه المناسبة العلمية التي تجمعنا اليوم إلا ثمرة من ثمار هذا البذل، ونتيجة من نتائج فعل تلك الطاقات العلمية والبحثية والأكاديمية الخيرة.

…إن مبعث التنويه الذي نستسمحكم في بدء كلمة المركز به هو الشعور الصادق بأهمية اللحظة، التي تنعقد فيها هذه الندوة، فهي :

أولا: لحظة استجماع طاقات علمية متعددة من أجل النظر الجماعي والتفكير المشترك في تشييد بُنى جديدة ومتميزة للمعرفة في وطننا تستلهم جوهر رصيد التجربة الحية والمتصلة لمجتمعنا المؤسسة على فعل القراءة الدائبة والمتعددة المستويات؛ إضافة إلى استجماع طاقتنا العلمية التي لا تؤتي أكلها معرفة منظمة مبذولة ميسرة وخبرة نافعة ورأيا مؤسسا إلا بتفكير منظم جماعي  وقادر على ترشيد الفعل لتكون الوجهة مسددة والمسار قاصدا.

وهي ثانيا، لحظة تٌرى فيها آثار تعاون سمته النبل في الدوافع والسمو في الغاية بين فعاليات هذا المجتمع، والتي لا تمثل جهتنا الشرقية من المغرب إلا نموذجا واحدا من نماذجه التي تٌرى على امتداد الوطن المغربي والعربي والإسلامي الكبير، تعاون بين ثمار مجتمع آمَن بالعلم فانصرف له، بعضه تحصيلا وتكوينا، وأحبه البعض الآخر فدعمه وسانده وبذل لأجله كل ما يستطيع، والحقيقة أن هؤلاء وأولئك إنما هم ثمرة مجتمع وثقافة وقيم وأخلاق العالم والمتعلم ومحب العلم، وإن مركزنا ليشرف بأن يَكون لكل من هؤلاء يدٌ فيه وبصمة على بنائه ومساره: السادة العلماء، والأساتذة الأجلاء، والأكاديميون والباحثون جنبا إلى جنب مع محبي العلم ومشجعيه الذين وإن عدوا من خارج دائرة المتخصصين فيه، لكنهم في العمق من دائرة المعنيين والمهتمين به.

ثم هي أخيرا، وليس آخرا: لحظة إيذان بانطلاق نموذج تجربة علمية على صعيد الجهة الشرقية، هي تجربة مراكز البحوث والدراسات، التي تجمع بين الكفاءة الأكاديمية، والاستقلالية المادية والقانونية، والامتداد في صلات التشارك والتعاون، والإشعاع في مجال التكوين والتأطير المتخصص والاتساع في قاعدة الإفادة من الإنتاج البحثي، والكتاب المفيد ووسائط المعرفة والتثقيف المتاحة للفئات العريضة من الباحثين والطلاب وعموم المهتمين والقراء.

لقد استطاعت مجموعة من مراكز البحث والدراسة على المستوى الوطني عبر تجربة تمتد عقدين من الزمان أن تؤسس تقليدا وتراكم تجربة، وتفتح المجال أمام الباحثين لاستكمال هذا الجهد من خلال مرحلة جديدة سمتها النوعية في العمل البحثي، والاستفادة من تراث التجربة في سبيل تكوين مستمر متميز وفعال، مع الانفتاح على كافة الكفاءات العلمية من مختلف التخصصات الأكاديمية، والتوجهات البحثية، والمدارس الفكرية وفي مختلف جهات الوطن، بدلا من مركزية في جغرافية المؤسسات البحثية، تجعل الاستفادة من بنيتها وإنتاجها محدودة بحدود القرب المكاني أو الإمكان المادي، ولأجل ذلك كان مبعث التنويه بهذه الفرصة التواصلية بين “مركز  البحوث والدراسات والبحوث الإنسانية والاجتماعية بوجدة” وبين كفاءات علمية مرموقة يمثل بعضها مراكز وطنية للدراسات والأبحاث من جهة، وبين الباحثين والمهتمين في الجهة الشرقية من المغرب.

…إن تساؤلا مشروعا يقوم حول أهمية مراكز البحث في بلدان تعاني من مشاكل كبرى ليس على مستوى مجال تداول المعرفة، وقاعدة القراءة، ونسبة استفادة القرار العملي من الرأي العلمي فحسب، بل كذلك على مستوى مؤسسات إنتاج المعرفة نفسها، في ضوء ما تواجهه من تحديات الكفاءة الأكاديمية وجودة التكوين، والاندماج في المنظومة المجتمعية، لذا يبدو من المهم التأكيد على نقطة نرى أنها على جانب كبير من الأهمية إن لم تكن النقطة الجوهرية بصدد مراكز الدراسات والأبحاث عامة، تلكم هي حقيقة أن مراكز البحوث والدراسات، إنما هي مطلب ملح وحاجة أساسية للمجتمع في جانب بالغ الأهمية.

ذلك أن مظاهر الاشتغال التواصلية في مراكز البحث، سواء كانت توفير بنية بحثية متخصصة لخدمة الأكاديميين والباحثين وطلاب الدراسات العليا وسنوات التخرج، أو تشكيل فرق بحثية متكاملة تعمل بمقتضى مشروعات بحث مدروسة ومعتمدة، أو إنجاز أبحاث نظرية ودراسات ميدانية أو إنتاج تقارير علمية أو إصدار كتب دورية أو حتى تقديم آراء استشارية، ما هي في الحقيقة إلا آليات تخدم الهدف من مثل هذه المؤسسات، وهو إنتاج المعرفة التي تسدد الرؤية وتوجه القرار في شتى المجالات والمستويات.

وبهذا تكون مراكز البحث العلمي وفق الرؤية الصحيحة لفلسفة ومجال اشتغالها محاولة علمية لإثراء التساؤل المستمر والإيجابي حول دور المعرفة ومؤسساتها في خدمة المجتمع، من خلال بناء الإنسان، ومدّه بأسباب التعرف المستوعب والمؤسس لمختلف قضايا مجتمعه.

وليست المبادرة إلى تأسيس “مركز الدراسات والبحوث الإنسانية والاجتماعية بوجدة”  استثناء من تلك القاعدة، فالمبادرة التي أثمر تظافر إرادات خيرة لمجموعة من الأساتذة الجامعيين، والباحثين مع ثلة من محبي العلم ومشجعيه والتي مضى على انطلاقة التفكير والتشاور فيها والسعي إلى إنضاجها ثم المبادرة إلى إخراجها للوجود أزيد من عامين، إنما جاءت استجابة لحاجات ملحة على صعيد الجهة كالحاجة إلى تعدد المكتبات البحثية المتخصصة خاصة، وبنية للبحث العلمي عامة، وإلى مشاريع بحثية ومشروعات علمية تستوعب الطاقات العلمية الكفأة بالجهة، وتنسيق مسارات البحث الفردية واستيعابها في فرق بحث متكاملة وغير ذلك، في تعاون وثيق مع عمل المؤسسة الجامعية والمعاهد العليا، غير أن الهدف الأسمى ـ فيما نرى ـ كان ولا يزال إعادة الاعتبار للتفكير في علاقته بتحولات واقع الإنسان والمجتمع، وللمعرفة في تسديد الفعل، وللتفكير في ترشيد المسار.

ولأجل ذلك كانت الوحدات العلمية للمركز قائمة على رؤية تستوعب ذلك الهدف وتسعى إلى بلوغه وفق محددات أربع :

أولا: وحدات تعنى بالدراسة والبحث في الواقع الإقليمي والجهوي محاولة رصد عوامل القوة فيه، والاستفادة منها وتعقب مواطن الضعف والسعي إلى معالجتها أو تجنب الخضوع لها باستحضار عناصر العافية وهو مجال كل من:

- وحدة الدراسات الإقليمية.

- وحدة الدراسات المغاربية بالمركز.

ثانيا: وحدات تعنى بالرصد والقراءة العلمية لبنية المجتمع بالرصد والقراءة العلمية لبنية المجتمع ومساره ودقيق تحولاته وتقديم الدراسات العلمية وفق رؤية معرفية لتلكالبنية مع استحضار كافة أبعادها في التحليل والاستنتاج، وذلك هو مجال كل من:

- وحدة الدراسات الاجتماعية.

- ووحدة الدراسات المستقبلية بالمركز.

ثالثا :  وحدات تعنى بدراسة العناصر البنيوية في مجتمعنا ومبلغ تأثيرها فيه وتأثرها بوضعه ومستوى حراكه، وعلاقة ذلك التأثير المتبادل في الحالة الدينية للمجتمع في بلداننا وذلك هو مجال وحدة “الاجتهاد ومستقبل الدين”.

رابعا : وحدات تعنى بالدراسات الموازية التي ترصد محاولات البحث المتنوعة في الوحدات العلمية الأخرى وتسعى إلى تقييم منهاجية عملها العلمي وإمدادها بالدراسات العلمية في هذا المجال. تلك هي:

- وحدة الدراسات المناهجية.

- ووحدة الترجمة.

- ووحدة الدراسات الثقافية بالمركز.

…. إن مركزنا وهو يطل على جمهور المثقفين والمهتمين بالجهة من خلال نشاطه العام الأول، لم يجد خيرا من ندوة يجمع لها ثلة من أرقى الباحثين في عالمنا العربيالذين جمعوا بين التكوين العلمي الرفيع، و المراس في التجربة التأصيلية أو الأكاديمية وبين الممارسة العملية في مؤسسات بحثية وعلمية وثقافية وفكرية متنوعة في مشرق العالم العربي ومغربه.

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>